(الجاسوسة التي بكت عليها جولدا مائير )هبه سليم
جاءني على بريدي الإلكتروني تفاصيل قصة ما فعلته هذه الجاسوسة الحقيرة ببلدها وأبناء عروبتها ، وكم كنت أتمنى أن يكون هناك عقوبة أشد تنكيلاً وتعذيبًا وأخذًا للثأر لكل من على شاكلة هذه النذلة الآثمة .. خلصنا الله منها ومن كل خائن في كل مكان ..
لقد دارت وترددت في مخيلتي تساؤلات كثيرة عندما قرأت القصة .. كيف نمى هذا الإحساس بالدونيّة بداخلها ؟؟ كيف استطاعت الإنسلاخ من آدميتها لهذا الحد ؟؟ كيف إستطاعت تقبّل العدو اللعين ورغبتها أن تكون معهم ومنهم بهذه البساطة ؟؟
ألم يُعرّفها أبويها حقيقة الصراع القائم ؟، وضياع حقوق إخوتنا وتشردهم ومعاناتهم بسبب إسرائيل ( سوس البشر ) وكيف لم يربّوها على كُره أعداء البشرية والتصدّي لهم ومحاربتهم ؟؟ كيف حدث هذا وأبوها له شأن ومركز في التربية والتعليم ؟..
وهذه هي التفاصيل المؤلمة كما وصلتني:
بكت جولدا مائير على مصير هبة التي وصفتها بأنها “قدمت لإسرائيل أكثر مما قدم زعماء إسرائيل”
وعندما جاء هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي ليرجو السادات تخفيف الحكم عليها. .
كانت هبة تقبع في زنزانة انفرادية لا تعلم أن نهايتها قد حانت بزيارة الوزير الأمريكي.
لقد تنبه السادات فجأة إلى أنها قد تصبح عقبة كبيرة في طريق السلام، فأمر بإعدامها فوراً،
ليسدل الستار على قصة الجاسوسة التي باعت مصر ليس من أجل المال أو العقيدة. .
إنما الوهم الذي سيطر على عقلها وصور لها بأن إسرائيل دولة عظمى لن يقهرها العرب.
آمنت هبة بكل هذه الخرافات، ولم يستطع والدها – وكيل الوزارة بالتربية والتعليم – أن يمحو أوهامها
ولأنها تعيش في حي المهندسين وتحمل عضوية في نادي “الجزيرة”–
فقد اندمجت في وسط شبابي لا تثقل عقله سوى أحاديث الموضة والمغامرات
وعندما حصلت على الثانوية العامة ألحت على والدها للسفر إلى باريس لإكمال تعليمها الجامعي،
وأمام ضغوط الفتاة الجميلة وافق الأب وهو يلعن هذا الوسط الاجتماعي الذي يعيش فيه
ولأنها درست الفرنسية منذ طفولتها فقد كان من السهل عليها أيضاً أن تتأقلم بسرعة مع هذا
الخليط العجيب من البشر.
إنها الحرية بمعناها الحقيقي، الحرية في القول والتعبير .
جمعتها مدرجات الجامعة بفتاة يهودية من أصول بولندية دعتها ذات يوم لسهرة بمنزلها،
وهناك التقت بلفيف من الشباب اليهود الذي تعجب لكونها مصرية جريئة
لقد أعلنت صراحة في شقة البولندية أنها تكره الحرب، وتتمنى لو أن السلام عم المنطقة.
وفي زيارة أخرى أطلعتها زميلتها على فيلم يصور الحياة الاجتماعية في إسرائيل،
وأسلوب الحياة في “الكيبوتز” وأخذت تصف لها كيف أنهم ليسوا وحوشاً آدمية كما يصورهم
الإعلام العربي ، بل هم أناس على درجة عالية من التحضر والديمقراطية.
وعلى مدار لقاءات طويلة مع الشباب اليهودي. .
استطاعت هبة أن تستخلص عدة نتائج كحقائق ثابتة. أهم هذه النتائج أن إسرائيل قوية جداً
وأقوى من كل العرب.
وأن أمريكا لن تسمح بهزيمة إسرائيل في يوم من الأيام بالسلاح الشرقي..
ففي ذلك هزيمة لها.
