من لطائف لغة الضاد
قد يخلطُ عامةُ الناس بين بعض الكلمات وهو يظنُّ أن المعنى واحدٌ, و بين دفاتِ قرآننا نجد مترادفات قد نظنُّ فى البداية أن معناها واحد, لكن من يتأملها يشعرأنها من لطائف المعانى وجمال القرآن.
ومن الأمثلة على ذلك:
_ كلمة (السنة والعام )
فالغالبُ استعمال كلمة السنة بمعنى الحول الذى فيه الشدة والجدب والقحط,
أما لفظ العام فيعبر به عن الحول الذى فيه الرخاء والخصب والنماءكما فى سورة يوسف( تزرعون سبع سنين دأبا ....إلى قوله: ثم يأتى من بعد ذلك عامٌ يُغاثُ الناسُ وفيه يعصرون) ...وقوله تعالى: (ألف سنة إلا خمسين عاما).
_ سقى وأسقى..
سقى تُقالُ لما لا كلفة فيه ولا مشقة ولهذا وردت فى شراب أهل الجنة مثل(وسقاهم ربهم شراباً طهوراً)..
أما أسقى تُقالُ لما فيه كلفة ومشقة وجهد ولهذا وردت فى ماء الدنيا مثل(لأسقيناكم ماء غدقا).
_ مدَّ و أمدَّ...
مدَّ تأتى فى المكروه مثل( ونمدُّ له من العذاب مدّاً)
وأمدَّ تأتى فى المحبوب مثل( وأمددناهم بفاكهة ولحم مما يشتهون).
_ جاء وأتى...
جاء تأتى مع الماديات أو الأعيان المشاهدة مثل( ولمن جاء به حمل بعير) و0(وجاءوا على قميصه بدم كذب)و(وجئ يومئذ بجهنم) أما أتى فتُقالُ فى المعانى والأزمان مثل(أتى أمر الله) و(أتاها أمرنا) .
كلمة(الخوف) وكلمة(الخشية) ...
فأغلب الناس يعتبر معنى يخشى ...يخاف ... لكن هناك فرق بين الكلمتين:
الخوف:_ مأخوذ من(ناقة خوفاء) .أى بها داء وهونقص أو عيب فيها .. وليس بفوات
_ الخوفُ يكون من ضعف الخائف ... وإن كان المُخَوِّفُ أمراً يسيراً .
الخشية:_ مأخوذ من(شجرة خشية)... _بمعنى يا بسة أوجافة لاحياة فيها..فهى فوات بالكلية, وتكون الخشية من عِظم المختشى وإن كان الخاشى قوياً..فالخشية أعلى من الخوف أوأشد الخوف ولذلك ترد فى حق الله مثل(يخشون ربهم ويخافون سوءالحساب)... و(إنما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ)...أما قوله( يخافون ربهم من فوقهم) فهى فى وصف الملائكة وشدة خلقهم فعبر عنهم بالخوف لبيان وإن كانوا غلاظاً شداداً فهم بين يديه تعالى ضعفاء ثم أردف بالفوقية الدالة على عظمته فجمع بين ضعف الخائف وعظمة المخوف.
_ وهناك ألفاظ تأتى مفردة تارة ومجموعة تارة أخرى وذلك لحكمة مثل:
السموات والسماء...فحيث أُريد العدد أتى بصيغة الجمع الدال على السعة والعظمة والكثرة(سبح لله ما فى السموات) اى جميع سكانها على كثرتهم (تسبح له السموات) أى كل واحدة على اختلاف عددها..
وحيث أُريد الجهة أتى بصيغة المفرد(وفى السماء رزقكم وما توعدون) (أأمنتم من فى السماء أن يخسف بكم الأرض).
_ وتأتى كلمة الريح مجموعة فى سياق الرحمة, ومفردة فى سياق العذاب, وقيل كل شئ من الرياح فى القرآن رحمة, وكل شئ فيه من الريح فهو عذاب
_ ومن ذلك إفراد النور وجمع الظلمات وإفراد سبيل الحق وجمع سُبل الباطل لأن طريق الحق واحد أما طرق الباطل فمتشعبة ومتعددة, فالظلمات بمنزلة طُرق الباطل والنور بمنزلة طُرق الحق, ووحد ولى المؤمنين وجمع أولياء الكافرين, ومن ذلك أيضا وردت النار مفردة أما الجنة فوردت مجموعة ومفردة, لأن الجنان مختلفة الأنواع فحسن جمعها والنار مادة واحدة, ولأن الجنة رحمة والنارعذاب فناسب الجمع الأولى وإفراد الثانية تماما على نسق الرياح والريح.
_ومن ذلك إفراد السمع وجمع البصر لأن السمع غلب عليه وحدة المصدر ومتعلقه الاصوات فقط , أما البصرفمتعلق بالألوان والأكوان وهى حقائق مختلفة,
ومن ذلك أيضا إفراد الصديق وجمع الشافعين ( فما لنا من شافعين ولا صديق حميم) وذلك لكثرة الشفعاء فى العادة وقلة الصديق....فغالبا ما نرى الرجلَ إذا امتُحن بظالم أو مشقة نهضت جماعة وافرة لشفاعته وإن لم يسبق له بأكثرهم معرفة, أما الصديق فأعز من بيض النياق,
والأمثلة كثيرة كثيرة لا تنتهى......فليأخذ كل منا بيد لغته عله يهتدى لما فيها من خيرٍ, واحسبُ إن لم أكن جازماً أن الاهتمام بلغة القرآن وبذل الطاقة فى تعلمها فرض عين على المسلم كى يعىَّ ويفهم أمور دينه.
منقول بتصرف
**************************************************