تاريخ بغداد : ماذا تعرف عن شارع الرشيد
ولمعرفة مافي شارع الرشيد في العشرينيات نبدأ جولتنا فيه من باب المعظم الى الباب الشرقي
قبل الدخول في الموضوع نشير الى ان خليل باشا حاكم بغداد وقائد الجيش العثماني حين قام بتوسيع وتعديل الطريق العام ، الممتد من الباب الشرقي الى باب المعظم وجعله شارعا باسم ( خليل باشا جاده سي ) ، لم يستحضر خارطة بغداد والمهندسين ويأمرهم بفتح شارع على وفق الهندسة والاستقامة ، ولكن القناصل الاجانب الذين كانوا ساكنين في الباب الشرقي على نهر دجلة ، وكبار القوم من محلة باب الشيخ ، كانوا يترددون على السرايا بالعربات على هذا الطريق ،لذلك فان خليل باشا ، انما قام بتوسيع الطريق وتعديل استقامته على قدر المستطاع وذلك لاسباب حربية وتسهيل حركة الجيش العثماني وعرباته فتم العمل في هذه الجادة بصورة مستعجلة ارتجالية ، لانه كان يصطدم بمعارضة العلماء ورجال الدين عند ظهور عقبة تعلق ببروز احد الجوامع على الطريق كما يصطدم باملاك المتنفذين والاجانب المشمولين بالحماية على وفق الامتيازات الاجنبية . ولقلة المال المتوفر للاستملاك لذلك وجب حصول الانحناءات في الشارع تبعا لهذه العراقيل وبدأ ب تهديم املاك الفقراء والغائبين . ومن لا وراث لهم واصبح الطريق ممهدا واسعا تسلك فيه وسائط
النقل بسهولة وسمي (خليل باشا جاده سي) وكانت اللوحة المعدنية المؤشرة على ذلك معلقة على جدار جامع السيد سلطان علي الى مابعد الخمسينيات من هذا القرن ، وسمي هذا الطريق عند اهل بغداد باسم ( الجادة العمومية ) ثم سمي (الشارع العام ) واخي! را عندما اجتمعت لجنة تسمية الشوارع والمحلات في بغداد .اطلق عليه اسم ( شارع الرشيد ) وبقيت الانحناءات والنتوءات في الشارع على حالها . الا في حالة نقل رفات امام طه ( تمثال الرصافي ) ليلا وبصورة
سرية الى سلمان باك ، حين كان ارشد العمري اميناً للعاصمة وكذلك حين تهديم الحائط المائل من جامع مرجان بمواجهة البنك المركزي والبارز في داخل الشارع بحجة انه مائل الى الانهدام وارجع الى الخلف بضعة امتار وبهذا توسع نوعا ما ولمعرفة مافي شارع الرشيد في العشرينيات نبدأ جولتنا فيه من باب المعظم الى الباب الشرقي ونبدأ من الطاقة الكبيرة المرتفع الى اكثر من عشرة امتار وفيه الباب الحديدي الكبير لمدخل بغداد من هذه الجهة ، وعلى جانبيه بابان صغيران تحت الطاق المقوس لمرور السابلة وفي خارج هذا الباب الصغيرة يجلس ( دزدبانية ) الضرائب ويقع جامع الازبكية في اول الطريق العام ثم جدار القلعة وبابها المفتوح دائما ( وزارة الدفاع ) وبالمناسبة فانه قد سمي جامع الازبكية بمنارته القصيرة لان افراد شعب الاوزبكستان يتجمعون فيه مع دواليبهم حيث كانوا يمتهنون حد السكاكين وفي بغداد يسمونهم (
الجراخين ) وكانوا قد جاءوا مع الجيش العثماني عند فتح بغداد . وكانت ساحة القلعة ملعبا لكرة القدم وعلى جهة النهر السجن القديم والذي يسمى سجن القلعة ومحله الان هو وزارة الدفاع ( المقر ) كما كانت ساحة القلعة الواسعة محل استعراض كشافة المدارس الابتدائية وحدث في هذه الساحة وبحضور الملك فيصل الاول والوزراء ان دخلت جاموسة هائجة من باب القلعة فيالميدان واثارت الفوضى والاضطراب الى ان تمكنت الشرطة من قتل الجاموسة وحكم على صاحبها بالسجن . لانه لم يتخذ الاحتياط اللازم وكانت العادة ان تربط في ساق الجاموسة الامامية المشتبه بها عصا كبيرة تعوقها عن الحركة الزائدة او