وكالات:
تعود مجالات عديدة في الطب الحديث الى عهد أقدم مما يظن البعض. فالكثير من الممارسات الطبية الشائعة اليوم ابتُدئ باستعماله في بعض الاماكن قبل قرون طويلة. على سبيل المثال تاريخ الطب في القرون الهجرية الاولى في الدولة الاسلامية.
. سنة 189هـ/ 805م، أنشأ الخليفة هارون الرشيد أول مستشفى مُجهزة في عاصمته بغداد. ومن القرن الثاني حتى القرن السادس الهجري، بنى حكام اخرون مستشفيات في جميع ارجاء الدولة الاسلامية الممتدة من اسبانيا الى الهند. كما انهم قدموا الدعم المادي لها.
المدرسة المستنصرية تاسست سنة 625هـ في بغداد
استقبلت هذه المستشفيات، او البيمارستانات، المرضى بغض النظر عن دينهم او مقامهم. ولم يعالج الاطباء ذوو الكفاءة المرضى فحسب، بل أجروا الابحاث ودرَّبوا اطباء جددا ايضا. وقد عُينت اجنحة منفصلة لكل اختصاص، مثل: الطب الداخلي، طب العيون، جراحة العظام، العمليات الجراحية، الامراض المعدية والاعتلالات العصبية. فكان الاطباء برفقة تلاميذهم يفحصون المرضى كل صباح، يُخضعونهم لنظام غذائي صحي ويصفون لهم الادوية. كما أُلحقت بكل مستشفى صيدلية لتركيب الادوية وتوزيعها على المرضى. فضلا عن ذلك، عمل جهاز اداري على حفظ السجلات، ضبط النفقات، الاشراف على تحضير الطعام وإنجاز مهمات ادارية اخرى، مثلما يحصل اليوم تماما.
ويعتبر المؤرخون الغربيون هذه المستشفيات "احد اهم انجازات الدولة الاسلامية في القرون الوسطى الميلادية". ويقول الكاتب والمؤرخ هاورد ر. تيرنر ان المستشفى في جميع انحاء الدولة الاسلامية كان يشهد كمؤسسة ثورة ستحدد مسار العلوم الطبية والرعاية الصحية حتى يومنا هذا.
الرازي اول من وصف الجدري والحصبة
. أبو بكر الرازي: وُلد سنة 250هـ/864م في مدينة الريّ القديمة الواقعة في ضواحي طهران. ودُعي "اعظم الاطباء ليس في الاسلام فحسب، بل في سائر انحاء العالم في القرون الوسطى الميلادية". لقد دوّن هذا المفكر والباحث العلمي ملاحظات عن تجاربه والامراض والالات والنتائج لفائدة الاطباء الآخرين. كما نصحهم جميعا ان يكونوا مطلعين على آخر المستجدات في اختصاصاتهم. وقد حقق عددا من الانجازات. فوضع مثلا الحاوي، موسوعة شاملة تتضمن 23 كتابًا وتعدّ من اعظم الكتب الطبية. ويقال ان بداية طب التوليد والطب النسائي وجراحة العين ترجع اليها. وكان اول من قدّم وصفا دقيقا للجُدَري والحصبة في احد مؤلَّفاته الطبية البالغ عددها نحو 56. كما اكتشف ان الحمى وسيلة يستخدمها الجسم في الدفاع ضد الامراض. علاوة على ذلك، تولى الرازي رئاسة مستشفيين في الريّ وبغداد. وهناك عالج مصابين بأمراض عقلية وأصبح رائدا في علم النفس والعلاج النفسي. ولم يقتصر عمله على الطب، بل وضع كتبا في الكيمياء وعلم الفلك والرياضيات والدين والفلسفة.
من اشهر اثار ابن سينا القانون في الطب
. ابو علي الحسين بن سينا: لُقب بالشيخ الرئيس وهو رائد اخر من رواد الطب. وُلد سنة 370هـ/ 980م في بخارى التي تقع اليوم في اوزبكستان. واصبح واحدا من كبار الاطباء والفلاسفة وعلماء الفلك والرياضيات في عصره. ومن اشهر اثاره القانون في الطب، موسوعة تتناول جميع فروع المعرفة الطبية. ذكر ابن سينا في القانون ان السّل مرض معد وأن الامراض تسري في الماء والتراب. كما تطرق الى تأثير الاحوال النفسية في الصحة الجسدية، وقال ان الاعصاب تنقل الاحساس بالالم والدفعات العصبية التي تسبب تقلص العضلات. وبحث القانون ايضا في نحو 760 عقَّارا واصفا خصائصها وتأثيراتها ودواعي استعمالها، فضلا عن وضعه معايير لتجربة عقاقير جديدة. وبعد ترجمة هذا الكتاب الى اللاتينية، ظل يعمل كمدرس في معاهد الطب الاوروبية على مدى قرون طويلة.
مخطوطة عربية تصور ادوات الزهراوي الجراحية
. أبو القاسم الزهراوي: وُلد سنة 324هـ/936م في الزهراء بالاندلس. لُقب بأبي الجراحة. ولمع اسمه في الاندلس لما له من ابتكارات طبية عظيمة. فقد وضع دائرة معارف تتضمن 30 مقالة، احداها بحث في الجراحة مؤلف من 300 صفحة. وفيه وصف اجراءات متطورة مثل استعمال امعاء الحيوانات في خياطة الجروح خياطة داخلية، ازالة حصى المثانة باستخدام اداة تُدخل في مجرى البول، استئصال الغدة الدرقية، والتخلص من سدّ العين (الماء الزرقاء). واستخدم ابو القاسم الزهراوي "تقنيات طبية حديثة نسبيا" مفيدة عند انخلاع الكتف او تعسُّر الولادة. كما استعمل الجبيرة من الجبس لتثبيت العظام، وكان اول مَن استخدم القطن في الضمادات الجراحية. ووصف ايضا تقنيات لإعادة زرع الاسنان، صنع اسنان اصطناعية، تقويم الاسنان، وإزالة الكلس والسواد والصفرة عنها. اضافة الى ذلك، صوّر الزهراوي في بحثه ادوات الجراحة للمرة الاولى. فضمَّنه رسوما واضحة لحوالي 200 اداة جراحية وشرح كيف ومتى يلزم استعمالها. وبعض آلاته بقيت على حالها، ما عدا بعض التعديلات الطفيفة التي أُدخلت عليها رغم مرور الف سنة تقريبا.
ترجمة المؤلفات العربية الى اللاتينية
. مؤلفاتهم تعد دعامة يستند اليها الطب الحديث
في القرنين الحادي عشر والثاني عشر الميلاديين، اخذ العلماء يترجمون المؤلَّفات الطبية العربية الى اللاتينية، خاصة في طليطلة "توليدو" بإسبانيا ومونتي كاسّينو وساليرنو في ايطاليا. ثم درس الاطباء هذه الترجمات في الجامعات في كل المناطق الاوروبية الناطقة باللاتينية. نتيجة لذلك، يقول الصحافي المتخصص في العلوم إحسان مسعود ان العلوم الطبية من الشرق الاوسط "تغلغلت في اوروبا خلال القرون اللاحقة، ربما اكثر من سائر العلوم الاسلامية". وهكذا، ترك لنا ملوك الطب كالرازي وابن سينا والزهراوي ومعاصريهم اكتشافات واختراعات تعد دعامة يستند اليها الطب الحديث.
الادوية التي كانت تستخدم انذاك
**************************************************