لا يزال عالم البحار مفعما بالإسرار التي يحاول الإنسان كشف غموضها والإطلاع على مكونات أسرارها . وعلى الرغم من غزو الإنسان لليابسة وامتلاكها , إلا انه لم يتمكن بعد من غزو البحار والمحيطات نظرا للصعوبات والتعقيدات الهائلة التي تحول دون إتمامها. أن مصطلح ( علم المحيطات ) ليس منهجا علميا قائم بذاته , بل تطبيقا موازيا لكثير من العلوم المتعلقة بالمحيطات. ويتناول علم المحيطات بصفة اشمل النواحي الفيزيائية ( الطبيعية ) والكيميائية والبيولوجية والجيولوجية علاوة على النواحي الأخرى المتعلقة بالظواهر الجوية لعالم البحار.
وقد مكن التقدم العلمي والتكنولوجي علماء البحار والمكتشفين من إلقاء الضوء على كثير من أسراره الغامضة, بل ساهم تطور الأجهزة الميكانيكية والالكترونية في تمهيد الطريق نحو جمع البيانات والعينات من الأعماق السحيقة للبحار والمحيطات بدرجة متناهية من الدقة , كما ساهم التوسع في استخدام تقنيات الاستشعار عن بعد , والتصوير الجوي , والصور الملتقطة عبر الأقمار الصناعية في أغراض البحث والتحري لعالم البحار لاسيما بعد اختراع الكابينات الغاطسة المقاومة لضغط المياه التي يمكنها النزول إلى أعماق تصل إلى ( 11.000) متر تحت سطح الماء , و تعمل آلات التصوير الذاتية تحت سطح الماء على تزويد المهتمين بمعلومات وافية حول طبيعة قاع البحر, والكائنات القاعية , والتيارات البحرية في الأعماق تجنبا للمخاطر الناجمة عن الغوص إلى الأعماق السحيقة.
وتبين هذه المادة العلمية بإيجاز بعضا من الظواهر الفيزيائية لعالم البحار مثل درجة حرارة المياه , والملوحة, والأكسجين الذائب في الماء , وكثافة الضوء, والتيارات البحرية وتأثيرها على طبيعة الحياة في البحار والمحيطات...
درجة حرارة المياه
وهب الله سبحانه وتعالى للماء خاصية فريدة من حيث القدرة على الاحتفاظ بالحرارة بمعدل ثلاثة آلاف ضعفا عن الهواء الجوي , وتظل درجة حرارة المياه ثابتة على المسطحات الشاسعة للبحار بعكس البيئة البرية التي تتغير فيها درجة الحرارة كل ساعة ونظرا للمقدرة الهائلة للمياه على الاحتفاظ بالحرارة وإطلاقها غدت البحار والمحيطات قادرة على التأثير على المناخ لمساحات كبيرة على اليابسة .
تعتبر الشمس هي المصدر الرئيسي للحرارة على سطح الأرض لا سيما وان 50% من الطاقة الشمسية التي تصل إلى سطح المياه تكون على هيئة أشعة تحت الحمراء حيث يتم امتصاص هذه الأشعة من خلال الطبقة السطحية للمياه. ونتيجة لذلك فان طبقة رقيقة من المياه السطحية تسخن مباشرة وينتج عن امتصاص درجة الحرارة على الطبقة السطحية للمياه ارتفاع في درجة حرارتها , وتتناقص درجة الحرارة تدريجيا كلما اتجهنا إلى العمق , ويسمى التنوع الحادث في درجة الحرارة بالتغير الحراري.
تفقد مياه البحار والمحيطات الحرارة بطرق عديدة, فإذا كان سطح المياه أكثر دفئا من الهواء المحيط بها فأنها تبدأ في فقد الحرارة تدريجيا , كما يؤدي عامل البخر وما يتبعه من بروده إلى فقدان درجة كبيرة من حرارة المياه السطحية خاصة من الأعماق المتوسطة والكبيرة كما تفقد المياه حرارتها أيضا عند تكون الثلوج. وقد ثبت بأن المياه تكتسب الحرارة بدرجات قليلة على السطح , بينما تفقدها بنسبة أعلى في العمق.