الركض ثم تاتي مدرسة المأمون بعد سلسلة من المقاهي الشتوية والصيفية في السطوح وقد سجل الملك فيصل نفسه معلما في المدرسة المأمونية وقد سميت بهذا الاسم لان الاعتقاد كان سائدا الى البناء العباسي في القلع ة كان ايوانا لقصر المأمون وقام الملك فيصل ايضا بتسجيل ولي العهد غازي تلميذا في هذه المدرسة ، وكانت له من الكشافة فرقة خاصة سميت فرقة الامير غازي وانتخب افرادها من الطلاب النابهين اولاد العوائل المعروفة وآخر من رايت من الاحياء الاصدقاء المرحومين ظاهر حبيب وناظم سلمان الحمامي ، وخلف المدرسة المأمونية يربض طوب ( ابو خزامة ) مع شموعه والخرق البالية فيه ثم ساحة الميدان وقهوة خليفة التي تحتل نصف الشارع مقابل حديقة الميدان الصغيرة وسياجها الحديدي المسمى ( القفص ) وكلمة القفص تعني الشتيمة لان من يقترب من القفص او يدور حوله يتهم بالشذوذ الجنسي او سوء السلوك على اقل تقدير فالشتيمة الموجوعة كانت ان يقال عنه ( قفصلي او ابن القفص ) اما الجهة اليسرى من الشارع فكانت تبدأ بالبيت الذي ذكرناه انه احتوى على دائرة عسكرية وبعده ساحة لوقوف الدواب ولبيعها وقد شيد في محلها محطة بنزين باسم محطة بنزين باب المعظم وهي الان المكتبة المركزية العامة وبعدها ساحة تضم التكية الطالبانية وكان يديرها المرحوم علي ! الطالباني الذي حقق وطبع الديوان الشعري لجده الشيخ رضا الطالباني اشهر شاعر في القرن التاسع عشر باللغة العربية والتركية والكردية واشت ه ر بقسوة الهجاء وبعد التكية ياتي خان ( علو ) المشهور وهو مركز العرباين والعربنجية ثم جامع المرادية وخلف الجامع يقع الزقاق المؤدي الى دربونة ومحلة راس الكنيسة التي تعتبر اقدم كنيسة في بغداد ثم مدخل طريق الصابونجية وعلى ناصيته البيت الفخم للوجيه الموصلي اسماعيل الحجي خالد
الذي تركه في الثلاثينيات لانه لم يستطيع العيش والسكن في الميدان المحلة التي تحتوي على محلات الشرب والدعارة ثم نستمر في جولتنا بعد قهوة خليفة وقهوة البلدية فنصل الى سوق الميدان الكبير فاوتيل الهلال الذي تغني فيه بدرية السواس وجماعتها والذي غنت فيه ام كلثوم ايضا وبعده ياتي سوق الهرج الكبير مجمع اللصوص والمحتالين والمعدمين الراغبين في بيع ماعندهم او شراء مايحتاجون اليه من البضائع الحرام او الحلال وعلى راس السوق وعلى الطريق العام مباشرة بيت عبد الحليم الحافاتي عدو الملك فيصل ( لانه لم ينتفع منه ) ثم الشارع المؤدي الى حمام الباشا كراج ( كوترل وكريك ) ثم قهوة امين التي سميت قهوة الزهاوي ثم شناشيل احمد القيماقجي ابو الدكتور احسان القيماقجي وغرفة استقباله المطلة على شارع الرشيد وكان مع اصدقائه وجيرانه يتناولون الناس بالغمز واللمز ثم دكان ( زبالة ) ابو الدندرمة ثم قهوة حسن عجمي ثم مدرسة شماش اليهودية ثم دكان الحلبي الحجي خيرو (برمبوز) اول من صنع شربت اللوز في بغداد ثم مطعم شمس ثم ديواخانة بيت رؤوف الجادرجي التي استأجرها حزب الاخاء الوطني ! مقرا له ثم الطريق المؤدي الى امانة العاصمة وفي اوله يقع المعهد العلمي الذي كان يهيء الجرائد للقراء المجانية نهارا وفي المساء ينقلب الى معهد لتدريس اصول التجارة ومسك الدفاتر وفي الناحية الاخرى من الطريق كانت مدرسة الصوفية التي يرتادها جميل صدقي الزهاوي بعد ان يكون خادمه قد ربط حمارته الحساوية البيضاء المسرجة والملجمة جوار المعهد العلمي ويبقى في الجامع مدة ساعتين ثم ينصرف الى حمارته يركبها