البحر الطويل
بكيتُ على سربِ القطا إذ مررن بي ** فقُلتُ ومثلي بالبُكاءِ جَديرُ
أسِرْبَ القَطا هَل من مُعيرٍ جَناحَهُ؟ ** لعلِّي إلى من قَد هَوِيتُ أطيرُ
وأيُّ قطاةٍ لم تعرني جناحها ** فعاشَتْ بضَيرٍ والجَناحُ كَسِيرُ
وإلاّ فَمَنْ هذا يُؤدِّي تَحِيّةً ** فأشكرهُ إنَّ المحبَّ شكورُ
*****************
البحر الوافر
رُعَاة َ اللَّيْلِ ما فعلَ الصَّباحُ ** وما فَعَلَتْ أوَائِلُهُ الْمِلاَحُ
وما بالُ الَّذِينَ سَبَوْا فُؤادي ** أقاموا أم أجد بهم رواحُ
وما بَالُ النُّجُومِ معَلَّقَاتٌ ** بِقلْبِ الصَّبِّ ليس لها بَرَاحُ
كَأَنَّ القَلبَ لَيلَةَ قيلَ يُغدى ** بِلَيلى العامِرِيَّةِ أَو يُراحُ
قَطاةٌ عَزَّها شَرَكٌ فَباتَت ** تُجاذِبُهُ وَقَد عَلِقَ الجَناحُ
لها فَرْخانِ قد تُرِكَا بِقَفْرٍ ** وعشهما تصفِّقهُ الرياحُ
إذا سمعا هبوب الريح هبا ** وقالا أُمّنا، تَأْتِي الرُّواحُ
فلا بالليل نالت ما ترجى ** ولا في الصُّبحِ كان لها بَرَاحُ
رُعاة اللَّيْل كُونُوا كَيْفَ شِئْتُمْ ** فقد أودي بي الحب المناحُ
***************
البحر الوافر
أقول لصاحبي والعيس تهوي ** بنا بين المنيفة فالضمارِ
تَمَتَّعْ مِنْ شَميمِ عَرَارِ نَجْدٍ ** فما بَعْدَ العَشِيَّة ِ منْ عَرَارِ
ألا حبذا نفحات نجدٍ ** ورَيَّا رَوْضِهِ غِبَّ القِطَارِ
وَأهْلُكَ إذْ يَحلُّ الحَيُّ نَجْداً ** وأنت على زمانك غير زارِ
شُهُورٌ يَنْقَضِينَ وما شَعَرْنَا ** بَأنْصَافٍ لَهُنَّ ولا سَرَارِ
فأما ليلهن فخير ليلٍ ** وأطول ما يكون من النهارِ
**************
البحر الطويل
ألاَ يا نَسِيمَ الرِّيحِ حُكْمُكَ جائِرٌ ** عليَّ إذا أرْضَيْتَني وَرَضِيتُ
ألاَ يا نَسيمَ الرِّيحِ لو أَنَّ واحِداً ** من الناس يبليه الهوى لبليتُ
فلو خلط السم الزعاف بريقها ** تَمَصَّصتُ مِنْهُ نَهْلَةً وَرَوِيتُ
**************
البحر الوافر
أرقت وعادني هم جديدُ ** فجسمي للهوى نضو بليدُ
أراعي الفرقدين مع الثريا ** كذاك الحُبُّ أهْوَنُهُ شَدِيدُ
علقت مليحة الخدين ورداً ** تُشابه حُسْنَ مَطْلَعِهَا السُّعُودُ
أهِيمُ بِذِكرِهَا وَأظَلُّ صَبّاً ** وَعَيْنِي بِالدُّمُوعِ لها تجُودُ
أَلا يا لَيتَ لَحدَكِ كانَ لَحدي ** إِذا ضَمَّت جَنائِزَنا اللَحودُ
**************
البحر الطويل
أيَا هَجْرَ ليْلى قَدْ بَلغْتَ بِيَ المَدَى ** وَزِدْتَ عَلَى ما لَمْ يَكُنْ بَلَغَ الهَجْرُ
