سرقة سيف الملك فيصل الأول في البلاط الملكي
فَي شتاء عام 1932 وصل خبر الى معاون شرطة السراي (السيد محيي الدين عبدالرحمن ) عن حدوث سرقة في البلاط الملكي، وان المسرقات كانت عبارة عن سيف للملك فيصل الاول شخصيا.
فتوجه المعاون فورا الى البلاط الملكي، وقابل السيد رئيس الديوان الملكي انذاك المرحوم (رشيد عالي الكيلاني) لأخذ التوجيهات والاستيضاحات منه عن الحادث. وشرح له تفاصيل سرقة سيف الملك من مكتبه الخاص، ثم طلب الكيلاني منه الذهاب الى غرفة الملك للسلام والاستئذان بمباشرة التحقيق حول الحادث. وكان اللقاء سريعا بسبب انشغال الملك بموعد مقابلة مع السفير البريطاني في بغداد. ثم باشر السيد المعاون اعماله وتدوين اقوال العاملين في البلاط الملكي، واخذ المعلومات التي يتطلبها التحقيق، فالسرقة وقعت في المكتب الخاص للملك، والسيف كان في دولاب خشبي مثبت عليه زجاج شفاف، ولم يلاحظ أي شدة او عنف في كسر أو فتح الدولاب.
ومن خلال تدوين الاقوال للاشخاص الذين يترددون الى المكتب الخاص بالملك، ومن خلال اجراء الكشف على محل الحادث، فإن السيد المعاون حصر شبهاته في شخصين اثنين فقط هما: (ابو شفيق) وهو سوري الجنسية، انيطت به مهمة تنظيف مكتب الملك. والاخر (الشيخ سنداح) المسؤول عن اعداد القهوة للملك وضيوفه، وهو من الحجاز قدم الى العراق مع الملك فيصل، وقبل ذلك كان مسؤولا عن اعداد القهوة العربية في بلاط الملك علي عندما كان في الحجاز.
قام المعاون محيي الدين بإبلاغ رئيس الديوان (الكيلاني) بما توصلت اليه تحقيقاته، فأخبره الكيلاني أن الامر يتطلب اشعار الملك بالنتائج، وفعلا اخبر بما توصلت اليه تحقيقاته، فصعق الملك لهذا الخبر، لأن آخر من يشك بهما هما الخادمان المخلصان. بعدها استأذن المعاون من الملك وخرج مع رئيس الديوان وطلب من رئيس الديوان الاذن باستصحاب هذين الشخصين معه الى مركز شرطة السراي لمواصلة التحقيق معهما، ولم يمانع رئيس الديوان بذلك.
وفي المركز اختلى المعاون مع السوري (ابو شفيق)، وحين تعمق معه في التحقيق انهار واخذ يبكي، وقال:هل من المعقول ان اخون سيدي الملك الذي اكرمني غاية الكرم؟!. بعدها حضر الى المركز شقيقه (الحاج خيرو) وهو صاحب محل لبيع المرطبات في سوق الامانة في شارع الرشيد، وهو صديق قديم لمعاون الشرطة، فرجاه أن يختلي مع شقيقه وحدهما، فأذن له. واختلى معه، ثم خرج من عنده، واخبر المعاون بأن شقيقه ليس هو السارق، وهو متأكد من صدقه.
بعدها رجع المعاون الى (ابو شفيق) وطلب منه ان يعود بذاكرته الى الوراء ويستعرض سلوك (الشيخ سنداح) وعاداته، وهل تغير شيء من سلوكه بعد اختفاء السيف؟.
بعد صمت قليل أخبر المعاون ان الشيخ سنداح قد تغير سلوكه فعلا بعد اختفاء السيف، واخذ يطيل البقاء في غرفته، وكان يحمل اكداسا من اكياس الفحم، ويقوم بتكديسها في الغرفة، وحين استفسر منه عن السبب، قال انه يحتاجه اليه لموقد القهوة.
وهنا قام المعاون واصطحب معه (ابو شفيق)، وعاد الى البلاط الملكي، وتوجه مباشرة الى غرفة الشيخ سنداح، فوجد اكياس الفحم بصورة تكديس ليس له مبرر، وطلب المعاون من رئيس الديوان بأن يأمر بإخراج جميع محتويات الغرفة. وفعلا تم تفريغ محتويات الغرفة، فلما اصبحت ارضية الغرفة خالية من المواد، طلب المعاون احضار ماء، وأمر بعض عمال القصر بان يسكبوا الماء على ارضية الغرفة المصفوفة بالكاشي بهدوء، واخذ الماء ينتشر على ارضية الغرفة، فلما وصل الى زاوية ظهرت فقاعات دلالة على وجود حفر حديث في هذه المنطقة.
فطلب منهم ان يحفروا في هذه المنطقة بحضور رئيس الديوان الملكي والشيخ سنداح الذي طلب احضاره. وبعد حفر قليل عثر على قطعة من القماش، فلما أخرجوها وجدوا السيف في داخلها، فبُهت رئيس الديوان لذلك، وهنا التفت الى الشيخ سنداح، وقال له: (ماذا تقول يا شيخ؟!).
بعدها اعترف الشيخ سنداح، وبرر فعلته بتبريرات غير مقنعة.
ثم استأذن المعاون من رئيس الديوان الملكي بشأن ما يقرره بعد معرفة نتيجة التحقيق، وهل يرغب الديوان الملكي باتخاذ الاجراءات القانونية ضد الشيخ سنداح؟.
لكن رئيس الديوان فضل معالجة الموضوع من دون الحاجة للاجراءات القانونية.. وبعد ذلك توجه رئيس الديوان الملكي بالشكر لمعاون شرطة السراي على جهوده ومهارته في كشف غموض هذه الجريمة التي كان وقوعها قاسيا على الملك الذي لم يتوقع ان الفاعل هو احد مقربيه والمؤتمنين لديه. كما وجه مدير شرطة لواء بغداد الشكر الى معاون شرطة السراي على براعته وجهوده في كشف الحقيقة التي اصبحت حكاية تراثية تتجدد في الذاكرة العراقية.