أحمد بن بلة
من مواليد 1916 بمدينة مغنية ولاية تلمسان من أسرة وطنية شعبية متدينة متواضعة. إذ كان أبوه المرحوم مقدم زاوية وكتاتيب قرآنية كرس حياته في خدمة الإسلام و المسلمين والوطن والوطنيين_، من أسرة تتكون من 4 ذكور وابنتين. درس بمدينة مغنية تم انتقل إلى مدينة تلمسان لمتابعة دراسته الثانوية.إلا أن السلطات الفرنسية لم تسمح له بمتابعة دراسته نظرا لمواقفه الوطنية في انتقاده لأساتذة تعليم التاريخ و_العلوم الاجتماعية على تشويه التاريخ الوطني ولتفرقة العنصرية بين الطلبة.
فأجبرته السلطات الفرنسية على التجنيد الإجباري في صفوف القوات الخاصة Tirailleurs للمشاركة في الحرب العالمية الثانية، و حتمت عليه الظروف أن يخوض المعارك القتالية والتوغل في ساحات الوغى، و اختراق صفوف العدو في جبهات القتال. وتم الاستيلاء على مواقع قلاع و أبراج العدو المحصنة "لكستينو castino " على الجبهة الإيطالية المحتلة من طرف النازية الألمان والطليان .
ونظرا لشجاعته وبطولته ومستواه العقلي المتقدم عن سنه منحه الجنرال ديغول آنذاك وسام استحقاق، وكرياضي محترف لكرة القدم كان يقتحم المخاطر والمصاعب في المعارك القتالية ليكسب المزيد من الخبر والتجارب على فنون القتال وعلى مختلف الأسلحة تفكيكا وتركيبا ورميا، وعلى الألغام و المتفجرات في الإقامة والنزع والتفجير، والصنع لتحضير أرضية تفجير الثورة المسلحة في الجزائر ضد الاستعمار الفرنسي، ولتدريب المناضلين من أفراد الجناح العسكري للمنظمة العسكرية ( لوص L'os 9) لحزب الشعب الجزائري. وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية رفض كل الإغراءات والتهديدات والضغوطات لبقائه في صفوف القوات الفرنسية كضابط صف و قائد محترف الجندية. فعاد بحجة مرضه إلى مدينة مغنية للتكفل بأسرته حيث انتخب سنة 1946 كعضو بالمجلس البلدي لمدينة مغنية ونائبا لرئيسها من حصة حزب الشعب الجزائري بعد صراعات ومعارك سياسية كبرى مع السلطات الفرنسية المزورة للانتخابات.
_ونظرا لما رآه وعاشه من مظالم الاستعمار الفرنسي و عملائه من استيطان واستغلال، و عبودية، واحتقار، وحقرة ، ومن تقتيل و تعذيب للشعب الجزائري خاصة مجازر 8 ماي 1945 بسطيف، ڤالمة، خراطة، ووهران والقنادسة، وغيرها من مناطق الوطن في مسيرات شعبية للاحتفال بنصر الحلفاء على النازية والمطالبة باستقلال الجزائر، وما قدمه هو وغيره من الجزائريين من دفع ضريبة الدم لتحرير فرنسا خاصة و أوروبا عامة من الاحتلال.
ولعلاقته الشخصية و الوطنية مع قائد ورئيس الحركة الوطنية " لحزب نجم شمال إفريقية "، وحزب الشعب الجزائري ثم حركة انتصار الحريات الديمقراطية ومصالي الحاج أب الحركة الوطنية في الجزائر والمغرب العربي _ وعلى ما عاشته الساحة الجزائرية من انتخابات البلدية ،و المجالس الوطنية المزورة من طرف السلطات الفرنسية تدعيما من عملائها، وفشل كل الطرق والوسائل السياسية الديمقراطية، و حقوق الإنسان والمساومة، فتيقن أن استقلال الجزائر لا يكون إلا عن طريق المقاومة المسلحة ،وأسرع بعد العدة في توعية و توجيه و تنظيم المناضلين الوطنيين المخلصين القادرين على حمل السلاح في خلايا سرية، وأفواج المنظمة العسكرية السرية (لوص L'os ) فتولى مسؤولية القطاع الوهراني لغرب الوطن . ولكفاءته وخبرته العسكرية أصبح مسؤول المنظمة العسكرية السرية (لوص L'os_) على المستوى الوطني فخطط ودبر وشارك مع رفاقه في عملية الاستيلاء على أموال البريد المركزي لمدينة وهران سنة 1949.
وذلك لتغطية مصاريف حزب الشعب الجزائري و منظمته السرية وشراء الأسلحة وذخيرتها الحربية لتفجير الثورة المسلحة، فاكتشف أمره و قبضت عليه السلطات الفرنسية، و حكم عليه بالسجن، و عذب عذابا شديدا لا يتصوره أي إنسان، باعتباره العقل المدبر لتفجير ثورة التحرير الوطني. فقضى أياما في سجن مدينة البليدة ، وعلم أنه سيصفى جسديا باغتياله فتمكن من الفرار باختراق جدار السجن بأعجوبة وبمعجزة إلهية، و أسرع لإعادة ربط الاتصالات والتنظيمات بين قيادة و مناضلي حزب الشعب الجزائري وتنظيماته العسكرية عبر التراب الوطني حسب ظروف وإمكانيات كل منطقة ماديا وبشريا .
