حيل خضراء مدهشة

حيل خضراء مدهشة

إن المتأمل في بديع عالم المخلوقات يحسب واهما أن الكائنات المنتسبة لمملكة النبات تخلو مما يدعو للدهشة والعجب؛ فتلك الكائنات الساكنة الصامتة التي لا تبدي حراكا ولا تعبر عن نفسها -كما يبدو لنا- تخلو من عضو مستقل للتفكير أو من جهاز عصبي متمايز ومتطور كبقية مخلوقات مملكة الحيوان؛ مما منحها نظرة دونية بالرغم من عظم أدوارها في دفع استمرار الحياة على كوكبنا. لكن في حقيقة الأمر فإن تلك الكائنات الخضراء تخفي وراء السكون والصمت حكمة عميقة لا يجدها إلا من يتقصاها من العلماء المليئة عقولهم قبل قلوبهم بشغف البحث عن المعرفة؛ وفي السنوات الأخيرة أميط اللثام عن بعض من أسرار تلك الحكمة الخضراء المتفردة بحيل تدعو للدهشة والعجب؛ الأمر الذي دفع العلماء لإعادة التفكير في نظرتهم لمملكة النباتات وطرح أسئلة جديدة وعديدة حول كيف تفكر النباتات، وكيف تعلمت تلك الحيل الخضراء المدهشة.

حيل خضراء مدهشة 5-%D8%B7%C2%AE%D8%B8%E2%80%A0%D8%B7%C2%A7%D8%B8%E2%80%9A%20%D8%B7%C2%A7%D8%B8%E2%80%9E%D8%B7%C2%B0%D8%B7%C2%A8%D8%B7%C2%A7%D8%B7%C2%A8

حيل خضراء مدهشة 5-%D8%B7%C2%AE%D8%B8%E2%80%A0%D8%B7%C2%A7%D8%B8%E2%80%9A%20%D8%B7%C2%A7%D8%B8%E2%80%9E%D8%B7%C2%B0%D8%B7%C2%A8%D8%B7%C2%A7%D8%B7%C2%A8

الأنف النباتي

من أعجب تلك الحيل هي ما يقوم به نبات طفيلي يعرف بإسم "الحامول المخمس"، والذي على ما يبدو يمتلك أنفا ذا حساسية فائقة. هذا النبات المتطفل يعتاش بالاغتذاء على ما تنتجه النباتات الأخري من مركبات غذائية بسبب عجزه عن القيام بعملية البناء الضوئي، وفي سبيل ذلك فهو يتشمم النباتات الأخري المحيطة به لينتقي منها ما يشاء طعاما له. حيث تأخذ تلك النبتة الصغيرة في الدوران في الهواء ببطء وهي تتشمم المركبات الكيميائية المتطايرة المنبعثة من النباتات المجاورة بحثا عن مضيف مناسب له. وخلال تلك العملية يقوم الحامول باستبعاد النباتات المصابة بالأمراض أو التي لا يستسيغ غذائها. وعند انتهاء الحامول من تحديد اختياره من قائمة الطعام المتاحة يبتديء بالتسلل زاحفا في بطء ونعومة على ساق النبات المختار ليغرز مباسمه الماصة الدقيقة بذلك النبات، ويبدأ عملية الاغتذاء على عصارته الحيوية التي تحوى غذائه المصنع عبر البناء الضوئي. وفي تجربة علمية نجح العلماء في تصوير عملية الانتقاء الشمي تلك والتي استغرقت عدة أيام، كما تمكن العلماء أيضا من معرفة مزاج الحامول وذوقه في اختيار غذائه -الذي يبدو متوافقا مع أذواقنا بعض الشيء- حيث فضل الطماطم العصيرية ذات الرائحة النفاذة على حبوب القمح عندما خير بينهما. ولعل وجود هذا النبات يرشدنا إلى إمكانية أن تمتلك نباتات أخري حاسة الشم حتى وإن لم يكن لديها أنوف.

