قلب من حجــر
من نافذة " الميكروباص" لمحتُ طفلة لا يتجاوز عمرها تسع سنوات تركض خلف السيارة بسرعة وتنادي .. ماما .. ماما وهي تُثبت نظرها على العربة .. تعجبت ، طلبت من السائق أن يتوقف لوحت لها بيدي أن تأتي .. ولكن السائق بذكائه فهم أنه لابد وأن الفتاة تقصد الميكروباص الذي يسبقه لأنه لم تتحرك أية سيدة من ركاب الميكروباص الخاص بنا نتيجة صرخات تلك الفتاة .. أسرع في سيره والطفلة تركض بسرعة وهي تلهث محاولة مجاراة سرعة العربة .. وقلبي لا يحتمل هذا المشهد.. بدأ السائق في تنبيه السيارة التي أمامنا حتي توقفت .. المدهش والغريب أن الطفلة تركت تلك العربة وتابعت ركضها خلفنا ونظراتها لا تفارق العربة وصياحها بكلمة ماما .. ماما!!
تعجبت وصرخت في السائق بأن يقف لمعرفة ماذا بها تلك المسكينة .. تخيلت حالتها وهي طفلة صغيرة كيف تقطع تلك المسافة ركضاً خلفنا .. توقف السائق .. فتحت الطفلة الباب توقفت عقولنا وألسنتنا من الدهشة ... كان ما حدث خارجا عن نطاق الطبيعة ، كاسراً لكل توقع، فائقاً لكل خيال ... كانت أمها هي تلك السيدة الجالسة أمامي مباشرة؛ قالت لها : ارجعي يا ماما والنبي ترجعي ..والسيدة بكل قلب متحجر تأمرها بالمغادرة والرجوع للمنزل .. تبكي الطفلة وتقول لها : والله مش هاعرف أرجع يا ماما .. تدفعها بيدها خارج العربة رجوتها بأ ن الأطفال ليس لهم ذنب فيما يحدث بين الأزواج ..وأن ترأف بحال طفلتها ..ولكنني لم أجد في عينيها أي أثر للدمع أو الحزن .. بل وجدتها بكامل زينتها ممسكة بالموبايل تقلب فيه .. نظرت للطفلة ودفعتها خارجاً وتخركت العربة والطفلة ممسكة بمقبض الباب تركض ..
قال السائق : البنت كده ممكن " تتعور" ..
نظرت السيدة لها وصرخت فيها أن تترك السيارة ،طلبت من السائق أن يتوقف ، نزلت وأنا أسُب داخلي تلك السيدة مُتحجرة القلب ، وأثناء نظري يميناً لكي أعبر الشارع شاهدت زحاما كبيرا.. هرولت في اتجاهه.. قلبي يخفق .. وعقلي يدعو الله ألا تكون مخاوفي قد تحققت
**************************************************