ولإنقاذ ما يمكن إنقاذه أسرع بجمع شمل 60 مناضلا و مسؤولا للمنظمة السرية (لوص L'os ) من وسط و شرق البلاد المتابعين للبحث عليهم من طرف السلطات الفرنسية بعد كشف أسرار المنظمة الخاصة من طرف عميل بمنطقة تبسة و إخبار السلطات الفرنسية بكل شيء. فقبضت عليه المنظمة لمحاكمته لكنه تمكن من الفرار . أرسل هؤلاء السيد أحمد بن بلة قائد المنظمة السرية سنة 1947 إلى مركز المناضل دار قادر ربي بمنطقة لخميس بن سنوس _ مغنية الجبلية لإخفائهم عن أنظار القوات الفرنسية و لتدريبهم على فنون القتال ،و حرب العصابات ،و على الألغام والمتفجرات والأسلحة التقليدية . وفي سنة 1953 تم توزيعهم على مختلف مناطقهم لإعداد تفجير الثورة المسلحة (حديث شخصي بمنزله أوت 2000 بحضور الحاج بن علة).
ونظرا لنشاطه النضالي في حزب الشعب الجزائري والمنظمة السرية . و خبرته وتجربته الحربية و خطره مستقبلا على الدولة الفرنسية الاستعمارية .تعرض في سنة 1947إلى محاولة اغتيال رميا بالرصاص في منزله العائلي القديم الكائن بمرتفع كدية لا لا مغنية على الطريق الرابط بين مغنية و حمام الشيقر ، وقامت السلطات الفرنسية بتحطيم و تخريب منزله وحرق أثاثه،و حطامه شاهدة إلى يومنا هذا (نحتفظ بملف في هذا الموضوع ) .
و أمام طلب و ضغط المناضلين لتزويدهم بالسلاح بعد ما تم لهم التدريب نظريا على حرب العصابات و فنون القتال لجأ إلى ليبيا لتدبير الأسلحة و ذخيرتها الحربية من مخلفات الحرب العالمية الثانية المتواجدة عند عشائر و قبائل الصحراء . لما يربطهم به من علاقة ودية مع الزاوية السنوسية و تعاطف الملك السنوسي معه في الجهاد وهو من أصل جزائري من منطقة بني سنوس منطقة مغنية ولاية تلمسان ...
فاشترى ما يمكن شراؤه و حملها بنفسه مع رفاقه على الإبل و الدواب و الأكتاف ، ذخيرة حربية تزيد عن 350 قطعة ستان الإيطالية و غيرها، و تخزينها بجبال الأوراس .ولم يقتنع بن بلة بذلك نظرا لطلب و إلحاح المناضلين المتزايد عبر مناطق الجزائر لمحاربة الاحتلال الفرنسي فراح يبحث على مصادرها في كل مكان من تجار الأسلحة و من الحكومات العربية متنقلا بين البلدان العربية و الأوربية في سرية تامة في الإخفاء و التمويه بأوراق و جوزات سفر مزورة في انتحال شخصيات أخرى مع مغامراتها التي تحتاج إلى أفلام .
أحمد بن بلة و الكفاح المغاربي المشترك:
نظرية وإستراتيجية القائد أحمد بن بلة هي العمل في إطار المغرب العربي أو شمال إفريقية كما فعل أسلافه الأولون الملك البربري صيفاكس .وعبد المؤمن بن علي أبناء المنطقة الواحدة و الوطن الواحد _الجزائر- في التنسيق و التشاور، و العمل المشترك لتوحيد صف المقاومة المسلحة المغاربية ضد عدو واحد و مصير مشترك واحد. وهذا من خلال ميثاق نجم شمال إفريقية، ثم حزب الشعب الجزائري . وحركة انتصار الحريات الديمقراطية،وجناحها العسكري ( لوص L'os ) التي تدعوا دائما بنية حسنة إلى توحيد صفوف ووسائل الكفاح السياسي و العسكري المغاربي بين الأحزاب و الجمعيات، و الحركات و المنظمات و الهيئات المختلفة ، السياسية و النقابية ،و الدينية ، و الثقافية و غيرها المغاربية بدءا من مكتب المغرب العربي بالقاهرة الذي من بين اتفاقياته و تعهداته ميثاق لجنة تحرير المغرب العربي عن ممثلي بعض الأحزاب، والبعثات السياسية المغاربية في الشرق العربي والموقع بينهم في 04 أبريل 1954 بالقاهرة حيث تنص المادة الثالثة منه على أن :
" غاية اللجنة العمل على نيل أقطار المغرب العربي الثلاثة ( المغرب _ الجزائر _ تونس ) استقلالهما التام، و الانضمام إلى الجامعة العربية مع رفض فكرة الدخول في الاتحاد الفرنسي بأي شكل من أشكاله وفكرة السيادة المزدوجة رفضا باتا...
كما تنص المادة الرابعة من الميثاق في تعهداتها ما يلي: " اتفق ممثلوا الأحزاب والبعثات السياسية المغربية (المغاربية ) على أن تكون أحزاب و بعثات كل قطر وفدا موحدا للتعاون على تنفيذ ما هو موكل إليهم من خدمة للقضية المغربية (المغاربية ) .
وبوساطة ودور أحمد بن بلة و عمله الدءوب تم إنشاء القيادة العسكرية المشتركة في التعاون و التنسيق في الشؤون الحربية عن الجانب الجزائري أحمد بن بلة كمنسق عام في الخارج و الداخل لتدبير الأسلحة، و التعريف بالقضية الجزائرية أي بالكفاح الجزائري مع مساعد له . و محمد بوضياف التنسيق على المستوى الداخلي مع مساعد له .
عن الجانب التونسي الطاهر الأسود بين المشرق و تونس و المغرب العربي . ود/ حافظ إبراهيم على المستوى الخارجي للجبهة الغربية و أوروبا و المغرب .