لغة الجذور الصامتة

تكاتف وتآخي فريد من نوعه بين أبناء الجنس الواحد، وحوار يمتد إلى الأعماق بلغة صامتة. تلك هي معجزة نبات "الإسليح" ذلك النبات الشاطئي العجيب. فأثناء نمو الإسليح يقوم بمد جذوره في أعماق التربة ليس بحثا عن الماء أو الغذاء فقط، بل تشبثا بالهوية وبحثا عن الأسرة أيضا؛ فجذور ذلك النبات تتشعب في التربة في سعي حثيث لإيجاد أقرانه بين النباتات المحيطة به، وذلك للتواصل معها في حوار صامت عبر الجذور. حيث يعتقد العلماء أن نباتات الإسليح تتعرف بعضها البعض عبر مواد كيماوية معينة تفرزها جذورها في التربة للإفصاح عن هويتها، والإعلان عن وجودها ورغبتها في التواصل. والعجيب في الأمر أنه حين يتم التعارف والاتصال بين نباتات الإسليح، فإنها تبدى نوعا من التعاطف والتراحم فيما بينها، وذلك عبر مشاركة الغذاء وأجزاء من جيناتها وشفرتها الوراثية شديدة الخصوصية، لتساعد بعضها بعضا في تلاحم أسري حميم لا نجده إلا بين الكائنات التي نعتبرها أرقى وأكثر تطورا في سلم الحياة.

رقصة الشمس

شجيرة إستوائية آسيوية صغيرة تحمل اسما غريبا وتمارس فعلا أغرب؛ شجيرة "التلغراف" صاحبة الوريقات الراقصة. فذلك النبات القصير يسلك منحى غريبا في تتبع حركة الشمس أثناء اليوم؛ فبدلا من أن تولى أزهاره وجهها صوب قرص الشمس كما هو الشائع في العديد من النباتات يستخدم ذلك النبات أوراقه في تلك المهمة. حيث تمتلك شجيرة التلغراف نوعين من الأوراق إحداها كبيرة هي الأوراق الرئيسية، بجانب أخرى صغيرة للغاية هي وريقات -إن شئنا الدقة- تتصل بقواعد الأوراق الرئيسية. وتلعب تلك الوريقات الصغيرة الدور الرئيسي في تبيان مكان قرص الشمس في السماء؛ حيث تتحرك في سرعة ملحوظة للعين المجردة وكأنها تؤدي رقصة محمومة بحثا عن الشمس، وعلى أساس تلك الرقصة الشمسية يقوم النبات بتعديل مكان الأوراق الرئيسية وضبط اتجاهاتها لتتلقي القدر الأكبر من أشعة الشمس التي تبث في عروقها وهج الحياة الأخضر.

ذاكرة القمح

ذاكرة حديدية من نوع خاص هي ما يتمتع به نبات "القمح الشتوي" المستخدمة حبوبه في صناعة الخبز. فقد اكتشف العلماء أن هذا النوع من القمح يمتلك -بشكل ما- ذاكرة قادرة على تذكر التعرض للمناخ شديد البرودة. فهذا القمح الشتوي لا ينمو ويزهر وينتج حباته الذهبية إلا بعد مرور شتاء شديد البرودة عليه يغطي فيه الثلج براعمه، وإذا لم يغط الثلج الأبيض تلك النباتات حال نموها فإنها لا تزهر من الأساس. لكن المزارعون يحتالون على هذا الأمر عبر الاحتفاظ ببذور القمح الشتوي في الثلاجات المجمدة قبيل زراعتها، وبهذا يظن نبات القمح أنه قد تعرض لشتاء شديد البرودة فهو يحمل ذكرى التعرض للبرد، مما يدفعه للإزهار وإمتلاء سنابله بالحبوب في الربيع حتى بعد مرور شتاء عادي ليس بارد بما بكفي. وبحثا عن سر تلك الذاكرة الفريدة من نوعها وجد العلماء أن تعرض نبات القمح الشتوي للبرودة الشديدة من شأنه إحداث تغيرات مميزة في بعض الجزيئات الكيميائية المرتبطة بجزيئات حمضها النووي، والمسؤولة عن ضبط التعبير الجيني لشفرتها الوراثية فيما يعرف علميا بالوراثة اللاجينية؛ وبالتالي فإن تلك الجزيئات الفريدة في حال البرودة الشديدة تسمح للجينات المسؤولة عن الإزهار والإثمار بالتعبير عن نفسها وممارسة دورها، بينما في غياب البرودة تقوم بمنع تلك الجينات من أداء وظيفتها.

