ما المقصود بالشاهد النحويّ
يكثر في كتب النحو ذكر الشواهد النحوية، وتدور في هذه الكتب كلمات: موضع الشاهد ووجه الاستشهاد والتمثيل ووجه التمثيل فمامعنى ذلك؟
الشاهد: هو الكلام الفصيح الذي يصح أن يكون حجة في بناء القواعد العربية، ومجموع الشواهد هو التراث العربي الضخم الغني الذي استقرأه العلماء واستنبطوا منه قواعد لغتنا، وطرائق أجدادنا في ترتيب كلامهم ونظام جملتهم، ومسالكهم في التعبير عن أفكارهم.
وقد أخذ العلماء أنفسهم بالحزم الشديد في قبول الكلام الذي اتخذوه حجة في صياغة القواعد، فتتبعوا ينابيعه الصافية وتحروا مواضعه النقية، وتوقفوا في قبوله لأدنى شك أو ريبة، وجعلوا مصادرهم فيه:
1- القرآن الكريم كتاب العربية الأول.
2- الشعر العربي القديم الذي كان يتناقله الرواة ويحفظه عنهم الناس.
3- أقوال الفصحاء من العرب الأقحاح الذين صحت فيهم السليقة واستقامت لهم اللغة، وبعدوا عن اللحن وفساد الألسنة. ولم يأخذ العلماء بكلام أحد من سكان المدن تأخرت وفاته عن عام 150 هجرية وزادوها في البادية قرنا من الزمان كاملا. وقد كان الرواة وعلماء اللغة يقصدون إلى الاعراب يسمعون منهم ويسجلون عنهم ويجعلون ذلك مادة تآليفهم وآرائهم.
4- الحديث النبوي: وكان النحاة فيه مذاهب، منهم من لم ير الاستشهاد به لكثرة المجترئين عليه والكذابين الوضاعين على لسان الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم)، ومنهم من توسع في الأخذ به، ومنهم من رأى أن الدقة البالغة التي اتسم بها منهج المحدثين والقواعد الصادقة في ضبط الحديث النبوي: متنه وسنده والبحث المتأني العميق في رجاله والكتب التي ضبطت الصحيح منه والحسن والضعيف والموضوع، كل ذلك جعل الاستشهاد بما صح منه أو حسن سليما مأمونا، لأن ماصح من حديث رسول الله يأتي في فصاحته وعلو منزلته في الدرجة الثانية بعد القرآن الكريم.
ومجموع ما استقاه العلماء من هذه الموارد الأربعة هو ما يسمى اصطلاحا بالشواهد النحوية.
أما موضع الشاهد ووجه الاستشهاد فنعرض معناهما عرضا عمليا نستخلص منه التعريف العلمي لهما.
يقول الشاعر:
أقاطن قوم سلمى أم نووا ظعنا
........................إن يظعنوا فعجيب عيش من قطنا
موضع الشاهد: أقاطن قوم سلمى
وجه الاستشهاد: جاء الشاعر بالمبتدأ(قاطن) وصفا معتمدا على استفهام(الهمزة) وجاء بهده بفاعل(قوم) سد مسد الخبر.
ويقول آخر:
أنفسا تطيب بنيل المنى
...................وداعي المنون ينادي جهارا
موضع الشاهد: أنفسا تطيب.
وجه الاستشهاد: قدم الشاعر التمييز(نفسا) على العامل فيه(تطيب) وجاز ذلك لأن العامل فعل متصرف، ولايجوز تقديم التمييز في غير ذلك، والأصل: أتطيب نفسا بنيل المنى.
فموضع الشاهد إذن هو الذي يمثل قاعدة ما، ووجه الاستشهاد هو الاشارة إلى هذه القاعدة وبيان صلتها بهذا الموضع.
فإن مثل العالم لقاعدته بكلام لاينضوي تحت واحد مما سبق فهو مثال لاشاهد ولو أجمع النقاد والعلماء على فصاحة صاحبه كالتمثيل بأبيات لكبار المتأخرين كأبي تمام أو البحتري أو المعري أو غيرهم ممن يضارعهم فالنحاة مثلا يسوقون بيت المعري:
يذيب الرعب منه كل عضب
........................فلولا الغمد يمسكه لسالا.
ويقولون: وجه التمثيل فيه ( ولايقولون وجه الاستشهاد لكونه توفي عام 449 هجرية) أنه صرح بخبر المبتدأ الغمد وهو جملة(يمسكه) والمبتدأ بعد لولا وذلك لأن الخبر كون خاص وليس كونا عاما.
المصدر: محاضرة للأستاذ عاصم البيطار ألقيت في جامعة دمشق عام 1980.
**************************************************