عن الجانب المغربي عبد الكبير الفاسي و الزرقتوني و غيرهم على مستوى المغرب و الجزائر ،أما العربي في تنظيم جيش التحرير الوطني و تدبير الأسلحة بالتنسيق مع القيادة الثورية الجزائرية، أحمد بن بلة و محمد بوضياف و غيرهما، فيتولى ذلك الدكتور عبد الكريم الخطيب و مساعدين له في المغرب " بالريف " تطوان والناظور.
و هذا حسب الشهادات و الوثائق ،و الصور المحصلة منهم من خلال حوارات جمعتني بهم في منازلهم ببلدانهم مع : المرحوم الطاهر الأسود القائد العسكري لجيش التحرير التونسي بمنزله بتونس في ديسمبر 1986 _ ويناير 1987 حيث تعرض بعد حواري معه إلى استنطاقه و نفيه من منزله مع الدكتور / عبد الكريم الخطيب، ورفاقه عدة مرات في عدة حلقات بمنزله بالرباط، و بمنازل رفاقه عدة مرات في عدة حلقات خلال عدة سنوات 1991-1996 -1998- 2001 -2002 _ 29 تسجيلات سمعية بصرية .
مع محمد بوضياف عدة مرات في عدة حلقات مسجلة بمنزله في سنة 1991-1992 لمدينة قنطرة المغربية و كذلك بعد توليه لرئاسة الدولة الجزائرية .
و كذلك مع أحمد بن بلة عدة حلقات بمنزله بالمسيلة تحت الإقامة الجبرية المحدودة،و خلال سنوات عديدة من 1992 إلى آخر سنة 2002 بمنزله بالجزائر العاصمة، و جهات أخرى أغلبها بحضور الحاج بن علة، و كذلك عدة لقاءات مع الحاج بن علة في منزله ،ومع رفاقه في الكفاح .نحتفظ بملفات خاصة في الكفاح المغاربي المشترك ورأي و تحليل و موقف كل قائد ومسؤول في دور كل واحد منهم في الكفاح المسلح العسكري و السياسي مع أدق المعلومات من أفراحها وأقراحها ، إيجابياتها، سلبياتها ، خلفياتها ، تصوراتها و تأثيرها بعد استقلال بلدان المغرب العربي فاندلعت سنة 1953 المقاومة التونسية و المغربية ضد الحماية الفرنسية إلى بلديهما و التي تحولت إلى احتلال واستعمار استغلالي ... بينما في الجزائر قبل هذا التاريخ أدى إلى اكتشاف خلايا المنظمة السرية العسكرية لحزب الشعب الجزائري أو حركة انتصار الحريات الديمقراطية لجناحها العسكري ( لوص L'OS ) سنة 1951، والتي كانت تحضر عملية تفجير الثورة المسلحة في الجزائر. وتم القبض على أغلبية المسؤولين والمناضلين. وتمت محاكمتهم فمنهم من تم قتلهم بعد تعذيبهم و البقية تم حبسهم مع تعذيبهم . والآخرون تم فرارهم .كما تمت عملية مصادرة وثائق المنظمة السرية،ومختلف قطاعات الأسلحة الحربية من مسدسات و ذخيرتها الحربية. خاصة بالغرب الجزائري فكانت نكسة للمقاومة الجزائرية المسلحة في تأخيرها عن تفجير الثورة المسلحة في نفس التاريخ 1953 مع المغرب وتونس .
وبالرغم من ذلك فقد عاشت مدينة ندرومة و نواحيها انتفاضات شعبية ضد السلطات الفرنسية تزامنت مع اندلاع المقاومة المغربية سنة 1953، نتج عنها عدة قتلى وجرحى من كلا الطرفين الفرنسي و الجزائري، وسجن و فرار الكثير من المناضلين (حسب شهادات الشهود والوثائق الجزائرية والفرنسية) منها على سبيل الذكر
Dossier sur les événements de Madroma en 1953 par le centre d'histoire militaire et d'études de défense nationale ( CNRS ) mantpellier France .
سهر السيد / أحمد بن بلة على تدبير الأسلحة بمختلف الطرق و الوسائل و مهما كانت الظروف و الأخطار، فقد تم تزويد الشرق الجزائري بالأسلحة و ذخيرتها الحربية في بدايتها من أموال المملكة السعودية بواسطة الحكومة المصرية و إدخالها الجزائر على الحدود الليبية الجزائرية تم فيما بعد عن الحدود التونسية الجزائرية وهي مصدر تموين و إمداد الأسلحة و الذخيرة الحربية برا شمالا و جنوبا، و أصبح شغله الشاغل هو البحث عن المصادر المالية لتزويد القطاع الوهراني بالسلاح نظرا للأرضية المكشوفة ،و ما ضرب و شدد عليه من حصار القوات الفرنسية والمعمرين المدعمين لحرب الجزائر. و بعد عمليات أول نوفمبر 1954 و نجاحها بالغرب الجزائري على غرار باقي مناطق الجزائر أعطت القيادة العليا للثورة لغرب الوطن و على رأسها أحمد بن بلة عدة أوامر أهمها:
1- تجنيب الفدائيين بمدينة وهران و المدن المجاورة لها القيام بالعمليات الفدائية والتخريبية ضد العدو .
2- تجنب وحدات المجاهدين لجيش التحرير الوطني و الفدائيين الدخول في معارك كبرى ضد القوات الفرنسية خاصة بمناطق الحدود الجزائرية المغربية بالمنطقتين الأولى و الثانية ،حتى لا تعزز و تحصن مراكزها العسكرية على الحدود و تضرب حصارا عسكريا بها في انتظار قدوم الأسلحة من الخارج،و التي تم جلبها فعلا على متن الباخرتين دينا و فاروق في آخر شهر مارس و ما بعده سنة 1955 والتي أفرغت شحنتها بالناظور " رأس الماء" بالريف المغربي التي أرسلها أحمد بن بلة...
