الأكديون من هم
[الامبراطورية الاكدية ( 2350 – 2112 ق م )
--------------------------------------
هناك عدة اسباب لاعتبار العام 2350 كنقطة تحول في تاريخ بلاد مابين النهرين. حيث ظهرت لاول مرة امبراطورية على ارض بلاد مابين النهرين. ان القوة التي دفغت لتاسيس هذه الامبراطورية هم الاكديون، والذين اخوا اسمهم من مدينة اكد، والتي اختارها سرجون كعاصمة له ( لا يعرف موقعا بالضبط لحد الان ولكن يفترض انها تقع على الفرات بين سيبار وكيش). اصبح اسم اكد مرادفا مع مجموعة السكان الذين وقفوا جنبا الى جنب مع السومريين. لقد صار جنوب بلاد مابين النهرين يعرف "بأرض سومر واكد"؛ واصبحت الاكدية اسم اللغة؛ وارتقى الفن الى ارتفاعات جديدة. وعلى اية حال فحتى نقطة التحول هذه لم تكن هي المرة الاولى التي يدخل فيها الاكديون التاريخ. فالساميون (سواء الاكديون او اقوام كانت تنطق بلغة سامية استوطنت قبلهم) قد يكون لهم دور في التمدن الذي حصل في نهاية الالف الرابع ق م . الاسماء والكلمات الاكدية الاولى من مصادر كتابية للقرن السابع والعشرين. يمكن العثور على العديد من الأسماء الاكدية في ارشيف تل ابو صلابيخ، قرب نيبور في بابل القديمة، متزامنة مع تلك الموجودة في شوروباك ( بعيد سنه 2600 ق م). ان قائمة الاسماء السومرية تضع سلالة كيش الاولى، مع سلسلة من الاسماء الاكدية، مباشرة بعد الطوفان. ربما كانت اللغة الاكدية قد كتبت في ماري منذ البداية. وعليه فان مؤسس السلالة الاكدية لربما كانوا افرادا من شعب كان لقرون يعرف ثقافة بلاد مابين النهرين بكل اشكالها .
وحسب قائمة ملوك السومريين فان الحكام الخمسة الاوائل لأكد ( سرجون، ريموش، مانيشتوسو، نارام سن، و شار كالي شاري) قد حكموا مامجموعه 142 سنه؛ سرجون لوحده حكم ل 56 سنة. بالرغم من ان هذه الارقام لايمكن تدقيقها، الا انها على الارجح موثوق بها، لان قائمة ملوك اور الثالثة، وان كانت بعد 250 سنة، فقد بثت تواريخ لثبتت دقتها.
حسبما ماجاء في الحاشية المرافقة لاسمه في قائمة الملوك، فقد بدأ سرجون حياته كساقي خمر لملك كيش اور زابابا. هناك اسطورة اكدية حول سرجون، تتحدث عن كيف انه هجر كطفل بعد ولادته، فتكفل نشاته البستاني، ومن ثم احبته الآلهة عشتار. وفي اية حال لا توجد بيانات تاريخية عن وظيفته. الا انه من المنطقي الافتراض ان في حالته هذه فان المحكمة العليا كان نقطة انطلاق لسلالة خاصة به. ان المخطوطة الاصلية لملوك اكد والذين توارثوا جيلا بعد آخر هي موجزة، وان انتشارهم الجغرافي عموما كان اخباريا اكثر منه مضمونا. ان المصدر الرئيس لحكم سرجون، بسموه وكوارثه، هي نسخ من صنع بابل القديمة مكتوبة في نيبور من الاصول القديمة التي يفترض انها حفظت هناك. انها في جزء منها اكدية، وجزء منها مزدوجة اللغات بنصوص سومرية-اكدية. وحسب هذه النصوص، فان سرجون قاتل ضد مدن السومريين في جنوب بابل، وهدم جدران المدينة، واسر 50 من الانسيين، و"نظف سلاحه في البحر".