آكل اللحوم الأخضر

"خناق الذباب" ذلك النبات الذي يلجأ لحيلة عجيبة يعوض بها فقر عنصر النيتروجين في التربة التي ينمو بها؛ إذ يتحول إلى نبات مفترس آكل للحوم كائنات أخرى بدءا بالحشرات الطائرة كالنحل والذباب، وانتهاءا ببعض الحيوانات الصغيرة كالضفادع. ولأداء تلك المهمة الفريدة من نوعها في عالم النباتات وممارسة القنص والافتراس تحورت أوراق ذلك النبات إلى ما يشبه المصيدة التي تطبق على فرائسها بسرعة شديدة، وذلك بعد جذب تلك الفرائس إليها بواسطة شكلها الجميل. وتعمل تلك المصيدة النباتية القاتلة وفق نظام دقيق شديد التعقيد والغرابة بالنسبة لنبات أخضر يفترض فيه البراءة؛ حيث توجد بباطن الأوراق المتحورة المكونة للمصيدة شعيرات دقيقة تعمل كمجسات لالتقاط حركة الأجسام الموجودة بداخلها، وفي حال لمست الفريسة أكثر من شعيرة دقيقة أو لمست ذات الشعيرة مرتين في خلال ثلاثين ثانية تتولد نبضة كهربائية، وتنتقل تلك الدفقة الكهربية عبر خلايا الورقة المتحورة لتفتح الثقوب الدقيقة الموجودة بجدرها الخلوية، فيندفع الماء داخل تلك الخلايا مما يؤدي إلى انغلاق المصيدة فجأة مقتنصة الفريسة دون مجال للفكاك. وهذا النظام الدقيق لاستشعار الحركة يمنح خناق الذباب النظرة الثاقبة للصياد ماهر؛ فهو يجعل النبات قادر على تقييم الفريسة وتحديد إذا ما كانت تستحق الصيد، أم هي مجرد حشرة صغيرة لا تستحق تجشم كل هذا العناء. إن خاصة الافتراس النباتي تلك قد أوقعت العلماء في حيرة شديدة إذ وجدوها في نباتات أخرى خلاف خناق الذباب؛ مما دفعهم إلى التفكير والتساؤل حول مدى إمكانية أن يتكيف النبات ويغيظر من طباعه وفطرته، وإلى أي مدى ما يزال عالم النبات قادر على إدهاشنا بالمزيد من غرائبه الخفية عن عقولنا. ويبقى السؤال الكبير معلقا في سماوات الحيرة بعد كل هذا دون جواب.. هل تفكر النباتات حقا؟

**************************************************
حيل خضراء مدهشة Ujikl1

كالعادة إبداع رائع

وطرح يستحق المتابعة

شكراً لك

بإنتظار الجديد القادم
دمت بكل خير

**************************************************

حيل خضراء مدهشة Emad%20Saadall%20elbasha

جزااااك الله خيرا.. على هذا المجهود الرائــع..

**************************************************

حيل خضراء مدهشة Aba1bc1843c30531c0c814de9e65285d

» قلوب خضراء كأوراق الشجر
» في بريطانيا: طرق خضراء تشحن السيارات لاسلكياً
» «قرم الجبيل».. رئة خضراء تحتفي بالتراث الطبيعي للإمارات
» زراعة أسطح المنازل وتحويلها الى حديقه منزليه خضراء
» صور خدع بصرية مدهشة