" نحتفظ بملف حوار سمعي بصري مع المعنيين بالأمر في تحقيقات ميدانية بالجزائر و المغرب " و بذلك تم تزويد مناطق الولاية الخامسة لغرب الوطن ، والولاية الرابعة و الثالثة و السادسة بهذه الأسلحة وذخيرتها الحربية .
3- تنظيم و هيكلة الجالية الجزائرية بالمغرب في الثورة الجزائرية لتكون الدرع الواقي في الإمداد و التموين و استقبال الجرحى من المجاهدين و غير ذلك .
4-التعاون و التنسيق و العمل المشترك بين القيادتين العسكريتين للمقاومة المغربية والثورة الجزائرية .
5- إنشاء مراكز خفية للثورة الجزائرية على الحدود، و داخل المغرب للإمداد والتموين و تدريب و تكوين المجاهدين . واستقبال اللاجئين الجزائريين الذين أحرقت و حطمت منازلهم وقطعت أشجارهم و سممت مياههم، و أتلفت محاصيلهم الزراعية و شردوا في الجبال، و المحتشدات.
وأصبحت أراضيهم الحدودية مناطق محرمة محاصرة بالأسلاك الشائكة ،و مناطق الألغام و القواعد العسكرية الفرنسية . و هو ما حدث من توقعات و تكهنات السيد أحمد بن بلة ورفاقه من قادة الثورة .
وبقدوم هذه الأسلحة كانت المعارك الكبرى بالقطاع الوهراني، و شرق وريف المغرب بالفاتح أكتوبر سنة 1955 ضد القوات الفرنسية و منشآتها الحيوية .
فتكبدت هاته الأخيرة خسائر فادحة في الأرواح، و العتاد في مفاجأتها بالعمليات الحربية على غرار الهجمات الكبرى بالشمال القسنطيني في 20 أوت 1955 والفارق الزمني بينهما 43 يوما فقط ...
وبما أن لنجاح أي ثورة أو حرب لا بد لها من قواعد خلفية للإمداد و التموين والتدريب و العلاج فقد أسرع السيد / أحمد بن بلة ورفاقه بالتنسيق مع المقاومة المغربية و التونسية بإنشاء مراكز، و معسكرات على حدود بلدانها و داخلها لتدريب و علاج المجاهدين ، والإمداد و التموين بالأسلحة، و ذخيرتها الحربية لمناطق الجزائر العميقة التي تعيش جحيم الحرب الفرنسية من قلة الأسلحة وذخيرتها الحربية. و طورت هذه المعسكرات التدريب و التكوين مع تطور حرب الجزائر كما و كيفا ،و تنظيم خلايا جبهة التحرير الوطني بفرنسا مع تنظيم و هيكلة الجالية الجزائرية في الثورة لتكون السند القوي لها ،لكن سرعان ما تفطن العدو لذلك فرمى بجميع أثقاله المادية و البشرية في المعركة وحصار الحدود .
وكان على القيادة الثورية مواجهة الوضع هي الأخرى بجلب أسلحة أحسن نوعا من الأولى. فخطط و سهر أحمد بن بلة على تكثيف اتصالاته الداخلية و الخارجية في ترتيب الأمور للبحث عن مصادر الأسلحة و الأموال ،و بالفعل تم الترتيب والتعاون مع المقاومة المغربية بجلب أسلحة أخرى من الخارج عن طريق الباخرة (لا طوس athos ) إلى الريف المغربي، كما وقع للباخرتين دينا و فاروق لكن استقلال المغرب في 3 مارس 1956 أدى إلى التراخي و التماطل من بعض قادة المقاومة المغربية الذين كانوا يرون أن مهمتهم المشتركة في جلب الأسلحة لكلا الطرفين قد انتهت باستقلال المغرب و انتقال الحكم و القيادة العسكرية والسياسية إلى هيئات ومؤسسات أخرى وأن المقاومة المغربية تعيش مشاكل انتقال السلطة إلى الجيش الملكي المغربي بصفة رسمية و بقيت الباخرة " لا طوس ATHOS" تائهة عائمة في مياه غرب البحر المتوسط الدولية و الإقليمية. فتم اكتشافها و القبض عليها من طرف الطيران و البحرية العسكرية الفرنسية، و مصادرة أسلحتها و ذخيرتها الحربية بالمرسى الكبير بوهران، فسجن ربانها بتاريخ 18-10- 1956 و من كان عليها من المناضلين الساهرين على أمن و إيصال الأسلحة إلى مكانها المقرر والمتفق عليه في مكان إنزال أسلحة الباخرتين دينا و فاروق ( دراسات و تحقيقات ووثائق عن العملية قمنا بها مع بعض المسؤولين مغاربة و جزائريين منهم ، أحمد بن بلة _ محمد بوضياف المغاربة د/ عبد الكريم الخطيب د/ الغالي العراقي و غيرهم في منازلهم بالجزائر و المغرب نحتفظ بملف في هذا الموضوع) .فكانت صدمة ونكسة كبيرة للثورة الجزائرية خاصة القطاع الوهراني و الولايات المجاورة له من نقص الأسلحة بل فقدانها .وزودت القوات الفرنسية الحركات المناوئة للثورة الجزائرية ( بولنيس و بالحجيست ) بأسلحة لاطوس المحتجزة ... ضد المجاهدين .