يقال انه أسر لوكال زاكيزي ملك اوروك، الحاكم السابق لأمة، والذي هاجم اوروك اكينا في لكش بقسوة، واضعا رقبته تحت نير وسحبه الى بوابة انليل في بيبور. لقد ملأ مواطنو اكد دوائر انسي من البحر السفلي ( الخليج الفارسي) فما فوق، والتي كانت ربما مكيدة استخدمها سرجون لتوسيع اهداف سلالته. اضافة الى ال 34 معركة التي خاضها في الجنوب، يخبرنا سرجون ايضا عن فتوحات في شمال بلاد مابين النهرين: ماري على البالخ، حيث وقر الاله داكان (داكون)، البا ( تل مارديخ في سوريا)، و"غابة الارز" ( امانوس او لبنان)، و"الجبال الفضية"؛ ومعارك في عيلام وذكر كذلك سفوح تلال زاغروس. ويذكر سرجون ايضا عن سفن من ملوحه ( منطقة اندوس)، وماغان (من المحتمل ساحل عمان)، و ديلمون (البحرين) قد رست فى ميناء اكد.
ان هذه التقارير تجلب الاهتمام من النظرة الاولى لكن لها قيمة محدودة بسبب لا يمكن تنظيمها حسب تسلسل زمني،ولا يعرف ان كان سرجون قد بنى امبراطورية كبيرة. التراث الاكدي يرى في هذا المجال ايضا ودرج في درلسة عن نهاية القرن الثامن او السابع تدرج ما لا يقل عن 65 مدينة واراضي تعود الى تلك الامبراطورية. وحتى ان كانت ماغان و كابتورا ( كريت) كحدود شرقية وغربية للاراضي المستولى عليها، فمن الصعب نقل ذلك الى الالف الثالث.
عين سرجون احدى بناته ككاهنة لاله القمر في اور. اكتسبت اسم انهيدونا وتبع ذلك اسم انمينانا، ابنة نارام –سن. لابد وان انهيدونا كانت امراة موهوبة؛ فترنيمتان سومريتان من تاليفها قد حفظتا، ويقال انها ساعدت في بدء مجموعة من الاغاني وهبت الى معابد بابل.
مات سرجون عن عمر طويل جدا بعد ان وضع اسس التقاليد العسكرية لبلاد مابين النهرين. وهناك مخطوطة محفوظ نسخ عنها ، فيها تقارير كاملة عن ابنه ريموش والمعارك التي تم خوضها بين سومر وايران، كما لو لم تكن هناك امبراطورية سرجونية. لا يعرف بالتفصيل مقدار الصرامة التي ارادت اكد من خلالهاالسيطرة على المدن الواقعة الى الجنوب وكم من الحرية بقيت لديهم؛ ولكن يفترض انهم كانوا متمسكين بقوة باستقلالهم المحلي الموروث. من وجهة النظر العملية، فمن المحتمل انه من المستحيل في كل الاحوال تنظيم امبراطورية يمكنها احتواء كل بلاد مابين النهرين.
وما دامت التقارير ( نسخ من المخطوطات) التي خلفها مانشتوسو، و نارام –سن، وشار- كالي- شاري تتحدث باستمرار عن ثوار وانتصار في معارك ومادام قد ذكر بان ريموش، ومانشتوسو و شار- كالي – شاري هم انفسهم قد ماتوا ميتة قاسية، فتبرز مشكلة ماتبقى من عظمة اكد. ان الحروب وحالات عدم الاستقرار، انتصار طرف واندحار الاخر، وتشير المصادر حتى الى اغتيال الملوك والبعض منها فقط قد وصلنا من هذه المصادر. وحين تمتد المعارك الحربية الى جيران بلاد بابل فينشغل الملوك الاكديين اساسا بالفوائد التجارية بدلا من خدمة الفتوحات وحماية الامبراطورية. ان اكد، او بدقة اكبر الملك، كان بحاجة الى البضائع والمال والذهب لتمويل الحروب، والبناء ونظام الادارة الذي وضعه.
