الشــــــــــوكـــــــــــــولا
قد لا يخطر لأحدنا وهو يتناول الشوكولا أو يطلب كأس من الكاكاو الساخن كم كلف وصول الشوكولا إليه، عبر التاريخ من متاعب ومخاطر ومغامرات بل كم أزهقت أرواح مغامرة في سبيل ذلك.
الشوكولا كالبطاطا والذرة، جاءتنا من العالم الجديد وقد حملها إلينا الإسبانيون كما حملوا إلينا التبغ فضلا عن البطاطا والذرة والكثير من أصناف النباتات و البقول التي لم تكن معروفة عندنا.
وإذا كان الإسبان قد اكتشفوا الشوكولا عام 1519 وإذا كان نقلها إلى أوربا يعود إلى عام 1524 فان تاريخها في أمريكا قديم ممعن في القدم وقد كان ملعبا فسيحا للخرافات والأساطير.. ومهما يكن من أمر، فمن الأكيد أن شعب الازتك سكان المكسيك الأصليون عرفوا الشوكولا قبل الإسبان واستهلكوها شرابا يؤخذ من الفاكهة الطرية.
تبدأ قصة الشوكولا عندما شرع الإسبان بفتح بلاد المكسيك إمبراطورية الازتك بقيادة هرناندو كورتز. فقد استغرب الفاتحون عادات وتقاليد يمارسها سكان هذه الإمبراطورية، منها أنهم كانوا يقدمون إلى آلهتهم ألواحا غريبة سمراء اللون ليأكلها الكهنة في المعابد. واكتشف الإسبان أن الشراب ومساحيق التجميل مستمدة من نبتة معينة تدعى شجرة الكاكاو يزعمون أنها ذات ميزات جمة.
لم يستسغ الإسبان الكاكاو أول عهدهم به والسر في ذلك أن الشراب المستخرج منها لم يكن محلى بالسكر بل معطرا بالتوابل القوية.
ولم يلبث أسياد البلاد الجدد أن اكتشفوا وسيلة جديدة وهي مزج الشراب بالسكر الذي توفر بعد إدخال قصبه إلى جزر الكناري ثم بإضافة لبن الذرة إليها وبذلك أصبح شرابا يرضي الأذواق.
وعام 1524 ازداد تصدير الكاكاو إلى اسبانيا ولم تطل سنة 1580 حتى كان أول مصنع لإعداد الشوكولا فد افتتح في شبه الجزيرة الأيبيرية إلا أنها لاقت معارضة قوية التي رافقت وصولها تقوية الجسم وتحميه من ضروب التعب المعروفة
وكانت الشوكولا أول الأمر تنقل من أمريكا بشكل عجين إلا أن تعذر الاحتفاظ بالعجينة أكثر من شهرين كان يجعل أمر نقلها عسيرا ومن هنا نبتت فكرة استيراد الكاكاو ثم صنع الشوكولا منه محليا.
حرص الإسبان على سر اكتشافهم الجديد حرصا شديدا حتى انه حدث في أثناء الحرب الاسبانية الهولندية أن أسر البحارة الهولنديون مركبا اسبانيا محملا بالكاكاو فما كان منهم إلا أن ألقوا بها إلى الماء باحتقار، إلا أن سرا كهذا لا يمكن المحافظة عليه طويلا فقد بدأت بلدان كثيرة تستورد الكاكاو وتستهلك الشوكولا المصنوعة منها. فلقد نقلها إلى ايطاليا رجل فلورنسي يدعى كارليتي عام 1606 وكان قد أقام مدة طويلة في الهند الشرقية وهو الذي أدخل صناعة الشوكولا إلى بلاده أيضا. أما فرنسا فقد دخلتها عام 1610 في أعقاب زواج الملك لويس الثالث عشر بالأميرة حنة النمساوية ابنة فيليب الثالث ملك اسبانيا، وكانت الملكة الجديدة من المدمنات على تناول الشوكولا، فانتقلت العدوى إلى أهل البلاط فكان من اشد المتحمسين لها الكاردينال دي ريشيلو، ونينون دي لا نكلو الخسناء التي عودت فولتير عليها بعد أن تذوقها في بيتها لأول مرة، ثم أصبح واحدا من أعظم دعاتها واكبر مستهلكيها. في بريطانيا لم تصبح الشوكولا معروفة إلا عام 1675، تبناها المتحذلقون في ذلك العصر ثم شاعت في أواسط القرن الثامن عشر، فتأسست في لندن محلات كثيرة لشرب هدا الشراب المحبب، منها نادي هوايتس في هايماركست، ولكن أشهرها كان نادي شجرة الكاكاو الذي أسس عام 1746 ولم يلبث أن أصبح أشهر محل من نوعه في العالم.
وبينما الإسبان والفرنسيون لا يشربون الشوكولا إلا بالماء، كان الانجليز يضيفون إليها اللبن "الحليب" والبيض وخمر المادير, وفي ألمانيا قام بنشر الشوكولا الدكتور بونتكو الطبيب الخاص لغليوم بونتكو، ودلك بفضل طريقته العلاجية المرتكزة إلى القهوة والشاي والكاكاو، إلا أن فريدريك الكبير، رأى أن يفرض على الشوكولا ضريبة ثقيلة حدت من انتشارها بسرعة.
ومع شيوع استهلاك الشوكولا شرابا سائغا وغداءا نافعا، كان لابد من تطوير صناعتها التي ظلت بدائية حتى عام 1732، وشيئا فشيئا، ومع تقدم العلم في الميادين الصناعية كافة، ارتقت صناعة الشوكولا حتى أصبحت ما نعهده اليوم من إسهامها في الحياة اليومية للناس أجمعين، لما لها من قيمة غذائية عالية ومذاق لذيذ سائغ.
أن ثمرة الكاكاو كبيرة ومخططة باللون الأصفر وهي تشبه الخيار ولها بذور كبيرة تشبه اللوز. هذه البذور هي التي تسحق وتصنع منها مادة الكاكاو التي تحتوي على مادة قلوية تدعى التؤبرومين، تشبه في جوهرها مادة الكافيين الموجودة بالقهوة، والتؤبرومين يعتبر من الأدوية المدرة للبول لتنشيط خلايا الكلية، وتأثيره المنبه على الجملة العصبية اقل من تأثير الكافيين. الشوكولا مادة منبهة محرضة للشهية لذلك ينصح بها للأطفال الذين يشكون النحول وفقدان الشهية.
وتمنع الشوكولا عن المصابين بقرحات معدية لتخريشها الغشاء المخاطي ولتسببها في زيادة حموضة المعدة وتمنع عن المصابين بالحساسية كيلا يظهر الطفح البشرى والحكة على جلودهم.