بمساعدة خادمه ورجلاه تتدليان وبقدميه الكالة الايرانية الحريرية البيضاء وبعدها شارع الاكمكخانة ( المتنبي ) والاكمك باللغة التركية تعني الخبز وفي اخر هذا الشارع ومقابل قهوة الشابندر كان الفرن الكبير لصنع صمون العسكر في زمن العثمانيين لذلك سمي جادة الاكمكخانة وعلى راس هذا الشارع مخزن ومحل اسطوانات حوريش وابن عمهم مغني المقام العراقي يوسف حوريش وعلى الركن الاخر من الشارع خرائب مسقفة بالكواني ( الاكياس ) وفيها كان بيت زماوي بائعة الكبة وام جها د بائعة خبز باب الاغا المشهور والذي يضرب به المثل وقد عميت ام جهاد اخيرا وتسلم
جهاد الامر من بعدها ولكن خبز جهاد لم يكن مثل خبز امه فقد تغير الحال ثم عمي جهاد .. كما عميت امه من قبل ثم ياتي بعدها حمام كجو وبقالو باب الاغا وعبدو السوري الدمشقي اول من جاء بغداد لعمل الدوندرمة السورية ثم رئيس البقالين في باب الاغا ( جبارة ابو قنبورة ) وذلك قبل ان يتولى اولاد الحجي احمد كنو عبود وسلمان ورزوقي وعمهم مهدي كنو ابو صالح ومجيدزعامة سوق باب الاغا وقد هدمت هذه الدكاكين واقيم محله! ا البنك اللبناني المتحد وعلى زاوية الشارع ارض خراب اشتراها عبد الله مبارك الصباح زوج الشاعرة سعاد الصباح كما اشترى البيت عبد الهادي ابو الطابوق في طريق الاعظمية والذي صار دار سكن المرحوم عبد الحميد عريم والى جهة اليسار من شارع الرشيد وابتداءاً من بيت اسماعيل حجي خالد توجد سينما العراق وهو مهمل لايدخله الا رواد محلة الميدان ثم دربونة المبغى العام او الكلجية
او الكرخانة او العمومخانة وكلها اسماء لهذا المحل وكانت الحكومة قد اغلقت مدخله في الشارع العام وفتحته من الخلف والى اواسط العشرينيات كان الا علان المكتوب على الجدار الخارجي باللغة العربية والا نكليزية والهندية لم يزل ظاهرا والطريف ان الاعلان العربية جاء فيه ( ممنوع الخشوش من هنانا) ثم تاتي قهوة عارف اغا ثم جامع الحيدر خانة ثم دربونة الخشالات ثم سوق باب الاغا ابو الخضراوات ثم بائع الهريسة والسويكة ثم مدخل العاقولية ثم امام طه الذي نقل ارشد العمري امين العاصمة رفاته ليلا الى سلمان باك ثم ساحة الرصافي التي حلت محله ثم قهوة فتاح وبعدها مباشرة
دربونة الدشتي التي يسكن فيها ال كنو البقالون منهم وغير البقالين ودربونة الدشت هي الدربونة الوحيدة في هذه المنطقة التي ينظم فيها موكب عزاء عاشوراء (السباية) برئاسة عبود كنو وادارة علوان مدرع الشاعر الشعبي وكان مركز تجوالها نفس الدربونة مع الذهاب الى مدخل سوق الصفافير ثم ترجع الى محلة الامام طه ثم في الازقة التي تسمى الان (عقد الجام ) ثم تعودالى الدشتي وتتفرق ثم ياتي حمام (بنجة علي) ويكاد يختص باهالي وعمال سوق الصفافير والشورجة وسوق البزازين! ثم خان فتح الله عبود ثم مدخل سوق الشورجة ثم جامع مرجان الذي كان جداره متصلا بالشارع مباشرة وقامت الحكومة بهدمه بحجة انه مائل للانهدام وكان مائلا فعلا وقيل ان البلدية سربت الماء الى الاساسيات فجعلته تميل ثم هدم وارجع الجدار الج د يد عدة امتار الى الوراء فاصبح الشارع اكثر عرضا وجعلت له رصيفا واسعا اتجاه البنك المركزي العراقي ولقد كانت المناوشات مستمرة بين الحكومة وامانة العاصمة حول جامع مرجان الذي يدخل كالقوس في الشارع وحاولت تهديمه عدة مرات لولا وقوف مديرية الاثار العامة والعلماء والمثقفين في بغداد ضد الفكرة.
**************************************************