هوسات وأهازيج أهالي باب الشيخ في بغداد
تعد باب الشيخ من المحلات البغدادية الشعبية القديمة ، نشأت في اواخر العهد العباسي وبمضي الزمن تطورت فأصبحت مركزاً دينياً وسياسياً واجتماعياً مهماً في تأريخ بغداد حتى قرابة نهاية القرن العشرين ،عاش أهالي هذه المحلة العريقة منذ قرون عديدة ومازالوا في أجواء تسودها المحبة والYخاء والتNزر الاجتماعي ، و سجل أبناؤها تأريخهم وتراثهم بوعي علمي في جغرافية الذاكرة البغدادية التي حفظت لهم ذكرياتهم وماضيهم التليد.
فكان لهم تراث شعبي مميز في مجال الأناشيد الشعبية والهوسات والأهازيج التي كانت تعبر عن واقعهم الاجتماعي والسياسي والديني ، يلهجون بها في المناسبات الدينية والاجتماعية ، منها ماينشدونها أيام الاعياد بقولهم ( باجر عيد ونعيد وناكل مركة اسعيد ) ظهرت هذه الانشودة أيام حكم والي بغداد سعيد باشا الذي كان غير محبوب من الناس ،وقد قتل عام 1322هـ.
وفي ليالي شهر رمضان المبارك ، كان النشيد الشعبي القديم المتعارف عليه في هذه المناسبة هو:
ماجينة يا ماجينة
حلي الجيس ونطينة
تطونة لو نطيكم
بيت مكة نوديكم
هاي مكة المعمورة
مبنية بجص ونوره
فمجاميع الأطفال والصبية من أهل المحلة يجوبون أزقة محلتهم ويمرون على كل بيت من بيوتها وهم ينشدون هذه الإنشودة الرمضانية الجميلة ، ثم يقومون في أثناء إنشودتهم بالدعاء لأهل البيت ذاكرين بعض أسمائهم ، فيجيب أهل الدار بإعطائهم بعض النقود اومن حلويات رمضان كالزلابية والبقلاوة.
وعند حدوث كسوف القمر ، هناك تقليد شعبي متوارث منذ زمن بعيد في هذه المحلة ، حيث يخرج أهالي باب الشيخ حاملين بأيديهم صواني فافون اوعلب صفيح فارغة او طشوت ينقرون عليها وهم يجوبون درابين محلتهم وينشدون :
ياحوتة يامنحوتة ، هدي كمرنا العالي
وإن جان متهدينة.. نضربج ابسجينة
وأحياناً ينشدون هذا النشيد الشعبي وهم في سطوح منازلهم .
كما إن هناك إنشودة شعبية قديمة يرددها الأطفال والصبية في الكتاتيب (الملالي) . كاتب هذه السطور من مواليد باب الشيخ عاش طفولته وصباه في هذه المحلة وتعلم على يد الملة (مرزوقة) في محلة فضوة عرب يتذكر أيام الملة ، فبعد أن تؤدي الملة صلاة العصر، نقوم نحن بقراءة النشيد الشعبي (نشيد الانصراف) المعروف :
طلعت الشميسة على كبر عيشة
عيشة بنت الباشا تلعب بالخرخاشة
صاح الديج بالبستان الله ينصر السلطان
ياملتنة صرفينا راح الوكت علينا
وشموسنا غابت ورواحنا ذابت
طلعنا ليبره ، شفنا حبيب الله
بيده قلم فضة يكتب كتاب الله
يافاطمة بنت النبي اخذي كتابج وانزلي
على صدر محمد وعلي
أما الهوسات والأهازيج التي يلهج بها أبناء باب الشيخ في المناسبات فقد كانت مصحوبة بآلات العزف الشعبية كالدمامات والنقارات والدفوف اوالطبول ، فهي كانت ضرباً من الفن النغمي الشعبي الأصيل النابع من التقاليد القديمة ، وإنها قريبة من كلمات الشعر الشعبي ، حيث إن قراءها هم من الشعراء أمثال الصحافي والشاعر الشعبي أحمد جميل الشيخلي والشيخ اسماعيل الشيخلي ، ففي فترة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي ، يتجمع أهالي المحلة في المناسبات الاجتماعية والدينية ،وتلقى القصائد الشعبية والهوسات والأهازيج التي تشتمل على الكلمات الحماسية والعاطفية المسجوعة ، فتثير مشاعر وعواطف الحاضرين وتعطي المناسبة التي تلقى فيها الهيبة والتقدير، وأكثر الهوسات والأهازيج أما أن تكون دينية تلهج باسم الرسول الكريم محمد (ص) وآل البيت الأطهار وأصحابه الأبرار وأما أن تكون وطنية تتغنى بحب العراق والعروبة ، وفي المناسبات الاجتماعية كالأعراس فإن الشيخلية (أهالي باب الشيخ) عندما تتزوج بنت من بناتهم ينشدون في هوساتهم :
حجي الزود احنا ايلوكنا
لوهللت يم دلاعة احنا اخوالج الفزاعة
حجي الزود احنا ايلوكنا
لو هللت يم ترجية احنا اخوالج الشيخلية
مجلة الموروث ـ العدد 47 ـ كانون الثاني 2012
م ن
**************************************************