آمنت هبة أيضاً بأن العرب يتكلمون أكثر مما يعملون. وقادتها هذه النتائج إلى حقد دفين على العرب
وثقت هبة أيضاً في أحاديث ضابط الموساد الذي التقت به في شقة صديقتها. .
وأوهمها باستحالة أن ينتصر العرب على إسرائيل وهم على خلاف دائم وتمزق خطير
في حين تلقى إسرائيل الدعم اللازم في جميع المجالات من أوروبا وأمريكا.
كانت هذه الأفكار والمعتقدات التي اقتنعت بها الفتاة سبباً رئيسياً لتجنيدها للعمل لصالح الموساد ..
دون إغراءات مادية أو عاطفية أثرت فيها، مع ثقة أكيدة في قدرة إسرائيل على حماية “أصدقائها”
هكذا عاشت الفتاة أحلام الوهم والبطولة، وأرادت أن تقدم خدماتها لإسرائيل طواعية ولكن.. كيف؟
فقط تذكرت فجأة المقدم فاروق الفقي الذي كان يطاردها في نادي الجزيرة،
وإظهار إعجابه الشديد ورغبته الملحة في الارتباط بها
وتذكرت وظيفته الهامة في مكان حساس في القوات المسلحة المصرية
وفي أول أجازة لها بمصر. .
كانت مهمتها الأساسية تنحصر في تجنيده ، وكان الثمن خطبتها له.
وفرح الضابط العاشق بعروسه وبدأت تدريجياً تسأله عن بعض المعلومات والأسرار الحربية. .
وبالذات مواقع الصواريخ الجديدة التي وصلت من روسيا. .
فكان يتباهى أمامها بأهميته ويتكلم في أدق الأسرار العسكرية، ويجيء بها بالخرائط زيادة في شرح التفاصيل.
أرسلت هبة سليم على الفور بعدة خطابات إلى باريس بما لديها من معلومات ولما تبينت إسرائيل خطورة
وصحة ما تبلغه هذه الفتاة لهم..
اهتموا بها اهتماماً فوق الوصف. وبدؤوا في توجيهها إلى الأهم في تسليح ومواقع القوات المسلحة. .
وبالذات قواعد الصواريخ والخطط المستقبلية لإقامتها،
وسافرت هبة إلى باريس مرة ثانية تحمل بحقيبتها عدة صفحات. .
دونت بها معلومات غاية في السرية والأهمية للدرجة التي حيرت المخابرات الإسرائيلية.
فماذا سيقدمون مكافأة للفتاة الصديقة ؟
سؤال كانت إجابته عشرة آلاف فرنك فرنسي حملها ضابط الموساد إلى الفتاة ..
مع وعد بمبالغ أكبر وهدايا ثمينة وحياة رغدة في باريس.
رفضت هبة النقود بشدة وقبلت فقط السفر إلى القاهرة على نفقة الموساد بعد ثلاثة أشهر
من إقامتها بباريس
لم يكن المقدم فاروق الفقي بحاجة إلى التفكير في التراجع، إذ أن الحبيبة الرائعة هبة كانت تعشش
بقلبه وتستحوذ على عقله..
ولم يعد يملك عقلاً ليفكر، بل يملك طاعة عمياء.وعندما أخذها في سيارته الفيات 124 إلى صحراء الهرم..
كان خجولاً ويتبعها أينما سارت. . وسقط ضابط الجيش المصري في بئر الخيانة ،
ليصير في النهاية عميلاً للموساد تمكن من تسريب وثائق وخرائط عسكرية..
موضحاً عليها منصات الصواريخ “سام 6″ المضادة للطائرات. .
التي كانت القوات المسلحة تسعى ليلى نهار لنصبها لحماية مصر من غارات العمق الإسرائيلية.
لقد تلاحظ للقيادة العامة للقوات المسلحة ولجهازي المخابرات العامة والحربية،
أن مواقع الصواريخ الجديد تدمر أولاً بأول بواسطة الطيران الإسرائيلي. حتى قبل أن يجف
الأسمنت المسلح بها، وحودث خسائر جسيمة في الأرواح، وتعطيل في تقدم العمل وإنجاز الخطة التي
وضعت لإقامة حائط الصواريخ المضادة للطائرات.
تزامنت الأحداث مع وصول معلومات لرجال المخابرات المصرية. .
بوجود عميل “عسكري” قام بتسريب
معلومات سرية جداً إلى إسرائيل.