يتم توزيع الحرارة في البحار بعدة طرق طبقا لما يلي
نظرا لان المياه الباردة تكون عادة أكثر كثافة من المياه الدافئة لذلك تبدأ المياه القطبية في الهبوط والطفو كلما اتجهنا إلى المناطق الاستوائية , بينما تأخذ المياه الدافئة آلاتية من المناطق الاستوائية الدافئة نحو المناطق القطبية مكانها على السطح لتحل محل المياه الباردة التي تتجه إلى العمق. وبالإضافة إلى هذا النمط من انسيابية المياه, تحدث دورة عمودية للمياه والتي تعتبر من صفات المياه المعتدلة الحرارة .
وفي فصل الشتاء تبرد المياه في الطبقة السطحية وتصبح أكثر كثافة , ونتيجة لذلك فانها تهبط إلى الطبقات الأكثر عمقا , وترتفع المياه التحت سطحية والتي تكون أكثر دفئا واقل كثافة إلى السطح. وفيما يتعلق بالحركة العمودية للمياه فأنها تكون قاصرة على المياه في المناطق الضحلة.
يعود ثبات درجة الحرارة في البحار إلى الحركة الدائمة للمياه , وبوجه عام تظل درجة الحرارة ثابتة على السطح وفي المياه العميقة , بينما تتنوع درجة الحرارة في الطبقة التحت سطحية تبعا لتقلبات المناخ.
الملوحة
اكتسبت مياه المحيطات والبحار منذ تكونها ملوحتها من الأملاح التي غسلتها هذه المياه من اليابسة. تتألف مياه البحار من خليط كيميائي يحوي كل العناصر المدونة في الجدول الدوري بنسب متفاوتة. ويبلغ معدل ملوحة مياه البحار 35جزءا في المليون وتتكون مياه البحار من العناصر التالية :
كلوريد الصوديوم %77.76 كلوريد المغانيسيوم % 10.88 سلفات البوتاسيوم% 2.46 , كربونات الكالسيوم % 0.34, بروميد الماغنسيوم %0.22 بالاضافة الى العناصر النادرة التي توجد بكميات قليله. وقد لا نجد اختلافا كبيرا في نسبة الملوحة في المياه البحار المفتوحة باستثناء الطبقات السطحية للمياه التي قد تزداد نسبة الملوحة بها في المناطق الاستوائية والمناطق التي تتأثر بالرياح التجارية , وارتفاع معدلات البخر.
وتزداد نسب ملوحة المياه في البحار شبه المغلقة مثل البحر الأحمر, والمناطق الضحلة ( السبخات ) والبحيرات والاخوار التي تستمد مياهها من الخليج العربي نتيجة لارتفاع معدلات البخر. ومن ناحية أخرى فان ذوبان الثلوج في المناطق القطبية في فصل الصيف قد يخفض نسب الملوحة إلى حد كبير.
تتدفق كميات كبيرة من مياه الأنهار العذبة التي تصب في البحر مثل نهر الأمازون , والكونغو , والجانح , يساعد على تخفيف ملوحة مياه البحر ولكن بدرجة ضئيلة نظرا لاتساع وكبر مساحة البحر وحجم مياهه . ومن الظواهر الملفتة للانتباه بان المكونات الأساسية لمياه البحر لا تتغير نسبتها , وبناء عليه فان معدل الاستقرار للعناصر المكونة لمياه البحر يظل ثابتا . علاوة على الحركة المستمرة للمياه التي تعمل على معادلة وإلغاء التغيير العارض في ملوحة المياه , لذا تظل معدلات الاستقرار في نسب الملوحة ثابتة .
**************************************************