الشماتة من أخلاق اللئيم
الشماتة بالتعيير بالذنب أعظم مِن مرتكِب الذنب،يقول ابن القيم(إن تعييرك لأخيك بذنبه أعظم إثماً من ذنبه،وأشد من معصيته،لما فيه مِن صولة الطَّاعة،وتزكية النَّفس وشكرها،والمناداة عليها بالبراءة مِن الذَّنب،وأن أخاك باء به، ولعلَّ كسرته بذنبه، وما أحدث له من الذِّلَّة والخضوع والإزراء على نفسه، والتخلص من مرض الدعوى والكبر والعجب،ووقوفه بين يدي الله ناكس الرَّأس،خاشع الطَّرف،منكسر القلب أنفع له،وخير من صولة طاعتك،وتكثُّرك بها،والاعتداد بها،والمنة على الله وخلقه بها، فما أقرب هذا العاصي مِن رحمة الله، وما أقرب هذا المدل من مقت الله،فذنب تذل به لديه أحبُّ إليه مِن طاعة تدلُّ بها عليه،وإنَّك أن
تبيت نائماً وتصبح نادماً خيرٌ مِن أن تبيت قائماً وتصبح معجباً فإنَّ المعجب لا يصعد له عمل،وإنَّك إن تضحك وأنت معترفٌ،خيرٌ مِن أن تبكي وأنت مدل، وأنين المذنبين أحب إلى الله من زجل المسبحين المدِلِّين،
ولعلَّ الله أسقاه بهذا الذَّنب دواءً استخرج به داءً قاتلاً هو فيك ولا تشعر،فلله في أهل طاعته ومعصيته أسرار لا يعلمها إلَّا هو،ولا يطالعها إلَّا أهل البصائر،فيعرفون منها بقدر ما تناله معارف البشر)
الشامت قد تنعكس المصيبة عليه،يقول إبراهيم النخعي(إنِّي لأرى الشَّيء أكرهه، فما يمنعني أن أتكلَّم فيه إلَّا مخافة أن أُبتلى بمثله)فالفرح بمصيبة العدوِّ مذموم،لكونه سبباً لانعكاس المصيبة عليه بابتلاء من شمت،وعافية من شمت عليه، أو لأنَّه ارتكاب المنهيِّ عنه، خصوصاً إذا حملها المصيبة،على كرامة نفسه، يعني،يقول الحاقد،إنَّ مصيبة عدوِّي إنَّما هي مِن كرامتي،أو على إجابة دعائه، كأن يقول،ما ابتُلِي به عدوِّي مِن هذه المصيبة، إنَّما هو بإجابة دعوتي عليه،لأنَّه حينئذ عجب وتزكية نفسٍ وغُرور،بل يجب على الحاقد أن يخاف مِن مصيبة عدوِّه أن تكون مكراً مِن الله تعالى له، واستدراجًا للحاقد، حيث ابتلى عدوه وعافاه، ويجب على الحاقد أن يحزن على احتمال كونه مكر الله تعالى،ويجب أن يدعو الله بإزالة بلائه،بأن يُخْلِفه الله تعالى خيرًا ممَّا فات مِن النِّعم بتلك المصيبة،ثمَّ إنَّ هذا الدعاء سبب لخلاص الحاقد مِن تلك المصيبة،
كما قال الله تعالى(مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا)النِّساء،والشماتة لها تأثير سلبي على الفرد والمجتمع،تربي الحقد والحسد والعداوة،وهذا أمرٌ معلوم مشهود،وتؤدي إلى قساوة القلب،
وقد قال النبي(إذا زنت أمة أحدكم فليُقم عليها الحد ولا يُثرَّب،أي، لا يعير،كقول يوسف عليه السلام لإخوته(لا تثريب عليكم اليوم)فإن الميزان بيد الله ، والحكم لله ، فالسوط الذي ضُرب به هذا العاصي بيد مقلب القلوب ، والقصد إقامة الحد لا التعيير والتثريب ،ولا يأمن كرات القدر وسطوته إلا أهل الجهل بالله ،وكان رسول الله يقول(ما من قلب إلا وهو بين إصبعين من أصابع الرحمن عز وجل إن شاء أن يقيمه أقامه وإن شاء أن يزيغه أزاغه)ثم قال(اللهم مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك)(اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك)على منهج أهل السنة والجماعة
