علم الدولة : رقم العضوية : 6 الجنس : تاريخ التسجيل : 01/07/2009عدد المساهمات : 2653نقاط : 4189الجنسية : عراقيةالمزاج : لا يمكنك قتل احلامي ..لكن احلامي يمكنها ان تقتلكالاوسمة :
موضوع: قصتي مع الرجل والعميان السبعة السبت 19 سبتمبر - 21:31
قصتي مع الرجل والعميان السبعة
د. جاسم المطوع
دخل عليّ رجل يشتكي من سرقة سيارته، وعلمت بعد ذلك أن لديه سبعة أطفال عميان لا يبصرون ، وهذه القصة التي سأرويها لكم ما زلت أتذكرها على الرغم من مرور أكثر من عشرين عاما عليها .
عندما كنت وكيلا للنيابة العامة في بداية عملي في سلك القضاء ، دخل مكتبي رجل كبير السن وعلامات الحزن ظاهرة عليه ، وهو يروي لي حادثة سرقة ماله وسيارته . قال: إني عملت خلال السنتين الماضيتين لجمع ألفي دينار لعلاج عيون اثنين من أبنائي ، وقد سمعت عن طبيب جيد خططت أن أسافر له اليوم لإجراء العملية الجراحية بهذا المبلغ ، وقد تركت المبلغ الذي جمعته لهما في السيارة ، إلا أنها سرقت في صباح هذا اليوم فضاع كل جهدي وتعبي . وكنت أستمع له بإنصات ، وأنا أقول في نفسي "سبحان الله ما هذا الابتلاء العائلي" ، فأحببت أن أخفف عنه مصابه فقلت له مسليا : لو كشف الله لك غطاء الغيب ما اخترت إلا الواقع . فشعرت من قسمات وجهه أنه لم يعجبه كلامي ، ولكني مارست عملي ، ثم ودعته ، وانتهى الأمر.
وبعد أسبوع من الحادثة اتصل بي رجال المباحث وأبلغوني أنهم وجدوا السيارة المسروقة في الصحراء وليس فيها وقود ، فقالوا ربما سرقها صبيان صغار للتسلية بها ، ولما انتهى الوقود تركوها بالصحراء. فقلت لهم المهم افتحوا درج السيارة وابحثوا لي عن المبلغ الذي تركه ، فأخبروني أنهم وجدوا ألفي دينار. ففرحت كثيرا بهذا الخبر وطلبت منهم أن يحضروا السيارة والمبلغ ، ودعوت الرجل صاحب الشكوى وأنا سعيد ، لأني سأسعده بالخبر وأساعده على استكمال عملية ابنيه ليبصرا من العمى . فلما دخل علي استقبلته بقولي: يا عم عندي لك مفاجأة وبشارة. فرد عليّ بنفس الأسلوب والطريقة ، وقال: وأنا عندي لك مفاجأة وبشارة.
فتوقفت قليلا وقلت في نفسي لعل رجال المباحث أبلغوه بالخبر ، ولكني أوصيتهم ألا يخبروه ، فقلت له وأنا على يقين أنه لا يعرف أننا وجدنا السيارة والمبلغ أخبرني ما هي مفاجأتك؟ فقال: أنت أخبرني أولا ما هي بشارتك؟ فقلت: أبشرك أننا وجدنا السيارة سليمة ، وكذلك وجدنا فيها الألفي دينار في المكان الذي وصفته لنا فلم يذهب تعبك سدى. وكنت أقول الخبر وأنا مبتسم وفرحان وأراقب ردة فعله ، فكان يستمع للخبر وكأنه أمر عادي ولم يتأثر به كثيرا ، فقلت في نفسي (الله يستر) ربما حدث شيء لأطفاله ، ثم تمالكت نفسي وقلت له : والآن جاء دورك فأخبرني ما هي بشارتك؟ فقال لي: هل تذكر ما هي الكلمة التي قلتها لي؟ قلت: نعم. فقال: رددها مرة أخرى. فقلت : (لو كشف لك غطاء الغيب ما اخترت إلا الواقع). فقال: ماذا تعني؟ قلت: إن الله تعالى يقدر الابتلاء للإنسان بما فيه مصلحته ، ولكن الإنسان أحيانا يعترض على القضاء ولا يعلم أن ما قدره الله تعالى فيه خير له ، فلو قدر الله لك أمرا تكرهه ثم كشف لك الغيب ، وقال لك يا عبدي اختر أنت أي قضاء تريده أن أقضيه عليك ، فإذا اطلعت على جميع الاحتمالات فإنك ستختار ما اختاره الله لك من قضاء وقدر ، وهذا معنى (ما اخترت إلا الواقع). فابتسم وقال: نعم كلامك صحيح مائة بالمائة ونعم بالله ، فالله لا يختار لعبده إلا الخير. فقلت له: وما هي بشارتك؟ فقال: أبشرك أن الطفلين اللذين جمعت من أجلهما المال قد صارا بعد يومين من حادثة السرقة يبصران كما لو لم يكن بهما شيء ، فقد أبصرا وكأننا عملنا لهما العملية. فقلت له: سبحان الله فانظر إلى الحكمة من قدر الله ولطفه لك ، فقد أخذ الله منك سيارتك ومالك الذي جمعته من أجل علاجهما ، ثم رد على طفليك بصرهما وبعدها رد عليك سيارتك ومالك ، أي نعمة أعظم من هذه! فقال: الحمد لله ، ولكن الإنسان عجول ودائما معترض على قدر الله. فقلت له: نعم