عَجِبْتُ لِسْعَي الدَّهْرِ بَيْنِي وَبَيْنَها ** فَلَمَّا انْقَضَى مَا بَيْننا سَكَنَ الدَّهْرُ
فَيَا حُبَّها زِدْنِي جَوى ً كُلَّ لَيْلَةٍ ** ويا سلوة الأيام موعدك الحشرُ
تكاد يدي تندى إذا ما لمستها ** وينبت في أطرافها الورق النضرُ
وَوَجْهٍ لَهُ دِيبَاجَة ٌ قُرشِيَّة ٌ** به تكشف البلوى ويستنزل القطرُ
ويهتز من تحت الثياب قوامها ** كَما اهتزَّ غصنُ البانِ والفننُ النَّضْرُ
فيا حبَّذا الأحياءُ ما دمتِ فيهمُ ** ويا حبذا الأموات إن ضمك القبرُ
وإني لتعروني لذكراك نفضةٌ ** كمَا انْتَفضَ الْعُصْفُورُ بلَّلَهُ الْقَطْرُ
عسى إن حججنا واعتمرنا وحرمتْ ** زِيارَة ُ لَيْلَى أنْ يَكُونَ لَنَا الأَجْرُ
فما هو إلا أن أراه فجاءةً ** فَأُبْهَتُ لاَ عُرْفٌ لَدَيَّ وَلاَ نكْرُ
فلو أن ما بي بالحصا فلق الحصا ** وبالصخرة الصماء لانصدع الصخر
ولو أن ما بي بالوحش لما رعت ** وَلاَ سَاغَهَا المَاءُ النَّمِيرُ وَلا الزَّهْرُ
ولو أن ما بي بالبحارِ لما جرى ** بِأمْوَاجِهَا بَحْرٌ إذا زَخَر الْبَحْرُ
***********************
البحر الطويل
أيا ليلَ زَنْدُ الْبَيْن يقدَحُ في صَدْري ** ونار الأسى ترمي فؤاديَ بالجمرِ
أبَى حَدَثانُ الدهر إلاَّ تشتُّتاً ** وأيُّ هَوى ً يَبْقَى على حَدَثِ الدهرِ
تعز فإن الدهر يجرح في الصفا ** ويقدح بالعصرين في الجبل الوعرِ
وإني إذا ما أعوز الدمع أهله ** فزعت إلى دلحاء دائمة القطرِ
فو الله ما أنساك ما هبت الصبا ** وما ناحتِ الأطيارُ في وَضَح الفَجْرِ
وما نطقت بالليل سارية القطا ** وما صدحت في الصبح غادية الكدرِ
وما لاح نجم في السماء وما بكت ** مُطَوَّقة ٌ شَجْواً على فَنَنِ السِّدْرِ
وما طلعت شمس لدى كل شارقٍ ** وما هطلت عين على واضح النحرِ
وما اغْطَوطَشَ الغِرْبيبُ واسْوَدَّ لونهُ ** وما مر طول الدهر ذكرك في صدري
وما حَمَلَتْ أُنْثَى وما خَبَّ ذِعْلِبٌ ** وما طفح الآذي في لجج البحرِ
وما زحفت تحت الرحال بركبها ** قِلاصٌ تؤمّ البَيْتَ في البَلدِ القفْرِ
فلا تحْسَبي يا ليلَ أني نَسيتُكُمْ ** وأنْ لَسْتِ مِنِّي حيثُ كنتِ على ذُكْرِ
أيبكي الحمامُ الوَرْقُ من فَقْدِ إلْفِه ** وتَسْلو وما لي عَنْ أليفيَ مِنْ صَبْرِ
فأقسم لا أنساك ما ذر شارقٌ ** وما خب آل في معلمة فقرِ
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة ** أُناجيكُمُ حَتَّى أرى َ غُرَّة َ الفجْرِ
لقد حملت أيدي الزمان مطيتي ** على مَرْكَبٍ مَسْتَعْطِل النَّاب والظُّفْرِ