هذه الحركة و غيرها المناهضة للثورة التي تسمى ب " القوة الثالثة " التي أنشأتها القوات الفرنسية و حكومتها السياسية لمواجهة جيش التحرير الوطني الجزائري ، و تمزيق وحدة الصف الشعبي الذي دعم للثورة الجزائرية خاصة بالولاية الثالثة والرابعة و السادسة ، و كانت تزحف نحو الولاية الخامسة لكن سرعان ما تفطنت لها قيادة الولاية الخامسة، و دخلت معها في معارك طاحنة تحت قيادة العقيد لطفي ، والرائد عبد الغني بن أحمد وغيرهم بالقاعدة آفلو وتم القضاء عليها نهائيا سنة 1957 ...
22 أكتوبر عام 1956
اختطاف أحمد بن بلة ورفاقه على متن الطائرة المغربية أول قرصنة جوية
وعمل إرهابي دولي قامت به الدولة الفرنسية
تم التشاور والاتفاق بين المرحومين الملك محمد الخامس ملك المغرب و الرئيس الحبيب بورقيبة رئيس الجمهورية التونسية على عقد لقاء بين الطرفين في تونس للدراسة القضية الجزائرية ،و عرض وساطتهما على الحكومة الفرنسية و القيادة العليا للثورة الجزائرية لإيجاد حل لحرب الجزائر عن طريق الاتصالات والمفاوضات بين الطرفين المتصارعين المتحاربين. لكن القيادة العليا للثورة الجزائرية و على رأسها أحمد بن بلة كانت ترى أن هناك اتفاق و تعاهد بين قيادة المقاومة المغربية و التونسية و الثورة الجزائرية على مواصلة الكفاح لاستقلال جميع بلدان المغرب العربي وعلى المغرب و تونس أن تفيا بوعودهما ...
وقدم الوفد الجزائري على رأسه أحمد بن بلة من القاهرة عن طريق مدريد إلى الرباط لمرافقة محمد الخامس، حيث وضع هذا الأخير طائرة مغربية DC3تحت تصرف الوفد الجزائري لمرافقته إلى تونس ،و هو يصعد طائرته الخاصة به. ومن سماء المياه الدولية بالبحر المتوسط اعترضت طائرات فرنسية مقاتلة للقوات الجوية الفرنسية طريق طائرة الوفد الجزائري و أجبرتها على التوجه والهبوط بمطار الجزائر ،حيث تم القبض عليهم من طرف السلطات العسكرية الفرنسية بعد استنطاقهم وتعذيبهم، وبعد اختطاف أحمد بن بلة ورفاقه أي الزعماء الخمسة (أحمد بن بلة محمد بوضياف حسين آيت أحمد رابح بيطاط خيضر محمد)على متن الطائرة المغربية أول قرصنة جوية وعمل إرهابي دولي قامت به الدولة الفرنسية بتاريخ 22 أكتوبر 1956، و تعدي رسمي بسابق مع سبق الإصرار والترصد على السيادة المغربية، و على ضيوف الملك محمد الخامس ، وعلى القانون الدولي للنقل الجوي المدني ،و على الاتفاق و المعاهدات الدولية. ورغم احتجاج ملك المغرب ورفعه دعوى أمام محكمة الاستئناف الفرنسية على التعدي والحجز للطائرة، وللهيئات الدولية المختصة إلا أن ذلك كان حبرا على ورق . فقامت المظاهرات و المسيرات الشعبية في العالم العربي والإسلامي ،و في دول عدم الانحياز واستنكارها على القرصنة . وتم سجن الزعماء الخمسة بسجون فرنسا إلى غاية إيقاف القتال 19 مارس 1962 . حيث تم إطلاق سراحهم.
أحمد بن بلة ورفاقه
يتابعون أحداث حرب التحرير الوطني من السجون الفرنسية
رغم زنازن السجون و الحصار الإعلامي و الاتصالي المضروب و الممنوع على أحمد بن بلة ورفاقه بالسجون الفرنسية إلا أنهم كانوا بمختلف الطرق و الوسائل على علم بما يجري من أحداث سياسية و دبلوماسية ،و عسكرية داخل الجزائر وخارجها، عن حرب الجزائر بصفتهم قادة الثورة الجزائرية و أعضاء في المجلس الوطني للثورة الجزائرية ،ونواب رئيس الحكومة ووزراء و كتاب دولة فيها، و هم في السجون بفرنسا حتى لا تكون القطيعة بل كقادة رسميين للثورة .و كانت قيادة الثورة على اتصال بهم و إطلاعهم على مجريات و تطورات حرب التحرير الوطني مع إعطاء رأيهم في مختلف القضايا أثناء المفاوضات الفرنسية الجزائرية .
و من المتصلين بهم و على رأسهم أحمد بن بلة عبد العزيز بوتفليقة كمبعوث قيادة الأركان العامة لجيش التحرير الوطني ....
و بعد إيقاف القتال في 19 مارس 1962 تم إطلاق سراحه مع رفاقه السجناء ،و عاد إلى الجزائر أرض نضاله و جهاده معززا مكرما مرفوع الرأس بين أحضان شعبه، و جيش التحرير الوطني ( حوار شخصي مع محمد بوضياف و أحمد بن بلة عن حالتهم ووضعيتهم في السجون الفرنسية ).
