العامل بعد لولاعند الكوفيين والبصريين
القول في العامل في الاسم المرفوع بعد (لولا)
الكوفيون يقولون : (لولا): ترفع الاسم بعدها , نحو : لولا زيدٌ لأكرمتك.
البصريون يقولون : الاسم المرفوع بعدها يرتفع بالابتداء.
يحتج الكوفيون على ذلك بقولهم :
1-(لولا) نائبة عن الفعل الذي لو ظهر لرُفع الاسم.
تقدير الكلام في قولنا: لولا زيدٌ لأكرمته, هو : أو لم يمنعني زيدٌ من إكرامك لأكرمتك.
تمّ حذف الفعل تخفيفاً, وزادوا(لا) على (لو) فصارا بمنزلة حرف واحد.
* هذا الحذف والتعويض شبيه بقول العرب: أمّا أنت منطلقاً انطلقت.
والتقدير :أن كنت منطلقاً انطلقت معك , وقال الشاعر:
أبا خراشة أمّا أنت ذا نفر*** فإنّ قومي لم تأكلهم الضبُعُ
والتقدير: أن كنت ذا نفر.
حُذِفَ الفعل (كان) وعوّض عنه بـ (ما) : أن, ما, تَ ذان نفر.
و قُلِبَ الضمير المتصل( التاء المتحركة) إلى ضمير منفصل (أنت).
وأدغمت (ما) مع (أنْ) فأصبح (أمّا).
*والتعويض عن الفعل بـ (ما) شبيه بالتعويض من ياء النسبة بالألف في قولنا (يماني) ,فالأصل أن نقول (يمنيٌّ ) ,فحذفوا إحدى الياءين , وعوضوا منها ألفاً بعد الميم .
والذي يدل على أنها عوض من الفعل انه لايجوز ذكر الفعل معها, لئلا يُجمع بين العوض والمعوض.
2- الذي يدل على أن الاسم يرتفع بها دون الابتداء, أنّ (أنّ) إذا وقعت بعدها كانت مفتوحة , كقولك : لولا أنّ زيداً ذاهبٌ لأكرمتك, ولو كانت في موضع الابتداء, لوجب كونها مكسورة, فلمّا وجب الفتح دلّ على صحة ما ذهبنا إليه.
ويحتج البصريون بقولهم :
1 الاسم بعدها يرتفع بالابتداء, لأنّ (لولا) حرف غير مخص, والحرف لا يعمل إلا إذا كان مختصاً ,و( لولا) تدخل على الاسم وتدخل على الفعل, كقول الشاعر:
لادرَّ درُّك إنّي قد رَمَيْتُهُمُ *** لولا حُدِدْتَ ولا عُذْري لِمحَدْودِ
فقال(لولا حُدِدْتَ) فدخلت على الفعل, فدلّ على أنها لا تختص, فوجب ألّا تكون عاملة وجب أن يكون الاسم بعدها مرفوعاً بالابتداء.
2- إن ما قدّره الكوفيون في الكلام: لو لم يمنعني زيد لأكرمتك , أنه لو كان كذلك لكان ينبغي أن يعطف عليها بـ (ولا) , لأن النفي يعطف عليه بــ(ولا) , كقوله تعالى:
((وما يستوي الأعمى والبصير ولا الظلمات ولا النور))
فلما لم يجز أن يقال: لولا أخوك ولا أبوك , دلّ على فساد ما ذهبوا إليه .
الحكم ...
1-الصحيح ما ذهب إليه الكوفيون.
2- أما الجواب عن كلمات البصريين .
**قولهم :" إن الحرف يعمل إذا كان مختصا , و(لولا) غير مختص".
قلنا : لا نسلّم أنّ (لولا) غير مختص.
** قولهم :" إنه يدخل على الفعل كما قال الشاعر: لولا حُدِدت"
قلنا (لو) التي في البيت ليست مركبة مع (لا) كما هي مركبة مع (لا) في قولك: لولا زيد لأكرمتك , وإنما (لو) حرف باقٍ على أصله من الدلالة على امتناع الشيء لامتناع غيره, و(لا) معها بمنزلة(لم) ,لأن (لا) مع الماضي بمنزلة (لم) مع المستقبل.
فقوله (لولا حُددت,بتقدير : لو لم أُحدّ,فدلّ على أن (لولا) هي ليست (لولا) التي وقع فيها الخلاف,فدلّ على أنها مختصة بالأسماء دون الأفعال , فوجب أنّ تكون عاملة.
** قولهم :" لو كانت (لولا) هي العاملة على تقدير : لو لم يمنعني زيد , لكان فيها معنى الجحد , وكان ينبغي أن يعطف عليها بـ(ولا) ، لأن النفي يعطف عليه بــ(ولا) ".
قلنا :إنما لم يجز ذلك لأنّ (لولا) مركبة من (لو+لا) فلما رُكبتا خرجت (لو) من حدها , وخرجت (لا) من الجحد , إذ ركبتا فصيرتا حرفاً واحداً, فإنّ الحروف لإذا ركب بعضها مع بعض تغير حكمها الأول, وحدث لها بالتركيب حكم آخر , كما قلنا في (لولا) بمعنى التحضيض, فلهذا لم يجز العطف عليها بـ(ولا)
**************************************************