أساليب تربوية في التعامل مع الطفل
كثيراً ما يسأل الناس عن أساليب التعامل الصحيح مع الطفل, فتوجد هناك طرق ووسائل كثيرة كفيلة بمساعدة الاسرة على التعامل الأنسب مع الأطفال ومن هذه الوسائل:
أولاً/ الملاحظة:
ويعتمد هذا الاسلوب على مراقبة الطفل من ناحية تصرفاته وسلوكياته وحتى أقواله والأمور التي يتلفظ بها فإنها تدل على ما يفكر به وما يجذب إنتباهه ويؤثر في شخصيته, وعادةً ما يتصرف الآباء بلا أبالية إزاء السلوكيات السلبية من جانب أبنائهم, وربما لايتعدى إهتمامهم بهذه المسألة أكثر من توجيه الملامة والتوبيخ للطفل, بينما يمكن أن يهيء ذلك الآباء لدراسة الحالة وملاحقة جذورها, لكي تتم مواجهتها في الوقت الصحيح والمناسب, فلو سمع الأب كلاماً نابياً من إبنه يجب أن لايكتفي بتوجيه اللوم إليه, بل يجب أن يسأله بمن إلتقى في هذا اليوم وممن تعلم هذا الكلام السيء!
إن مراقبة هذه الأمور تساعد الآباء على التشخيص الصحيح بما يرتبط بخلفيات سلوكيات أبنائهم, وإتخاذ القرار الصائب فيما يرتبط بذلك, فإن تطلب الأمر الإكتفاء بتوجيه النصيحة والإرشاد للأبن أُكتفي بذلك, وإلا فأن على الأب أن يتخذ إجراءات رادعة, مثل منع إبنه من الإتصال بالأطفال الذين لم يحظوا بفرصة التربية السليمة.
ولابد أن نفرق بين المراقبة وبين التجسس وبعثرة أغراض الأولاد والبحث فيها عن أشياء ممنوعة, وخاصة بالنسبة للفتيان اليافعين والمراهقين الذين يشعرون بقيمة حياتهم الخاصة, ينبغي أن لايشعروا بأنهم ملاحقون من قبل آبائهم, ويجب أن لايلمسوا يوماً أن آباءهم يتجسسان عليهم, لأن ذلك سيفقدهم ثقتهم بآبائهم.
فالتجسس الذي يعني التفتيش في كل شيء من أمور الأبناء يختلف عن مراقبة تصرفاتهم وسلوكياتهم من خلال الملاحظة, فالأول مرفوض حتى في الشرع الإسلامي, أما الاسلوب الآخر الذي يعني متابعة سلوكيات الأبناء فهو الذي يبين للإنسان مقدار حاجة الأبناء للتوجيه وإلى نوعية التوجيه الذي هم بحاجة إليه.
إن الفتى الذي سيعرف أن ابويه يتجسسون عليه, سينتابه شعور بالنقص وأنه شخص غير موثوق به, وقد يلجأ إلى إخفاء كثير من الأشياء عند أصدقائه أو معارفه, الطريقة المثالية ليس أن تجعل من نفسك رقيباً على إبنك, بل أن تجعله يكون رقيباً على نفسه, ومسؤولاً عن تصرفاته بعيداً عن رقابة الآخرين.
ثانياً/ التعويد
إن تعويد الطفل على فعل الخير والتصرف اللائق, سيرسخ في ذهنه كل ذلك, حيث تنمو معه هذه السلوكيات مع نمو جسده وبلوغه مبلغ الرجال, صحيح أن فترة المراهقة ستحدث لديه إنقلاباً نفسياً وفكرياً, إلا إن الأشياء التي تعودّ عليها في فترة طفولته ربما لاتمحى أبداً من ذاكرته, فهوحتى وإن تخلى عنها في فترة المراهقة لكنه سيعود إليها فيما بعد, فالذين يشكون من عدم إلتزام أبنائهم المراهقين بالصلاة أو بغيرها, فذلك لأنهم لم يبدأو بتعليمهم من فترة مبكرة, فالطفل الذي يتعلم منذ سنينه الأولى آداب وأفعال الصلاة كالقيام والقعود والركوع والسجود من دون القراءة يسهل عليه تعلم بقية افعال الصلاة, ولايجد صعوبة عند الكبر في التعلم.
فكما أن الخير عادة فالشر أيضاً عادة, ومن هذا المنطلق يجب أن ينتبه الآباء إلى سلوكيات وتصرفات أبنائهم بأن لايتعودوا على الأمور السيئة, وعادة ما يكون الآباء هم المسؤولين عن العادات السيئة التي يتعلمها الأبناء, فالطفل مثلاً وفي فترة تعلمه للنطق قد ترد على لسانه كلمات بذيئة وبدلاً من أن ينهى الأبوان الإبن عن التلفظ بهذه الكلمة نجدهم يضحكون ويبتسمون لأنها تأتي على لسان طفل غير مميز وهم بهذا الفعل يشجعونه على الاستمرار بمنطقه واسلوبه على اعتبار أنه يلقى التشجيع من أبويه, صحيح أن الطفل لايستطيع هو أن يميز كثيراً بين ما هو حسن وقبيح ولكنه يتعلم ذلك من أبويه, وهو أيضاً بين ما هو صحيح وخطأ من خلال ما يلاقيه من تشجيع أو إعراض من جانب أبويه.