لكن سرعان ما نشبت خلافات حادة و صراعات و منازعات بين بعض المسؤولين السياسيين في الحكومة المؤقتة ،و بعض القادة العسكريين لأركان الحرب العامة لجيش التحرير الوطني على السلطة و كراسي الحكم من جهة، و على مصير ومستقبل الجزائر السياسي لنوعية نظام الحكم من جهة أخرى، قلت نشبت خلافات حادة خلال المرحلة الانتقالية و الخطيرة التي تمر بها الجزائر بين أفراد الأسرة الثورية الواحدة المكافحة المجاهدة التي كانت و لا زالت آنذاك مهددة من طرف القوات الفرنسية أي بين الإخوة في السراء و الضراء ... فكانت مواجهة عسكرية وسياسية وقتال بين الإخوة كادت أن تؤدي إلى حرب أهلية جزائرية تمزق فيها الوحدة الوطنية الترابية و الشعبية حسب مخططات فرنسا . و إغراق الجزائر في حمامات من الدماء يستفيد منها الأعداء لإعادة قبضة فرنسا بجنرالاتها المتمردة على اتفاقيات إيفيان و إيقاف القتال . و القضاء على مجد الثورة الجزائرية و ملحماتها التاريخية، و هبتها و عظمتها ،و احترامها داخل الوطن و خارجه لدى الشعوب و الحكومات العالمية ،و المحافل الدولية التي كانت ترى في الشعب الجزائري رمزا و قدوة حسنة للشعوب المكافحة في وحدة الصف الوطني تحت قيادة واحدة ،و هي جبهة وجيش التحرير الوطني .
لذلك أصبح الشعب الجزائري تحت قيادته الثورية المخلصة البحث عن حل، ومخرج للأزمة الجزائرية، و الصراع الحاد بين بعض قادة الثورة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان على يد و تحت قيادة رجل إجماع وطني لوحدة الصف الوطني الترابي ،و الشعبي بعيدا عن الصراعات العقائدية ، و العشائرية و الجهوية شعاره أنه يوحد لا يفرق يجمع و لا يشتت الصفوف، بل يعمل و يسهر على تلاحم أفراد المجتمع تحت قيادة واحدة موحدة حسب ما جاء في بيان أول نوفمبر و عهد الشهداء فكان الإجماع على المناضل و المجاهد من الرعيل الأول للثورة أحمد بن بلة .
الجزائر وأزمة 1962
بعد مفاوضات عسيرة بين الحكومة الفرنسية و الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية استغرقت عدة سنوات ،و إثر عدة مراحل توصل الطرفين أخيرا إلى اتفاق تقرير مصير الشعب الجزائري في الحرية و الاستقلال عن طريق استفتاء عام وسميت باتفاقية إيفيان d'Evian accords les وتم الإعلان بين الطرفين على إيقاف النار أي القتال في 19 مارس 1962، و تحضير الاستفتاء تحت هيئة مشتركة " الهيئة التنفيذية المؤقتة للمرحلة الانتقالية " لتسيير شؤون الجزائر ما بين 19 مارس 1962 إلى 5 جويلية 1962. و هو التاريخ الرسمي لاستقلال الجزائر، و تعد من أصعب و أخطر المراحل التي تمر بها الثورة الجزائرية الوطنية و المحلية بجيوشها، و مناضليها الوطنيين المخلصين تراقب و تطارد المتمردين و الانفصاليين من المنظمة العسكرية السرية الفرنسية المتمردة، و الرافضة لاستقلال الجزائر بتدعيم من جنرالات فرنسية وقادة سياسيين و عملاء جزائريين على أن " الجزائر فرنسية " ،و كذلك كانت قيادة جيش التحرير الوطني على مستوى الولايات التاريخية بحدودها مع الدول المجاورة تراقب، و تطارد القوات الفرنسية بصفة مباشرة من أماكنها الاستراتيجية الحساسة لتحل محلها وحدات جيش التحرير الوطني.
ومنشغلة أيضا في تضميد جروح الحرب و مخلفاتها الاجتماعية ،و النفسية من الأرض المحروقة والإبادة الجماعية للشعب الجزائري . و مكلفة أيضا بإعادة تنظيم الشعب الجزائري و توعيته ،و توجيهه و تحسيسه، و تحضيره لاستفتاء تقرير المصير في الحرية و الاستقلال الوطني . و كذلك السهر على استتباب الأمن والاستقرار على الأرواح و الأعراض والأرزاق. كان بعض الناس يكيدون كيدا في الدسائس والمؤامرات لإبقاء الجزائر في مستنقع حمامات من الدماء لكن الله يمهل ولا يهمل تضحيات الشهداء.
فكان جمع اللحمة الوطنية في صف واحد لمواجهة المتآمرين على ضرب وحدة الصف الجزائري.
أحمد بن بلة رجل إجماع وطني ومنقذ الجزائر من أزمة 1962
من حرب أهلية و تمزيق الوحدة الوطنية
تم إطلاق سراح السيد / أحمد بن بلة ورفاقه من السجن بفرنسا بعد إيقاف القتال 19 مارس 1962. فقام بزيارات استطلاعية و تفقدية لوحدات جيش التحرير الوطني المقاتلة الرابطة على الحدود المغربية التونسية مع الجزائر برفقة زملائه و بعض القادة ، وزعماء الحركات التحريرية الإفريقية منهم جنوب إفريقية أنغولا المزنبيق جزر الأخضر التشاد و غيرهم على رأسهم و لسن منديلا (نحتفظ بملف وثائقي وصور وحوارات في هذا الموضوع). حيث لقي ترحابا واستقبالا كبيرا من طرف وحدات القتال من المجاهدين و قيادتهم العسكرية السياسية الثورية لجبهة و جيش التحرير الوطني . كما زار عدة بلدان شقيقة وصديقة منها ( مصر المغرب تونس وغيرها من الدول ) ،لكن سرعان ما زاد الوضع تأزما بين بعض القادة و مسؤولي القيادة العليا السياسية و العسكرية للثورة، والذي يمتد أثرها من اجتماع المجلس الوطني للثورة الجزائرية ما قبل الأخير بطرابلس (ليبيا) . كاد أن يفجر الجزائر إلى دويلات ومقاطعات وتفكك الوحدة الوطنية الترابية والشعبية.