معنى الشماته، الشماتة،من آثار الحسد،لأخيه المسلم،وإن المؤمن،لا يشمت بغيره حين يصاب بالمصائب،لأنه من حب الشر والضرر للآخرين،والسرور والفرح بما يحصل للعباد من البلاء والخيبة،وحين وقوعهم في المصائب والمشاكل التي تحل فيهم،أن تعير أخاك بالذنب أو العمل أو أى حادثة تقع له أو ما شابه ذلك لأنه من الأذى المنهى عنه،ولأن الله قد يعافيه مما هو فيه ثم تقع أنت فيه أو يحل فيك،فماذا يكون الأمر،بل سل الله العافية والسلامة واحمد الله على عافيته لك،ولا تعير أخاك،وكما فى حديث أخر فى صحته،من عير أخاه بذنب لن يموت حتى يعمله)أخرجه الترمذي،
فالأخ الحق لا يحب أن يظهر أى شماتة لأخيه لأنه يحب له الخير ولا يحب إيذاءه ،
ولا يشمت بالمصائب،ولا يدخل في الباطل،ويراعى شعوره وإحساسه ويحمد الله على عفوه له مما حلَّ فى أخيه،
قال أبو حاتم،رحمه الله،الكريم لا يكون حقوداً ولا حسوداً،ولا شامتاً،ولا باغياً،ولا فاجراً،ولا كاذباً،ولا يؤذي إخوانه،ويصل عن قطعه،وأكرم الناس من اتقى الله،
وقال بن المبارك،المؤمن يطلب المعاذير والمنافق يطلب العثرات
وقال ابن الصيفي،لا يفرح بنكبة إنسان إلا مَن لؤُم أصله،
وإن الشماتة،من أشد المؤذيات على من يشمت به،وأكبر المنغصات على من يصاب بالخيبة والبلاء،وأشد من نفس المصيبة التي تحل فيهم،
وقد جاء كثير في الدعاء،التعوذ بالله سبحانه من شماتة الأعداء بل ومن كل حساد وحاقد وطاغية وظالم،
والشماتة،هي من الحيف على من يبغضه الشامت،حين تصيبه مصيبة أحد الناس،فيفرح ويسر بها الشامت،وبالخصوص العدو لعدوه والحاسد لمن يحسده،فتظهر شدة عدائه وحسده وما تطويه نفسه من الشر لمن يشمت به،ولعله الإنسان يقول،إذا كان العدو ظالم طاغية وجائر فاسد،يحق للعبد أن يفرح ويسر بما يصاب به من المصائب والبلاء،
نعم نفرح بخذلان الله للظالمين والمفسدين والطغاة،ولكن في النفس دون إظهار بمواجهتهم حين مصابهم،وإظهار السرور أمامهم وإبداء تبكيتهم بالكلام المؤذي وتقريعهم،لأن نتيجته يشدد العداء، ويقطع رجاء الإصلاح لهم وهدايتهم،ولا يأمن كيدهم ومكرهم بالمؤمنين،لأن الشماتة تزيد حقدهم وغيظهم،وإن كانوا يستحقون المصائب،وكل بليه لطغيانهم وجورهم،
فإن المنهي عنه،هو مطلق إظهار الشماتة،سواء لمستحق المصائب عدو أو صديق،وإبدائها والتبجح أمام المصاب بكلام يؤذيه،
وإما إبداء الشماتة للصديق،وظهور الفرح لمصائب المؤمن فهي محرمة قطعاً،بل يجب تسليته وعونه والأخذ بيده لتخليصه من مصيبته،
من وصايا لقمان الحكيم لأبنه،يا بني،لا تشمت بالمصاب،ولا تعير المبتلى،ولا تمنع المعروف،فإنه،ذخيرة لك في الدنيا والآخرة،
اللهم لا تشمت بي عدوًا ولا حاسداً،لا بمصيبة في ديني ولا في دنياي.
**************************************************