لأنه خان وظيفته!!
رئيس الوزراء طاهر يحيى يؤنب جابي المصلحة ويغرمه 60 فلساً.. ومن ثم يكرمه بخمسة دنانير!!
في مساء يوم من أيام ستينات القرن الماضي (1964-1966) كان المرحوم طاهر يحيى رئيس الوزراء العراقي... يتجول سيرا على الأقدام في شارع الرشيد حتى وصل "ساحة الميدان"، وهنا صعد إحدى باصات مصلحة نقل الركاب "الأمانة كما يسميها البغداديين"، كأي راكب عادي، وعندما تحرك الباص صعد ثلاثة أشخاص، ودفع كل منهم الأجرة (15 فلسا)، ولكن قاطع التذاكر "الجابي" قطع لهم التذاكر من الدفتر لكن لم يسلمها لهم بل أخفاها لنزولهم في المحطة التالية، وبعد فترة صعد ثلاثة أشخاص ودفعوا الأجرة للجابي فأعطاهم التذاكر الثلاثة المخفية لديه!!!!!
كل هذا جرى و(دولة) رئيس الوزراء يراقب كل ما جرى أمام عينيه!!
وهنا نادى رئيس الوزراء على الجابي وقال له: لماذا فعلت هذا العمل؟
فتغافل الجابي وأجاب: عن ماذا تتحدث؟؟
قال له: هل تعرفني؟
أجابه الجابي: لا....
قال: أنا طاهر يحيى رئيس الوزراء...
وهنا تلعثم الجابي وأرتبك وأخذ يتوسل مدعيا بأنه صاحب عائلة كبيرة، ولكن رئيس الوزراء طلب منه دفتر التذاكر وقطع منه أربعة بطاقات ومزقها أمامه!! (وهي بقيمة 60 فلسا أي غرّمه 60 فلسا)).
وقال له رئيس الوزراء: سوف أحيلك إلى المحكمة عن جريمة إختلاس وخيانة الوظيفة...
وبقي الجابي يبكي ويتوسل..
وهنا تدخل بعض الناس ممن كانوا راكبين بالباص ملتمسين (دولة) رئيس الوزراء الصفح عنه..
وإستجاب طاهر يحيى رئيس الوزراء لتوسطهم، ورجائهم، وطلب من الجابي أن يكون أميناً ويحافظ على الأمانة التي أوكلت إليه، ثم مدّ رئيس الوزراء يده في جيبه، وأخرج خمسة دنانير من محفظته وسلمها للجابي... وقال له: إصرفها على عائلتك ولا تكرر فعلتك!!
ونزل رئيس الوزراء في المحطة القادمة مترجلا ليكمل سيره وجولته الحرة، وسط تحية الناس له وإعجابهم بتواضعه وإنسانيته...
قصة طريفة أخرى تروى عن المرحوم طاهر يحيى على ذمة راويها:
قيل انه كان يتجول في احدى الليالي لوحده، فأوقف سيارته امام محل (كببجي)، وكان يلبس (الدشداشة والنعال) وعندما نزل من السيارة طلب (تكه وكباب).
وبينما هو ينتظر أخذ يتحدث مع (الكببجي) فساله: شلون الشغل أبو فلان؟؟ فقال الكببجي دون ان يعرف من هو (ضيفه), (الحمد لله، لكن إشخلّة علينة أبو فرهود!!!، أشو أدك ليل نهار وما جايب الراس على الراس!!!)
, فقال له (طاهر يحيى): زين وشنو دخل أبو فرهود بشغلك!!), فقال
له (الكببجي):
(عمي الله يخليك، من أبو فرهود يبوك من فوك، ويشتري سينما النصر ومدينة الألعاب، يكوم اللي وياه يفرهدون، حتى توصل لبائع الخرفان!!!! فأكوم آني ازيّد السعر على الزبون، لأن هي سمجه وخايسه من راسها!!).
وحين هَمّ (طاهر يحيى) للأنصراف، سأل (الكببجي)، شكد حسابك؟؟، أجابه (الكببجي): عمّي خليها على حسابي, فرد عليه (طاهر يحيى)
لا شلون وبعدين تكول طاهر يحيى باكني!!)
وحينها انتبه (الكببجي) الى انه يكلم (رئيس الوزراء), بحق وحقيق , فتلعثم وقال له (لا سيدي سامحني
آني ما اقصدك, لكن الناس الله لا ينطيهم همة اللي يحجون!!)
فردّ عليه طاهر يحيى بعد أن وضع خمسة دنانير على ميز الدخل: (عراقيين ما تصير إلكم جاره!!), وتحرك بسيارته..مكملا جولته دون مرافق ولا أرتال حماية!! لأن عدالته كانت تحميه!!!
طاهر يحيى يعتقله عبدالكريم قاسم !!
في زمن عبدالكريم قاسم اعتقلت أجهزة الأستخبارات العسكرية اللواء طاهر يحيى، وبعد مضي أيام على الحَدَث، وبشكل مفاجىء توقفت سيارة أمام بابِ بيتِ عائلةِ السَجين في حي دراغ، وترجل منها الزعيم بمفردِه. طرَقَ البابَ بهدوء فظهرت أمُّ غسان – زوجة طاهر يحيى– وهي مذهولة ظنا منها أن كارثة أخرى ستحل بها عندما رأت الزعيم على الباب، لكنَّ ظنّها تلاشى بابتسامةٍ أشرقت على مُحيّاه وهو يؤدي التحية ويدور الى خلف سيارتهِ، فأنزل بضاعَتهُ المتكونه من كل ما يحتاجه المطبخ العائلي من تموين. ووضعها أمام البيت وعاد مرة أخرى الى سيارتِه فأنزل منها دراجة هوائية صغيرة للطفل غسان – ابن المرحوم طاهر يحيى- وطمأنها مرة أخرى على صحة (أبو غسان) ، وأوعدَها خيرا باطلاق سراحِة بعد أيام، وفعلا حصل!! وإنتهت القصة ولم تنتهك كرامة هذا الرجل المعتقل الذي صارَ هرَما عظيما بشموخهِ الذي فضح بهِ أقزاما من أعدائهِ وأعداء العراق والأمة. بهذه الطريقة أُعتُقِلَ اللواءُ طاهر يحي التكريتي، وبها أُطلِقَ سراحُه.
م ن