إلا أن القدرة الإلهية ودماء الشهداء والتعقل، و حكمة بعض القادة والمجاهدين، والمناضلين و أفراد الشعب المخلصين لوطنهم ، أخرجت و أنقذت الجزائر من أزمتها الدموية و التمزيقية تحت قيادة رجل الإجماع الوطني، والوئام المدني أو المصالحة الوطنية بين الأشقاء أحمد بن بلة الذي يمثل رمز النضال و الجهاد الوطني ،و الثورة التحريرية، والذي ضحى من أجلها بتقديم كل نفس ونفيس و لبى نداء الشعب. لأنه كان بعيدا عن الصراعات بين الأشقاء خلال حرب التحرير الوطني، وهو في السجون الفرنسية مع رفاقه من قادة الثورة . إذ كان الشعب الجزائري يرى فيه بصفة خاصة، والشعوب و الحكومات العالمية بصفة عامة روح الإخلاص و التضحية، والفداء ونكران الذات، ورمز الوحدة الوطنية والمغاربية في كفاحها المرير ضد الاستعمار الفرنسي لتشييد صرمها المجيد. فأسرع في معالجة الأزمة بين أبناء الجزائر في جميع الميادين، و على جميع المستويات بالحكمة، والعقل والرزانة والصبر ،و التواضع مع ضبط النفس، والأعصاب وصبر أيوب لجمع الصف و توحيد القلوب والصمود و التصدي للانتهازيين، والمغرضين والعملاء، والمتآمرين على استقلال الجزائر ووحدة ترابها الوطنية والشعبية ،و هو يعالج المشاكل و الخلافات و التجاوزات الهامشية المفتعلة، وتخطي الصعاب والعراقيل و المحن التي تدبر داخل الجزائر وخارجها ،والتدخل الأجنبي لتعكير الجو السياسي و الاجتماعي و الأمني بين بعض المسؤولين الثوريين الوطنيين.
وبفضل الأب الصبور و حنكته و تجربته في وحدة الصف الوطني، احترامه للجميع و من قبل الجميع لما يتمتع به من ثقل وإرث تاريخي نضالي ثوري في الإعداد لتفجير الثورة المسلحة مع رفاقه، وهذا ما دفع بعض القادة المتصارعين التخلي عن طموحاتهم استجابة لنداء الأب الروحي الثوري أحمد بن بلة في سبيل الوحدة الوطنية، وعلى أن الجزائر قبل كل شيء وفوق كل اعتبار أو مطلب شخصي سياسي أو عسكري. و كان كل نقص وخطأ وتصرف فيه و منه يعوض بالإخلاص و التضحية في سبيل الله و الوطن.
ورغم ذلك فقد حتمت الظروف التفاهم عن طريق البنادق من جهة .. و بالطرق السلمية من جهة أخرى... بين بعض أفراد قيادة جبهة التحرير الوطني ،و جيش التحرير الوطني للإسراع بجمع الشمل و توحيد الصف تحت قيادة المنسق الزعيم أحمد بن بلة. كما كان في حرب التحرير الوطني... و تمت عدة لقاءات و اجتماعات للقيادات الثورية بمدينة تلمسان في "فيلا ريفو "villa rivo ، وبعد مخاض كبير ومناقشات حادة على مستقبل الجزائر السياسي، و مصير الشعب الجزائري فكان التفاهم أخيرا على المصلحة الوطنية ، و تغليب عقل الصبر و الحكمة في معالجة المشاكل، و هكذا كان للمنطقة دور و شرف كبير لاحتضان الاجتماعات و اللقاءات الوطنية بين رفاق السلاح، و الكفاح للتوجه كرجل واحد لإخراج الجزائر إلى شاطئ و بر النجاة في الاستفتاء و تقرير المصير لاستقلال الجزائر في جويلية 1962. و لما لوهران دور كبير في تضميد جروح الصراعات ، ومخلفات الحرب الاستعمارية في سبيل الوحدة الوطنية الترابية و الشعبية.
وتثبيت تمركز الدولة الجزائرية و عاصمتها الجزائر. و كان لقيادة أركان الحرب العامة لجيش التحرير الوطني دور كبير في الدعم ،و المساعدة لحماية الجزائر من كل الانحرافات و الانزلاقات، و التمزيقات حفاظا على الوحدة الوطنية الترابية والشعبية، وقيم ومبادىء أول نوفمبر و عهد ورسالة الشهداء، و تحقيق المطالب الشعبية الجزائرية الذي تعب من معانات الحروب ... كما تم تقديم كل العون والمساعدة المدنية و العسكرية لرمز الثورة الجزائرية الزعيم أحمد بن بلة لإنقاذ الجزائر جزائر العزة و الكرامة و الأنفة التي شعبها لا يقهر و لا يهان . فكان النصر و الانتصار في تحقيق ثقة و أمال، و طموحات الشعب الجزائري في رجل الإجماع فأدى الأمانة و أخلص لعهد الشهداء. وكان كل نقص فيه يعوض بالإخلاص ونكران الذات ، و التضحية في سبيل الله و الوطن و الشعب. كأول رئيس الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية المستقلة ، فالشعب الجزائري حرم منذ رئيس وحدة وطنية من عهد عبد المؤمن بن علي الكومي البربري الزناتي المسلم الندرومي الجزائري الأصيل .
إلى أن جرت الرياح بما لا تشتهي السفن. فكان القضاء و القدر المحتوم بانقلاب 19 جوان 1965، وبالمصطلح السياسي التصحيح الثوري و هي سنة الله في خلقه فمهما بلغ الإنسان من الجاه و السلطة و المال فآخر مطافه القبر إلا ما تشهد عليه أعماله فكل نفس ذائقة الموت .