ثالثاً/ الإشارة
تلعب الإشارة دور مهم في التأثير على سلوكية الطفل, فإذا إرتكب عملاً خاطئاً أمام الضيوف فليس من المناسب معاقبته أمام الغرباء أو تسقيط شخصيته أمامهم, من خلال وصفه بأوصاف بذيئة, فلابد هنا من إستخدام لغة أخرى في ذات الوقت الذي تكون لها تأثير على الطفل هي في نفس الوقت تحترم شخصيته, وهذه اللغة هي لغة الإشارة, حيث يطلب من خلال الإشارة أن يترك العمل الذي يقوم به, أو توجيهه للقيام بأعمال أخرى, أو الذهاب إلى مكان آخر.
وبشكل عام فأن منطق الإشارة في الكلام هو أيضاً مناسب للتربية, فيستعاض بدلاً عن الأسلوب المباشر في توجيه الطفل إلى الإستفادة من الإسلوب غير المباشر الذي يتضمن الحديث عن القصص والحكايات والامثلة التي يكون أبطالها أطفالاً ويتصرفون بشكل لائق ومناسب.
رابعاً/ خلق القدوة
بشكل عام يحتاج الإنسان إلى المثل والقدوة لكي يعرف الطريق الذي يجب أن يسلكه, وهناك الكثير من الروايات والأحاديث وكذا قصص السيرة عن الأنبياء وأهل البيت عليهم أفضل الصلاة والسلام وهي تحمل معاني الإيمان والأخلاق الفاضلة, ففي كل قصة وفي كل رواية تنقل عن هؤلاء العظام هناك عبرة للبشرية كي تتعلم دروس المجد والحياة منها.
من هنا فانه من الضروري أن تحوي بيوت المؤمنين الكتب والمجلات الإسلامية التي تتحدث عن حياة اولئك الكبار, لأن الله سبحانه وتعالى بعثهم حتى يكونوا قدوات لنا, وكيف يكونون قدوات إذا لم نقرأ عن حياتهم وعن سلوكياتهم وعن منهجهم في الحياة؟ وان تصرف الابوين وتعاملهم فيما بينهم او بين الآخرين وخصوصاً أمام ابنائهم يجب ان يكون باخلاق عالية حتى يكونوا قدوة يحتذى بها الاطفال.
خامساً/ الترغيب والترهيب
وهي من الأساليب المهمة لتنمية السلوك وتهذيب الأخلاق وتغريز القيم الإجتماعية فالترغيب مثلاً يخلق الحافز لدى الطفل على فعل الشيء ويشوقه على القيام به, ولابد أن يعرف الأبوان ما يرغب إليه إبنهما حتى يستغلاه بوصفه حافزاً مهماً للقيام بالأمر أو التعود على شيء, وهنا من الضروري أن ينتبه الأب إلى قضية مهمة وهي: أن يستخدم الهدية التي يشتريها لأبنه وسيلة لتغيير سلوكياته, فلو كان الطفل معتاداً على القيام بفعل سيء فأنت تشجعه على الإقلاع عن ذلك الفعل من خلال اهدائه شيئاً يحبه فتقول له مثلاً (إذا تركت العمل الفلاني فأنا سأشتري لك اللعبة التي تحبها).
والترغيب نوعان: معنوي ومادي, فأما بالنسبة إلى الترغيب المعنوي ففيه درجات ومنه: إبتسامة الرضا والقبول, التقبيل, الضم, الثناء, وكافة الأعمال الأخرى التي تبهج الطفل هي بمثابة ترغيب له, ويرى علماء التربية تقديم الإثابة المعنويه على المادية, وذلك كما يقولون من أجل الإرتقاء بالطفل عن حب المادة, وبعضهم يرى أن تكون الإثابة من جنس العمل, فإن كان العمل مادياً كوفئ بشكل مادي والعكس بالعكس، وأما الترغيب المادي فهو مكافأة العمل الجيد الذي يقوم به الطفل ومما يقال للمكافأة على حسن الخلق مثلاً (أحسن خلقك لأجل أن يحبك والدك وأمك, ثم يقال ليحبك الله ويرضى عنك, وهذا التدرج يناسب عقلية الطفل), ومن الضروري ألا تتحول المكافأة إلى شرط للعمل, وأن لايثاب الطفل على عمل واجب كأكله وطعامه أو ترتيبه غرفته, بل تقتصر المكافأة على السلوك الجديد الصحيح, وأن تكون دون وعد مسبق, لأن الوعد المسبق إذا كثر أصبح شرطاً للقيام بالعمل والترهيب هو معاقبته الطفل على سلوكه الخاطئ وبأسلوب تربوي وبشكل عام يحتاج المربي إلى الترهيب, وأن الطفل الذي يتسامح معه والداه يستمر في إزعاجهما, والعقاب يصحح السلوك والأخلاق, والترهيب له درجات تبدأ بتقطيب الوجه ونظرة الغضب وتمتد إلى المقاطعة والهجر والحرمان من الجماعة أو الحرمان المادي.
والخطأ الذي يرتكبه الطفل أول مرة لايعاقب عليه وإنما يتم تعليمه وتوجيهه, بخطأ ذلك, ويجب إيقاع العقوبة مباشرة وبعد الخطأ مباشرة مع بيان سبب ذلك وتفهيم الطفل خطأ سلوكه, لأنه ربما ينسى ما فعل إذا تأخرت العقوبة, وإذا كان خطأ الطفل ظاهراً أمام إخوانه وبقية أفراد الأسرة تكون معاقبته عند ذلك أمامهم حتى يحقق وظيفة تربوية للأسرة كلها.
**************************************************