لا تصحبن الأحمق المائق الشمقمقا
هناك أرجوزة جميلة للشاعر أحمد بن علي بن حسين بن مشرف الوهيبي التميمي المولود سنة 1285 هـ وهو فقيه مالكي من أهل الإحساء له منظومات في التوحيد، ومدائح جمعت في (ديوان ابن مشرف).
البعض يقول إن الناظم الأصلي هو صدر الدين السيد علي خان المدني الشيرازي، ولكن بن مشرف أعاد نظم القصيدة لما فيها من ألفاظ تخل بالعقيدة، ولذلك ينسبها البعض لابن مشرف والله أعلم.
الأرجوزة في ديوان بن مشرف باسم (نغمة الأغاني في عشرة الإخوان)، وفيها الكثير من الفوائد فيما يتعلق بالصحبة وآدابها، والعشرة وأنواعها.الجزء الذي يهمنا في هذا المقال من القصيدة؛ هو الفصل الخاص بالتحذير من صحبة الأحمق، ويقول فيها الراجز:
لا تصحبن الأحمقا ... المائق الشمقمقا
عدو سوء عاقل ... ولا صديق جاهل
إن اصطحاب المائق ... من أعظم البوائق
ثم يواصل في وصف الأحمق، فيقول إن المعايير عنده مختلطة أو معكوسة، فتراه كما يقول الشاعر:
يستحسن القبيحا ... ويبغض النصيحا
ينبه الشاعر من اغتر بما يراه من الأحمق من كثير حركة، أو اهتمامات متشعبة، إلى أن العقلاء يدركون أن هذا الكثير ليس له قيمة حقيقية، بل أكثره لغو، وقد يتعدى إلى الضرر، وفي هذا يقول:
كثيره وجيز ... ليس له تمييز
وربما إذا نظر ... أراد نفعا فأضر
المصيبة تكبر عندما يضاف إلى الحماقة سلوك دنيء آخر كالحسد أو طلب الدنيا، والطامة إذا جمع الأحمق مع حماقته الكذب والنفاق.
الحماقة ليست بالضرورة حصر على البسطاء والفقراء، فقد يصل الأحمق في بعض الأحيان إلى مناصب رفيعة، فيكون رئيس دولة وقد تكون دولة عظيمة، أو مستشار، أو وزير، أو نائب، أو شيخ أو خطيب، ولكنه يظل أحمقا.
إذا سكت الأحمق فقد أحسن لنفسه قبل غيره، وإذا تكلم أساء للجميع:
بيانه فهاهة ... وحلمه سفاهة
ولو أمعنا النظر في خطب وبيانات الحمقى، فسنرى فعلا فهاهة البيانات وسفاهة الحملات. وأدهى من ذلك إن أراد أن يخطب، وأعظم منه إن رام التنظير أو التأصيل، فتراه يتشدق بالكلمات الكبيرة، والمعاني النبيلة، ولكن في غير مكانها، ولغير استخدامها، فيكون كلامه مضحكا، وتعبيره مفككا، يقول شاعرنا:
وربما تمطى ... فكشف المغطى
إذا كان هذا هو حال الأحمق، فكيف بحال من يعتمد عليه، أو يعتد به، فضلا عمن يتخذه قدوة وإماما! ولهذا قال أحد الحكماء "لا تطلب حاجتك إلى أحمق فانه يريد أن ينفعك فيضرك فسكوته خير من نطقه وبعده خير من قربه".
وضع أحد الأذكياء بعض المعايير لاختبار الأحمق، نستل منها بعض الصور:
* الأحمق هو من يعرف الحق والباطل والخطأ والصواب، ولكنه يصر على شن الحروب على أصحاب الحق.
* الأحمق هو الذي لا تؤهله إمكانياته لتحقيق طموحاته، ومع ذلك يصر على أنه أفضل الناس، وقد يصور له حمقه أنه قائدهم.
* الأحمق هو من يطالب الآخرين بالصراحة بالصدق والشفافية، مع أنه يعلم يقينا أنه كاذب فيما يقول.
* أخيرا الأحمق هو من يدعو الآخرين إلى الفضيلة، بينما هو يغني ما يطلبه المستمعون أو المشاهدون.
الحمق ليس له علاج، وفيها هذا يقول شاعر آخر:
لكل داء دواء يستطب به ... الا الحماقة اعيت من يداويها
ويقول شاعرنا بن مشرف بعد ذكر قصة الدب الذي قتل خليله:
وجاء في الصحيح ... نقلا عن المسيح
عالجت كل أكمه ... وأبرص مشوه
لكنني لم أطق ... قط علاج الأحمق
* مقال منشور بجريدة البلاد البحرينية، العدد (453)، الأحد 26 ربيع الآخر 1431 هـ، 11 أبريل 2010م.
قمنا بتصحيح بعض الأخطاء الإملائية التي نشر المقال بها سهوا.
القصيدة كاملة
لا تصحبن الأحمق المائق الشمقمق
عدو سوء عاقل ولا صديق جاهل
إن اصطحاب المائق من أعظم البوائق
فإنه لحمقه وخبطه في عمقه
يحب جهلا فعله وأن تكون مثله
يستحسن القبيحا و يبغض النصيحا
بيانه فهاهه و حلمه سفاهه
وربما تمطى فيكشف المغطى
لا يحفظ الأسرار ولا يخاف عارا
يعجب من غير عجب يغضب من غير غضب
كثيره وجيز ليس لة تمييز
وربما إذا نظر أراد نفعا فأضر
كفعل ذاك الدب بخله المحب
روى ألوا الأخبار عن رجل سيار
أبصر في صحراء فسيحة الأرجاء
دبا عظيما موثقا في سرحه معلقا
يعوي عواء الكلب من شدة وكرب
فأدركته الشفقه عليه حتى أطلقه
وحله من قيده لأمنه من كيده
ونام تحت الشجرة منام من قد أضجره
طول الطريق و السفر فنام من فرط الضجر
فجاء ذاك الدب عن وجهه يدب
فقال هذا الخل جفاه لا يحل
أنقذني من أسري وفك قيد عسري
فحقه أن أرصده من كل سوء قصده
فأقبلت ذبابه ترن كالربابه
فوقعت لحينه على شفار عينه
فجاش غيظ الدب وقال لا وربي
لا أدع الذبابا يذيقه عذابا
فأسرع الدبيبا لصخرة قريبه
فقلها وأقبل يسعى إليه عاجلا
حتى إذا حاذاه صك بها محذاه
ليقتل الذبابه قتلا بلا أرابه
فرض منه الرأسا وفرق الأضراسا
وأهلك الخليلا بفعله الجميلا
فهذه الروايه تنهى عن الغوايه
في طلب الصداقه عند أولي الحماقه
وجاء في الصحيح نقلا عن المسيح
عالجت كل أكمه وأبرص مشوه
ولكن لم أطق قط علاج الأحمق
منقول
**************************************************