نشيد الجبار - لأبي القاسم الشابي
سَأعيشُ رَغْـمَ الـدَّاءِ والأَعـداءِ ............... كالنَّسْـر فـوقَ القِمَّـةِ الشَّمَّـاءِ
أرْنُو إلى الشَّمْسِ المُضِيئةِ هازِئـاً ............ بالسُّحْـبِ والأَمطـارِ والأَنـواءِ
لا أرْمقُ الظِّلَّ الكئيـبَ ولا أرَى ................. مَا فـي قَـرارِ الهُـوَّةِ السَّـوداءِ
وأَسيرُ في دُنيا المَشَاعـرِ حالِمـاً ............... غَرِداً وتلـكَ سَعـادةُ الشعَـراءِ
أُصْغي لمُوسيقى الحَياةِ وَوَحْيِهـا ............ وأذيبُ روحَ الكَوْنِ فـي إنْشَائـي
وأُصيخُ للصَّوتِ الإِلهـيِّ الَّـذي ................... يُحْيـي بقلبـي مَيِّـتَ الأَصْـداءِ
وأقـولُ للقَـدَرِ الَّـذي لا ينثنـي .................... عَنْ حَـرْبِ آمالـي بكـلِّ بَـلاءِ
لا يُطْفِئُ اللَّهبَ المؤجَّجَ في دمـي ........ موجُ الأسى وعواصـفُ الأَزراءِ
فاهدمْ فؤادي ما استطعـتَ فانَّـهُ ........... سيكون مثلَ الصَّخـرة الصَّمَّـاءِ
لا يعرفُ الشَّكوى الذليلَة والبكـا ........... وضراعَة الأَطفـالِ والضّعفـاءِ
ويعيـشُ جبَّـاراً يحـدِّق دائمـاً ............... بالفجر بالفجـرِ الجميـلِ النَّائـي
إِملأْ طريقي بالمخاوفِ والدُّجـى ......... وزوابـعِ الأَشـواكِ والحصبـاءِ
وانْشر عليه الرُّعب واثـر فوقـه .... رُجُمَ الرَّدى وصواعـقَ البأسـاءِ
سَأَظلُّ أمشي رغمَ ذلـك عازفـاً ............... قيثارتـي مترنِّـمـاً بغنـائـي
أَمشـي بـروحٍ حالـمٍ متَوَهِّـجٍ ................ فــي ظُلـمـةِ الآلامِ والأَدواءِ
النُّور في قلبي وبيـنَ جوانحـي ...... فَعَلامَ أخشى السَّيرَ فـي الظلمـاءِ
إنِّي أنا النَّـايُ الَّـذي لا تنتهـي .............. أنغامُـهُ مـا دام فـي الأَحيـاءِ
وأنا الخِضَمُّ الرحْبُ ليس تزيـدُهُ .............. إلاَّ حيـاةً سَـطْـوةُ الأَنــواءِ
أمَّا إِذا خمدت حياتـي وانقضـى ......... عُمُري وأخرسَتِ المنيَّـةُ نائـي
وخبا لهيبُ الكون في قلبي الَّـذي ...... قد عاش مِثْلَ الشُّعْلَـةِ الحمـراءِ
فأنـا السَّعيـد بأنَّنـي مُتـحـوِّلٌ ................. عـن عالـمِ الآثـامِ والبغضـاءِ
لأذوبَ في فجر الجمال السرمديِّ ......... وأرتوي مـن مَنْهَـلِ الأَضـواءِ
وأَقولُ للجَمْـعِ الَّذيـن تجشَّمـوا ................ هَدْمي وودُّوا لـو يخـرُّ بنائـي
ورأوْا على الأَشواكِ ظلِّيَ هامِـداً ............. فتخيَّلـوا أَنِّـي قضيْـتُ ذَمائـي
وغدوْا يَشُبُّون اللَّهيبَ بكـلِّ مـا ............. وجدوا ليشـوُوا فوقَـهُ أشلائـي
ومضَوْا يَمُدُّونَ الخُـوَانَ ليأكلـوا .......... لحمي ويرتشفـوا عليـه دِمائـي
إنِّي أقولُ لهمْ ووجهـي مُشـرقٌ .......... وعلى شفاهـي بَسْمَـةُ استهـزاءِ
إنَّ المعـاوِلَ لا تَهُـدُّ مناكـبـي ................. والنَّارَ لا تأتي علـى أعضائـي
فارموا إلى النَّار الحشائشَ والعبوا ..... يا مَعْشَرَ الأَطفالِ تحـتَ سَمائـي
وإذا تمرَّدتِ العَواصفُ وانتشـى ............. بالهـولِ قلْـبُ القبَّـةِ الزَّرقـاءِ
ورأيتمونـي طائـراً مترنِّـمـاً .............. فوقَ الزَّوابعِ في الفَضاءِ النَّائـي
فارموا على ظلِّي الحجارةَ واختفوا ...... خَوْفَ الرِّياحِ الْهـوجِ والأَنـواءِ
وهناكَ في أمنِ البيوتِ تطارحـوا ............ غَـثَّ الحديـثِ ومـيِّـتَ الآراءِ
وترنَّمـوا مـا شئتـمُو بِشَتَائمـي ............. وتجاهَـروا مـا شئتـمُو بعِدائـي
أمَّا أنـا فأُجيبكـمْ مِـنْ فوقكـمْ .......... والشَّمسُ والشَّفقُ الجميـل إزائـي
مَنْ جَاشَ بالوحي المقـدَّسِ قلبُـه ............. لـم يحتفـل بحِجَـارةِ الفلـتـاءِ
**************************************************