انطباعاتي الشخصية لأحمد بن بلة
من خلال حواراتي معه و مرافقاته داخل الوطن
وخارجه في ملتقيات تاريخية
تداركا لما يمكن أن تمحوه الذاكرة و ينساه التاريخ و تتجاهله الأجيال، ولتعريف الخلف بالسلف في تأدية الأمانة، وتبليغ الرسالة التاريخية للأجيال لمعرفة تاريخهم، و تراجم شهدائهم ومسيرة عظمائهم من الشهداء والأحياء كان اهتمامي و اتصالي بشخصية الزعيم أحمد بن بلة ،و تعلقي به أثناء الثورة وبداية الاستقلال وازداد عطفي وحنيني إليه بما قدمه ، و ضحى به من نفس و نفيس ،و ما عانه من أخطار ومحن قبل الثورة و أثناءها وبعدها في سبيل الجزائر الوطن الأم خدمة و تضحية للشعب الجزائري البطل والصبور في الشدائد و المحن...
فجا لستة مرات و حاورته في عدة حلقات ، و لمست فيه عمق الجراح لسنين الكبت عن الثورة الجزائرية بأفراحها وأقراحها بحلوها ومرها،بإيجابياتها وسلبياتها.كان يكبر في عيني وطنيا مخلصا و رجلا كفأ عزيز النفس قويها و قويمها، ولم ألمس ضعفه ورقته إلا أمام الشهداء و الرجال العظماء و والديه الكرماء والعلماء.
بسيطا في غير ما ابتذال كبيرا في غير ما افتعال تحاوره، فتجده المستحضر للتفاصيل الدقيقة ناهلا من ذاكرة ناذرة حباه الله بها، نصرة و خدمة للدين والوطن. وكان يتقبل حواري ونقاشي أحيانا أدغدغه، وأحيانا أستفزه للنطق لما يخبؤه من أسرار أحداث الثورة ، وأنا كباحث و مؤرخ و أستاذ جامعي للحصول على أدق المعلومات وأسرارها الدقيقة المنقوشة في ذاكرته فكان شديد الإحساس بسعة صدره،و اتساع آفاقه و حيوية روحه وتنزهه عن السوافل، وعلوه عن الصغائر، وحسمه وعدم التردد في المواقف الوطنية،وأحيانا حفاظا على تضميد جروح الجزائر العميقة ومخلفاتها وآثارها ومؤثراتها الثورية من أحداث مختلفة كان يطلب مني التحفظ على نشرها في الوقت الحاضر إلى أن يحين وقتها ... وقد نشرت البعض منها في مقالات تصحيحية لبعض أحداث الثورة فكانت متابعتي قضائيا من بعض الشخصيات التي كانت ترى نفسها وصية على الثورة تحتكر تاريخها وملحمات شهدائها ، و التي أصبحت في هرم قمة السلطة بعد الاستقلال لكن لتاريخ الثورة و شهدائها رب يحميها ويحمي الباحثين فيها .
ألفيته عمليا حازما واضحا أبعد ما يكون عن نرجسية أصابت كثيرا ممن عاشوا أحداثا، و قاموا بأعمال أقل بكثير مما عاشها و قدمها ،و ضحى من أجلها بالنفس والنفيس، و ما قاسه من جرائم الاستعمار الفرنسي من وسائل التعذيب التي لازال يعاني من أثرها النفسي والجسدي إلى يومنا هذا . و هو يبرأ نفسه عن الألقاب فكلما
كنت أكلمه بعبارة " فخامة الرئيس " فكان يطلب مني الرجوع إلى عبارة " المناضل أو المواطن البسيط " لأن ما قام به من نضال و جهاد يعد من واجبه الوطني والنضالي .فهو كباقي أفراد الشعب الجزائري الغيور على وطنه ودينه وقيمه وأصالته .
وكم تستر على البطولات أو الملحمات أو المفاخرات أو أحدات ما كنا نعرفها عنه لو لا غيره من الصديق و العدو داخل الجزائر و خارجها في النبش عن الوثائق وشهادات الشهود الذين عاصروا الأحداث كرفيق دربه محمد بوضياف و آخرون على سبيل الذكر . أحمد محساس عمر أو عمران الحاج لخضر د/الخطيب حسن بالرضا الغالي العراقي الطاهر الأسود و غيرهم ...
و هو العاشق للتفاصيل و المدرك لأهميتها و العارف لقيمتها . قليلا ما تحدث في العموميات لأنه كان يحكي أحداثا صنعها في تحضير الثورة وتفجيرها، وهو يشق طريقه عبر مناطق التراب الوطني على الأرجل والدواب يتفقد أحوالها و يطلع على خباياها ،و يشجع المناضلين والمجاهدين والوطنيين على الفتح المبين،والنصر القريب لاستقلال الجزائر و هي في مراحلها الأولى والتي تجتاز الصعاب والمخاطر .
هذا غيض من فيض عن رجل آمن بالله بالقضاء والقدر وبوطنه ، وملحماته وشهدائه واستقلاله مذهبا، ولشعبه خدمة و حبا وتفانيا ظاهره كباطنه، وأفعاله تنوب عن أقواله تجعل للناس فيه أسوة حسنة و للأجيال قدوة و مفخرة لتحرير الجزائر .
توفي يوم 11 افريل 2012 عن عمر يناهز 96 سنه
من اقواله
لم يكن سواه رفيقي في كل الفترات التي قضيتها في السجون، إنه القرآن الكريم
لست لائكيا ومن يدعو إلى اللائكية يريد أن يلبس جلدا غربيا لجسد إسلامي[4]
أرفض حكم الفقهاء وأنا مجرد مواطن جزائري[
و ليس من الجاحدين أو الحاقدين على الماضي القريب للإطاحة به فلا زال إلى يومنا في خدمة الوطن و عفا الله عما سلف.
منقول
**************************************************