القائد نبوخذ نصر واليهود
قاد نبوخذ نصر (أو بختنصر) جيوش أبيه سنة 612 ق.م، , هزم فرعون مصر "نخاو" (نيكاو) بعد ذلك بسبع سنوات فقط في معركة "قرقميش"، وصارت بابل القوة الأولى في المنطقة بلا منازع..
وكانت المشكلة في هذا الزمن بالنسبة للقوى الصغيرة (مثل قوة يهودا في القدس) هي أنه لابد لها من الانضمام إلى قوة كبيرة، تعلن ولاءها لها، وتصون لها مصالحها القريبة، وقد تتعرض القوة الصغيرة لمخاطر شديدة إذا هُزمت حليفتها الكبيرة..
لقد نتج عن هزيمة المصريين أمام الكلدانيين (البابليين) أن انفردت القوة الأخيرة بالسيطرة على غرب آسيا، وكان من جولاتها الحربية أنها سيطرت على القدس بالقوة سنة 597 ق.م، وذلك أن "نبوخادنزر" بلغته وفاة أبيه وهو بالشام، فعاد إلى بلاده ليتسلَّم المُلك، ويُقِرَّ الأمور في عاصمته، فاستغل فرعون مصر "نخاو" (نيكاو) الفرصة، وقوّى جيوشه، وحرّض ملوك فلسطين وما حولها على الانتفاض ضد قوات "نبوخادنزر"، واستجاب له ملوكٌ منهم "يواقيم بن يوشيا" ملك أورشليم، فلملم "نبوخادنزر" قوته، ونظم بيت المملكة من الداخل، واقتحم على المنتفضين قصورهم، حتى دخل القدس بالقوة، وفرض الجزية على ملكها..
ثم عاد "نخاو" إلى تحريض يواقيم على الثورة من جديد، فاستجاب له أيضا، وهنا كانت نهاية مُلك يواقيم، الذي صارت طريقة هلاكه مجهولة، وإن كان سفر أخبار الأيام الثاني يقول عنه: "كان يهوياقيم ابنَ خمس وعشرين سنة حين مَلَك، وملك إحدى عشرة سنةً في أورشليم وعمل الشر في عيني الرب إلهِه. عليه صعد نبوخذناصّر ملك بابلَ وقيّده بسلاسل نحاس ليذهب به إلى بابل" (36: 5 – 6).
وقد حاول "نبوخادنزر" أن يقيم من بني إسرائيل سلطة موالية له، على الطريقة التي ألِفَتْها ممالك فلسطين وسوريا غالبا في صلتها بالآخرين، فنصّب زِدْقِيّا (تسمّيه الأسفار صدقيا) ملكا على أورشليم ويهودا، وبقي زدقيا على ولائه للغزاة الجدد أعواما، حتى حرّضه قواده، واستنجد هو بملوك مصر، وفعل مثل ذلك ملك "صُور" الفينيقية "اتبعل الثالث"..
لم يكن غريبا مع هذه التطورات أن يكون رد فعل "نبوخادنزر" عنيفا، لكنه بلغ مدى بعيدا جدا في عنفه، فزحف في جيش كبير ليُخضع الثائرين ضده، ويخرِّب أوطانهم تخريبا، وحاصر القدس، وفيها بقية ميراث داود وسليمان ( عليهما السلام ) وخاصة مسجد بيت المقدس.. وضُيِّق الخناق على المدينة المقدسة، لكن الحصار رُفع فجأة، فقد جاءت حملة مصرية معادية لـ "نبوخادنزر" وجيوشه، رفع البابليون الحصار عن القدس لمجابهتها..
ولما لم تفعل الحملة شيئا عاد الحصار وضُرب على القدس من جديد، وطال أمده، حتى نَفِدَ زاد أهلها، وانهدمت الأسوار سنة 586 ق.م، وحاول الملك اليهودي "زدقيا" أن يفعل شيئا، لكن النبي إرميا ـ كما يصوره العهد القديم ـ كان ينصح بالاستسلام، وأن لا فائدة من القتال! لذلك حاول زدقيا الفرار ببعض خاصته، لكن جنود "نبوخادنزر" أدركوهم، وكان مصيرهم كالحا..
وكان مصير المدينة البائسة أشد كلاحة، فقد دُمِّرت كلها، وأُزيل مسجدها تماما، ونُهب ما حوته من الثروة والكنوز، وصحب ذلك تشتيتُ بني إسرائيل ونفيُهم إلى بابل..
وعلى ألواحه الأثرية سجل " نبوخذ نصر" هذه الذكرى الكالحة قائلا: "بقوة نبوخذ نصّر ومردوك، زحفْتُ بجيشي نحو لبنان، فهزمْتُ الخبثاءَ الذين يقطنون الأعالي والمنخفضات، كما هزمْتُ شعبَ إسرائيل في بلاد يهوذا، وجعلتُ تحصيناتِها كومةً من الأنقاض، مما لم يسبقْ لملك أن فَعَلَه".
لقد كان هذا حصادا مُرّا لمصائب بني إسرائيل وفسادهم، كما كان علامة فشل منهم في تحمّل أمانة دعوة الناس إلى عبادة الله رب العالمين.
**************************************************