الجنس : تاريخ التسجيل : 04/12/2009عدد المساهمات : 919نقاط : 1532الاوسمة :
موضوع: لا شيء يأتي بالمجَّان الخميس 5 ديسمبر - 19:06
لا شيء يأتي بالمجَّان
ما أكثرَ أعدادَ الحصى! لكن هل هناك من يَلتفت إليها، فضلاً عن أن يأخذها أو يبحث عنها؟! إن الثمين لا يأتي إلا بالصعب، والنجاح ثمرة الكفاح.
وما خالَف ذلك فأتى بالسهولة، فهو إما نادر قد عرَض، وإما مؤقَّت سوف يزول؛ لأن ما أتى سهلاً ذهَب سهلاً.
من أراد العلم، فلا بد أن يُتعِب نفسه في الحفظ والفَهم، وتغيير طبيعة حياته؛ فيأكل القليل، ويَنام القليل، ويتعَب كثيرًا، ومن أراد المال، فلا بد أن تَغبرَّ قدماه، ولا يقِف أمام المرآة طويلاً، ومن سعى في أثر مبدأ جميل وغاية سامية، فلا بد أن يتعرَّض لنصْل الألسنة الحادة، والأقلام المأجورة، وسخرية الرِّعاع.
محمد الفاتح كان ينام على خرائط الحرب وهو يُخطِّط لغزو القسطنطينية، وماذا كانت النتيجة؟ لقد سجَّل التاريخ اسمَه على أنه فاتح القسطنطينية، ومن خطَب الحسناء لم يُغلِه المهر.
من أراد أن يكون شيئًا مذكورًا، عليه أن يأخذ مِعوَل العزيمة؛ ليَفلِق به كلَّ ظرف يمنعه من تحقيق هدفه.
الصعود إلى القمر أمامه نقص الأكسجين، واختناق النفَس.
الغوص في طلَب اللآلئ دونه أسماك القرش، وفوقه ضغط الماء.
ولا شيءَ عظيمَ إلا ودونه العظائم، ولا عظائم أمام النفوس الكبيرة، والعزائمِ المصقولة، والشيءُ الثمين إنما يُنال بالسهر والتضحيات.
لذلك أذكر لك: استدعَى أحد الملوك مستشاريه وطلَب منهم تدوين حكمةِ العصر؛ لكي يورِّثها الأجيال القادمة، وبعد جهود حَثيثة وعمَل ضخْم، ألَّف المستشارون العديد من مُجلدات الحكمة، وسلَّموها للملك، وبعد أن اطَّلع عليها الملك، استدعى مستشاريه وقال لهم: إنَّ هذه مُجلدات ضخمة جدًّا، وإن الناس لن يُقبِلوا عليها، واقترَح الملك عليهم أن يختصروها، فعكف المستشارون على المجلدات حتى انتهوا إلى مجلد واحد فقط، ومع ذلك استكثَره الملك أيضًا، فعكفوا على اختصاره ورجعوا له بورقة واحدة، فكانت تلك الورقة أيضًا طويلة - على حدِّ زعم الملك.
وأخيرًا: استقرَّ المستشارون على جملة واحدة حازت على قَبُول الملك وإعجابه، لدرجة أنَّه قال: إذا كان حكمة جديرة بالتوريث للأجيال القادمة، فهي: (لا شيء يأتي بالمجَّان).