وبدأ شك مجنون في كل شخص ذي أهمية في القوات المسلحة، وفي مثل هذه الحالات لا يستثنى
أحد بالمرة بدءاً من وزير الدفاع.
“اتسعت دائرة الرقابة التليفزيونية والبريدية لتشمل دولاً كثيرة أخرى، مع رفع نسبة المراجعة والرقابة
إلى مائة في المائة من الخطابات وغيرها،
كل ذلك لمحاولة كشف الكيفية التي تصل بها هذه المعلومات إلى الخارج.
كما بدأت رقابة قوية وصارمة على حياة وتصرفات كل من تتداول أيديهم هذه المعلومات من القادة،
وكانت رقابة لصيقة وكاملة. وقد تبينت طهارتهم ونقاءهم.
ثم أدخل موظفو مكاتبهم في دائرة الرقابة. . ومساعدوهم ومديرو مكاتبهم .. وكل من يحيط بهم مهما صغرت
أو كبرت رتبته”.
وفي تلك الأثناء كانت هبة سليم تعيش حياتها بالطول وبالعرض في باريس. وعرفت الخمر والتدخين وعاشت
الحياة الأوروبية بكل تفاصيلها..
لقد نزفت عروبتها نزفاً من شرايين حياتها، و تهللت بشراً عندما عرض عليها ضابط الموساد زيارة إسرائيل،
فلم تكن لتصدق أبداً أنها مهمة إلى هذه الدرجة،
ووصفت هي بنفسها تلك الرحلة قائلة: “طائرتان حربيتان رافقتا طائرتي كحارس شرف وتحية لي.
وهذه إجراءات تكريمية لا تقدم أبداً إلا لرؤساء وملوك الدول الزائرين
في مطار تل أبيب كان ينتظرني عدد من الضباط اصطفوا بجوار سيارة ليموزين سوداء تقف أسفل جناح الطائرة
وعندما أدوا التحية العسكرية لي تملكني شعور قوي بالزهو.
واستقبلني بمكتبه مائير عاميت رئيس جهاز الموساد ،
وأقام لي حفل استقبال ضخماً ضم نخبة من كبار ضباط الموساد على رأسهم مايك هراري الأسطورة (2)
وعندما عرضوا تلبية كل “أوامري”. . طلبت مقابلة جولدا مائير رئيسة الوزراء التي هزمت العرب
ومرغت كرامتهم
ووجدت على مدخل مكتبها صفاً من عشرة جنرالات إسرائيليين أدوا لي التحية العسكرية ..
وقابلتني مسز مائير ببشاشة ورقة وقدمتني إليهم قائلة: “إن هذه الآنسة قدمت لإسرائيل خدمات أكثر
مما قدمتم لها جميعاً مجتمعين”.
وبعد عدة أيام عدت إلى باريس. . وكنت لا أصدق أن هذه الجنة “إسرائيل” يتربص بها العرب ليدمروها!!
سفر بلا عودة
وفي القاهرة . كان البحث لا يزال جارياً على أوسع نطاق، والشكوك تحوم حول الجميع،
إلى أن اكتشف أحد مراقبي الخطابات الأذكياء “من المخابرات المصرية” خطاباً عادياً مرسلاً إلى فتاة
مصرية في باريس سطوره تفيض بالعواطف من حبيبها.
لكن الذي لفت انتباه المراقب الذكي عبارة كتبها مرسل الخطاب تقولن أنه قام بتركيب إيريال
الراديو الذي عنده
ذلك أن عصر إيريال الراديو قد انتهى. إذن .. فالإيريال يخص جهازاً لاسلكياً للإرسال والاستقبال.
وانقلبت الدنيا في جهازي المخابرات الحربية والمخابرات العامة وعند ضباط البوليس الحربي،
وتشكلت عدة لجان من أمهر رجال المخابرات، ومع كل لجنة وكيل نيابة ليصدر الأمر القانوني
بفتح أي مسكن وتفتيشه.
وكانت الأعصاب مشدودة حتى أعلى المستويات في انتظار نتائج اللجان، حتى عثروا على جهاز
الإيريال فوق إحدى العمارات..
واتصل الضباط في الحال باللواء فؤاد نصار مدير المخابرات الحربية وأبلغوه باسم صاحب الشقة. .
