مقبرة قريش في بغداد
ان مقابر بغداد، التي كثرت مع العقود الأولى من تأسيس بغداد المدورة، التي كانت تحيط بها مقابر قريش، الواقعة في الجانب الغربي من بغداد يوم ذاك وفي مدينة الكاظمية المقدسة اليوم ، وفيها دفن الأمام موسى الكاظم وحفيده الأمام، محمد الجواد، عليهما السلام، وفي هذه المقبرة التي أبتناها أبو جعفر المنصور لتكون مقابر لقريش، حيث كان عموم سكان بغداد من أصول قريشية، وأول من دفن فيها بعد الأمامين(ع) جعفر بن أبي جعفر المنصور الذي دفن في حياة والده، وبعدئذ دفنت فيها السيدة زبيدة، زوجة هارون الرشيد وأبنها الأمين، ويقع مكان مرقديهما اليوم في الروضة الكاظمية المقدسة، وقد درست غالبية القبور في الروضة الكاظمية، ماعدا بعض منها مازال قائما مثل، (قبر نصير الدين الطوسي) ويقع في الرواق الغربي، وقبر الشيخ (المفيد) والشيخ (أبن القولوي)، ويقعان في الرواق الشرقي، وأما قبرا الشيخ (أبو يوسف الأنصاري) والشيخ (شريف الرضي)، فيقعان في باب الروضة، داخل قبة جامع مستقل عنها، وقد أستمر الدفن في الروضة الكاظمية ردحا طويلا من الزمن، وفي عهد قريب مضى، أيام الشاه القاجاني العام1299 للهجرة، أتخذ الدفن داخل الصحن، في سراديب خاصة مثل قبر( فرهارد ميرزا *) ، ويقع في جانب اليسار من باب المراد، وقد منع الدفن في العقود الأخيرة الماضية ان أول ما نعلمه عن منطقة الأرض التي تَجثِم « الكاظمية » اليوم في طرفها الشرقي أنها كانت ـ برواية بعض المؤرخين ـ جزءاً قريباً من الحدود الفاصلة بين دولة الآشوريين من شمالها والكيشيين من الجنوب، في العصور البابلية الأولى، أي قبل الميلاد ببضعة عشر قرناً، ويُروى أن منازعات وحروباً قد وقعت فيها أو قريباً منها بين الدولتين .......
والظاهر أن هذه المنطقة قد حَظِيَت ـ لسبب أو لآخر ـ باهتمام خاص من حكومة الكيشيين، حيث نجد أن الملك كوريكالزو ملك الكيشيين يومئذٍ قد بالغ في العناية بهذا الجزء من وقعة ملكه ببنائه لمدينة ( عَقرقُوف ) العظيمة التي كانت تسمّى حينذاك (دور ـ كوريكالزو) ولا تزال آثارها باقية حتّى اليوم في جوار الكاظمية على نحو ستة أميال عنها من جهة الغرب، وهي تنطق بالمهارة الفائقة المبذولة في بناء هذه المدينة الكبيرة وصرحها الشاهق.
وتدلنا ضخامة أبنية المدينة وجودة بنائها والإسراف فيه على أنها ظلت مأهولة بالسكان حيناً طويلاً من الدهر، ويرجح كثيراً أنها كانت عاصمة السلالة الكيشية منذ بداية القرن الخامس عشر قبل الميلاد وإلى نهاية تلك السلالة.......
وهكذا تظل ( عَقرقُوف ) هي الأثر الأول الذي وصل إلينا علمه في أصل الأرض التي سمّيت بعض أطرافها بـ ( مقابر قريش ) ثم « مشهد باب التبن » ثم ( المشهد الكاظمي ) فـ ( الكاظمية ) بعد ذلك بعشرات القرون.
وبقيت هذه الأرض مجهولة الحقيقة في العهود التالية للعهد الكيشي كالعهد السلوقي والأخميني والفرثي والساساني، وإن رجح في أكثر الظن أنّها كانت غير خالية من الحياة والسكان ولو لغرض الزراعة في الأقل روي الخطيب البغدادي ما سمعه بصدد هذه التسمية فيقول: « سمعتُ بعض شيوخنا يقول: مقابر قريش كانت قديماً تعرف بمقبرة الشونيزي الصغير، والمقبرة التي وراء التوثة تعرف بمقبرة الشونيزي الكبير،،،،، أخَوان يقال لكل واحد منهما ـ الشونيزي ـ فدفن كل واحد منهما في إحدى هاتين المقبرتين ونُسبت المقبرة إليه ..........
ويستفاد من روايات بعض المؤرخين أن المنطقة المجاورة لموضع الكاظمية من جهة الشرق كانت قبل إنشاء مدينة المنصور بستاناً لبعض ملوك فارس، ثمّ أقطعها المنصور (عمارةَ بن حمزة *) أحد مَواليه، فسميت ( دار عمارة ).
وفي عام 145 هـ ابتدأ المنصور العبّاسيّ بتأسيس مدينته المدوَّرة « بغداد »، واستتمّ البناء ـ في رواية الخطيب الغبداديّ ـ في سنة 146 هـ، ثمّ استتم بناء سور المدينة وفرغ من خندقها وسائر شؤونها في سنة 149 هـ
م ن
**************************************************