ومن جهة اخرى، فان المخطوطات الاصلية التي عثر عليها لحد الان عن ملوك كثل نارام – سن كانت مبعثرة في منطقة تغطي حوالي 620 ميلا حيث يطير الغراب، وباتباع مجرى دجلة جنوبا: دياربكر في اعالي دجلة، نينوى، تل براك في اعالي نهر الخابور (والذي حوى على غابات وحاميات اكدية )، سوسة وعيلام، اضافة الى ماراد وبوزرش – داغان، و ادب ( بسمايه)، ونيبور، واور و جيرسو في بابل. حتى وان لم تكن كل هذه المناطق جزء من الامبراطورية، فلابد انها تشكل مجالا مثيرا للاعجاب.
ومن النقاط الواجب اعتمادها حقائق اخرى تزن اكثر من تقارير عن الانتصارات التي لا يمكن التحقق منها. بعد الملوك الاوائل للسلالة ولد لقب ملك كيش، ونارام – سن الذي اعتمد لقب " ملك اربع ارباع العالم" ( اي الكون). وكانه قدسي فقد كتب اسمه بالخط المسماري بعلامة الاله، وهي علامة معرفة تسبق اسم الالهه، اضافة الى انه تبنى لقب "اله اكد". انه لمن الشرع السؤال فيما لو كان مفهوم التاليه قد يستخدم في مفهوم تمجيد المرتبة بحيث تساوي مرتبة الالهه. على الاقل كان يجب التنويه بانه نسبة الى مدينته وشعبه، فان الملك يرى نفسه حسب الدور المنوط بالمقدسات المحلية كحامي للمدينة وضامن رفاهيتها. حسب وثيقة من نيبور، فان القسم الذي اداه نارام – سن باسلوب مشابه لتلك التي تستخدم عند القسم بالاله المعبود. الوثيقة من جيرسو تحوي على تاريخ اكدي من هذا النوع " في العام الذي وضع فيه نارام –سن حجر الاساس لمعبد انليل في نيبور ومعبد اينانا في زابلام" كدليل لسياق توثيق التواريخ المعمول به في فترة اور الثالثة وبابل القديمة ان استخدام مثل هذه المعادلة تفترض ان المدينة المعنية تعترف بحكم سيدها الذي يتضرع الناس باسمه.
نالت اللغة الاكدية تحت الحكم الاكدي مكانة ادبية جعلها في مصاف اللغة السومرية. انتشرت اللغة الاكدية خارج حدود بلاد مابين النهرين لربما بتاثير المعسكرات الاكدية في سوسة. بعد ان كانت تستعمل ولقرون عدة خطا محليا بدائيا على هيئة الخط المسماري، تبنت عيلام الخط المستعمل في بلاد مابين النهرين خلال الفترة الاكدية ومع بعض الاشتثناءات فقد استخدمته حتى عند الكتابة باللغة العيلامية وليس فقط عند الكتابة بالسومرية او الاكدية. ان الاسلوب المسمى الاسلوب الاكدي القديم في الكتابة رائق من وجهة النظر الجمالية بدرجة خارقة، فقد كانت وحتى العهد البابلي كانت تستخدم للكتابات المهمة. ونفس الشئ يقال عن الفن التشكيلي والطباعي، وخاصة النحت على المنحنيات، والمنحوتات نصف البارزة، والاختام الاسطوانية فقد وصلت اعلى درجات الاتقان.
وهكذا فيمكن اعتبار حكم الملوك الخمسة لاكد احد اكثر الفترات انتاجية في تاريخ بلاد مابين النهرين. على الرغم من ان قوى الانفصال قد عارضت كل التوجهات الوحدوية، فقد وسعت مملكة اكد من الافاق السياسية والمساحات. ان الفترة الاكدية قد ادهشت المؤرخين كما ادهشتهم فترات اخرى. ان ما ساهمت به اكد من خزين الاساطير لم يمح من الذاكرة. وبتعابير مثل " سياتي ملك اربعة ارباع الارض"، نذير الكبد ( تنبؤات تجرى من تحليل شكل كبدة الخروف) من بلاد بابل القديمة يعبر عن التوق الى الوحدة في الوقت الذي عادت بلاد بابل مرة اخرى مفككة الى العديد من الدويلات الصغيرة.
مصادر تأريخية - عن حضارة بلاد مابين النهرين
**************************************************