فقام بإبلاغ الفريق أول أحمد إسماعيل وزير الدفاع “قبل أن يصبح مشيراً” الذي قام بدوره
بإبلاغ الرئيس السادات.
حيث تبين أن الشقة تخص المقدم فاروق الفقي ، وكان بحكم موقعه مطلعاً على أدق الأسرار العسكرية،
فضلاً عن دوره الحيوي في منظمة سيناء
وكان الضابط الجاسوس أثناء ذلك في مهمة عسكرية بعيداً عن القاهرة.
وعندما اجتمع اللواء فؤاد نصار بقائد الضابط الخائن. رفض القائد أن يتصور حدوث خيانة بين
أحد ضباط مكتبه.
خاصة وأن المقدم فاروق يعمل معه منذ تسع سنوات، بل وقرر أن يستقيل من منصبه إذا ما ظهر
أن رئيس مكتبه جاسوس للموساد.
وعندما دخل الخائن إلى مكتبه.. كان اللواء حسن عبد الغني نائب مدير المخابرات الحربية ينتظره
جالساً خلف مكتبه بوجه صارم وعينين قاسيتين
فارتجف رعباً وقد جحظت عيناه وقال في الحال “هو أنت عرفتوا؟؟”.
وعندما ألقى القبض عليه استقال قائده على الفور، ولزم بيته حزيناً على خيانة فاروق والمعلومات
الثمينة التي قدمها للعدو.
وفي التحقيق اعترف الضابط الخائن تفصيلياً بأن خطيبته جندته ..
وأنه رغم إطلاعه على أسرار عسكرية كثيرة إلا أنه لم يكن يعلم أنها ستفيد العدو.
وعند تفتيش شقته أمكن العثور على جهاز اللاسلكي المتطور الذي يبث من خلاله رسائله،
وكذا جهاز الراديو ونوتة الشفرة، والحبر السري الذي كان بزجاجة دواء للسعال.
ضبطت أيضاً
عدة صفحات تشكل مسودة بمعلومات هامة جداً معدة للبث،
ووجدت خرائط عسكرية بالغة السرية لأحشاء الجيش المصري وشرايينه، تضم مواقع القواعد
الجوية والممرات والرادارات والصواريخ ومرابض الدفاعات الهامة.
وفي سرية تامة . . قدم سريعاً للمحاكمة العسكرية التي أدانته بالإعدام رمياً بالرصاص..
واستولى عليه ندم شديد عندما أخبروه بأنه تسبب في مقتل العديد من العسكريين من زملائه
من جراء الغارات الإسرائيلية.
وأخذوه في جولة ليرى بعينه نتائج تجسسه. فأبدى استعداده مرات عديدة لأن يقوم بأي
عمل يأمرونه به.
ووجدوا – بعد دراسة الأمر بعناية – أن يستفيدوا من المركز الكبير والثقة الكاملة التي يضعها
الإسرائيليون في هذا الثنائي.
وذلك بأن يستمر في نشاطه كالمعتاد خاصة والفتاة لم تعلم بعد بأمر القبض عليه والحكم بإعدامه.
وفي خطة بارعة من مخابراتنا الحربية، أخذوه إلى فيلا محاطة بحراسة مشددة،
وبداخلها نخبة من أذكى وألمع رجال المخابرات المصرية تتولى “إدارة” الجاسوس وتوجيهه،
وإرسال الرسائل بواسطة جهاز اللاسلكي الذي أحضرته له الفتاة ودربته عليه.
وكانت المعلومات التي ترسل هي بالطبع من صنع المخابرات الحربية، وتم توظيفها بدقة متناهية في
تحقيق المخطط للخداع،
حيث كانت حرب أكتوبر قد اقتربت، وهذه هي إحدى العمليات الرئيسية للخداع التي ستترتب
عليها أمور إستراتيجية مهمة بعد ذلك.
لقد كان من الضروري الإبقاء على هبة في باريس والتعامل معها بواسطة الضابط العاشق،
واستمر الاتصال معها بعد القبض عليه لمدة شهرين، ولما استشعرت القيادة العامة أن الأمر أخذ كفايته..
وأن القيادة الإسرائيلية قد وثقت بخطة الخداع المصرية وابتلعت الطعم، تقرر استدراج الفتاة
إلى القاهرة
يتبع
**************************************************