أسرار سقوط الأندلس
فى هذا الصباح تقريبا قبل 523 عاما كان المسلمون قد ودعوا مملكتهم الفاتنة ذات الحدائق الغناء والجميلات اللواتى لم يَكشف النقابُ عن مثلهن فى الدنيا.. والحسناوات اللائى يتمايلن فى دعة ورفق بين شجيرات الموز وأعواد الورود التى تغطى أكبر حيز من أفنية القصور والشوارع والأزقة.. وقع الحدث الجلل بمقدمات درامية أفضت إلى نهايات مأساوية مع سقوط غرناطة وانتهاء دولة الخلافة الإسلامية بالأندلس فى يوم 2 يناير من العام 1492م.
سقوط مدوى لمملكة غير منظورة
بدأت الدراما من زمام لم يتملكه المسلمون فقد قامت الممالك المسيحية التى تقع فى الجزء الشمالى من ممكلة الأندلس بالهجوم على الثغور الأندلسية، وبفعل تراخى الإدارة السياسية ووهنها وانشغال الجيوش الأندلسية فى أمور السياسة والاقتصاد توالت سقوط المدن الأندلسية واحدة من بعد أخرى كما تسقط ثمرات التفاح من على غصونها بعد أن يصيبها العطب.
امتدت الدراما والمأساة إلى أن سقطت غرناطة آخر معقل للمسلمين يوم 2 يناير عام 1492م، وانتهت بذلك الخلافة الإسلامية فى شبه الجزيرة الإيبيرية، لكن جمال الممكلة وروعتها وفتنتها وبالرغم من زوال السلطة الإسلامية لم يؤد إلى زوال إقامة الأندلسيين العرب والمسلمين فقد استمروا هناك وحملوا لقب “الموريسكين”، وبذلك حفظوا للحضارة الإسلامية شبهها وشكلها بين حضارات أقوام أوروبا الذين لم يتركوا المسلمين ينعمون بمجدهم أكثر من 8 قرون.
الاسترداد.. معركة وعبرة من باطن التاريخ
عند الحديث عن سقوط الأندلس عبر حركة الاسترداد التى وضعت حداً لوجود العرب فى شبه الجزيرة الإيبيرية يجب الالتفات إلى العبرة التاريخية التى يمكن للعرب والمسلمين أن يستخلصوها من تلك الأحداث المخضبة صفحاتها بالقسوة والدماء وما آل إليه مصير الأندلسيين، فقد حكم المسلمون إسبانيا قرابة 800 عام وخلال هذه الفترة الطويلة كان هناك تعايش سلمى حقيقى بين الجانبين.
لم ير المواطنون الأصليون فترة أكثر سماحة من تلك الفترة ولم يحصلوا على حقهم فى ثرواتهم التى كانت منهوبة من النبلاء وكبار الملاك والإقطاعيين سوى من خلال حكم المسلمين الذى أرسى دعائم الشرائع التى جاءت بها رسل من عند الله.
المفيد فى هذا الخصوص التأكيد على أن الجندى الأندلسي عندما كان مرابطا على الثغور يحمى بلاده ويدافع عن مملكته ظلت الدولة قوية متماسكة مهابة من المتربصين والأعداء، غير أنه عندما ترك تلك المهمة وخاض عباب السياسة والاقتصاد أصيبت مملكته بضربات تلو الأخرى حتى سقط فى النهاية صريعا لأهوائه وخطاياه.
شمس الأندلس تسطع على إسبانيا والبرتغال
من عاشر اللأيبريين (سكان دولتى إسبانيا والبرتغال) وعرفهم عن قرب مثل كاتب تلك الأسطر يدرك بغير مشقة مع أول نقاش أنهم يعون جيدا دور الحضارة الإسلامية وفضلها فى المجد والتطور الهائل الذى وصلوا إليه.
على سبيل المثال: ما زالت الشوارع والمدن حتى الآن بأسماء عربية وما زال الأهالى يطلقون على أبنائهم أسماء عربية أو أسماء مشتقة من لغة العرب أو صفات وألقاب تمزج بين العربية والإسبانية أو العربية والبرتغالية ومن يتابع دوريات كرة القدم يتعين عليه أن ينتبه إلى نادى إشبيلية الإسبانى المشتق اسمه من مدينة العرب التى ما تزال ماثلة للعيان.
فى المقابل لا تنسى الحضارة الإسلامية مكانة الشعراء والفلاسفة والعلماء الذين نشأوا فى إسبانيا ومنهم الإمام الشاطبى الذى يعرفه أهل الإسكندرية جيدا وقد حدّث كاتبَ تلك الأسطر المستشارُ الثقافى للمكلة الإسبانية عنه وأقامت مراكز الثقافة الإسبانية “ثربانتس” فى كل مراكز تواجدها فى بلاد العالم ندوات ومؤتمرات عن فضل أولئك الصفوة على الحضارة الغربية.
أكد تلك النظرة كتاب “شمس العرب تسطع على الغرب” للفيلسوف الألمانى زيجريد هونكه (26 إبريل 1913 – 15 يونيو 1999).
**************************************************