********************
البحر الطويل
أحِنُّ إلى أرْضِ الْحِجَازِ وَحَاجَتي ** خيام بنجد دونها الطرف يقصرُ
وما نظري من نحو نجد بنافعي ** أجَلْ، لاَ، وَلكنِّي عَلَى ذاكَ أنْظُرُ
أفي كل يوم عبرة ثم نظرة ** لَعَيْنِكَ يجْرِي مَاؤُهَا يَتَحدَّرُ
متى يستريح القلب ، إما مجاورٌ ** حزين وإما نازح يتذكرُ
يقولون كم تجري مدامعُ عينهِ ** لها الدهر ، دمعٌ واكف يتحدرُ
وليس الذي يجري من العين ماؤها ** وَلَكِنَّهَا نَفْسٌ تَذُوبُ وَتَقْطُرُ
********************************
البحر الطويل
سأبكي على ما فات مني صبابة ** وأندب أيام السرور الذواهبِ
وأمنع عيني أن تلذ بغيركم ** وإنِّي وإنْ جَانَبْتُ غَيْرُ مُجانِبِ
وخير زمان كنت أرجو دنوه ** رَمَتْنِي عُيُونُ النَّاسِ مِنْ كُلِّ جَانِبِ
فأصبحت مرحوما ًوكنت محسداً ** فصبراً على مكروهها والعواقبِ
ولم أرها إلا ثلاثاً على منًى ** وعَهْدِي بها عَذرَاءَ ذَاتَ ذَوَائِبِ
تبدت لنا كالشمس تحت غمامة ** بَدَا حاجِبٌ مِنْها وَضَنَّتْ بِحَاجِبِ
*****************************
البحر الطويل
عفا الله عن ليلى وإن سفكت دمي ** فإني وإن لم تجزني غير عائبِ
عليها ولا مُبْدٍ لِلَيْلَى شِكايَة ** وقد يشتكي المشكى إلى كل صاحبِ
يقولون تُبْ عن ذِكْرِ لَيْلى وحُبِّها ** وما خَلَدِي عَنْ حُبِّ لَيْلَى بِتائِبِ
******************************
البحر البسيط
يا موقد النار يذكيها ويخمدها ** قر الشتاء بأرياح وأمطارِ
قم فاصطل النار من قلبي مضرمة ** فالَّوْقُ يُضْرِمُهَا يا مُوقِدَ النَّارِ
وأيا أخا الذود قد طال الظماء بها ** لم تدر ما الري من جدبٍ وإقتارِ
رد المطي على عيني ومحجرها ** تروي المطي بدمعٍ مسبلٍ جارِ
يا مزمع البين إن جد الرحيل فلا ** كان الرحيل فإني غير صبَّارِ
**************************************
البحر الطويل
طبيبانِ لو داويتُماني أُجرتُمَا ** فما لكما تستغنيانِ عن الأجرِ
فقالا بحزنٍ ما لكَ اليومَ عندنا *** دواءٌ ، فمتْ أو عزِّ نفسكَ بالصبرِ
وقالا دواءُ الحبِّ غالٍ وداؤُهُ ** رخيصٌ ولا ينبيكَ شيءٌ كمن يدري
فما برحا حتى كتبتُ وصيتي ** ونَشَّرتُ أكفاني وقلتُ احفُروا قبري
فما خيرُ عِشقٍ ليسَ يقتُلُ أهلهُ ** كما قَتَلَ العشَّاقَ في سالفِ الدَّهرِ
ألا حبَّذَا البيضُ الأوانسُ كالدُّما ** وإن كُنَّ يُسْكِرْنَ الفَتى أيَّمَا سُكْرِ
**************************************************