قناة بنما ... خطط لها الفرنسيون وحفرها الأمريكيون
فشل دلسيس وتوقفت أعماله وانهارت شركته الخاصة بحفر قناة بناما وحكم عليه وعلى ابنه تشارلز بالسجن 5 سنوات وكان لابد من تأسيس شركة فرنسية جديدة تبدأ أعمال الحفر من جديد وتؤول إليها أمور الشركة المنحلة بما لها وما عليها... وظهرت الشركة الجديدة ولمع كبير مهندسيها المهندس الفرنسي بوناو فارلا، وكان من أعوان دلسيس سابقا في الشركة القديمة... وقد عرف عن فارلا هذا حماسه لاستئناف أعمال الحفر وحرصه على استكمال إنشاء قناة بنما بأيد فرنسية، ولكنه ما لبث أن اكتشف عقم العناد والتشبث بأعمال الحفر، فقد ولدت الشركة الجديدة بسلبيات كثيرة فاقت كل ايجابياتها... حقا كانت تملك ما أنجزه دلسبس وهو 19 ميلا من قناة بنما الأولى فضلا عن الآليات والمجودات... إلا أنها افتقدت المال والسيولة وافتقرت إلى الثقة... ثقة الشعب في إمكانية استكمال قناة بناما وفق مخطط دلسبس وثقة الشعب الفرنسي فيها... وهكذا تخطى فارلا حماسته الأولى وتجاوز الأمل في تحقيق الأمجاد الفرنسية بالمضي في إنشاء قناة بنما بأيد فرنسية وراح يتطلع إلى الولايات المتحدة والى ملايين الدولارات التي تستطيع دفعها له ثمنا لشركته فيما لو اقتنعت بضرورة إنشاء القناة.
ذلك أن حكومة واشنطن لم تشعر بالضرورة الملحة لإنشاء قناة تصل بين المحيط الأطلسي والمحيط الهادي... شعرت بالرغبة في مثل هذه القنوات ولا ريب ولكن الرغبة شئ والإرادة شئ آخر... ثم أن الولايات المتحدة كانت تفصل نيكاراجوا عن بناما لحفر القناة... أن كان لابد من قناة...
وبدأ فارلا حملة دعائية غريبة حقا... فقد استهدفت التأثير على حكومة واشنطن بالذات وحملها تفضيل بنما لإنشاء القناة فضلا عن إقناعها بضرورة حفر تلك القناة أصلا.... وقامت تلك الحملة على نشر المقالات والكتيبات وتذرعت بالاتصال المباشر بأعضاء الكونجرس الأمريكي... وراح فارلا وأعوانه يروجون شتى التفاصيل والقصص الخيالية وغير الخيالية وذلك بقصد إقحام أعضاء الكونجرس في الطريق الذي اختاره لهم فارلا... وقد استعان المهندس الفرنسي في حملته بالمحامي الأمريكي كرومويل... ممثل الشركة الفرنسية في واشنطن. وشاءت الأقدار أن تنجح تلك الحملة الدعائية وان يقر مجلس الشيوخ الأمريكي مشروع قناة بنما.
وتجدر الإشارة إلى حدثين هامين كان لهما الأثر الحاسم في اتجاه تلك الحملة... كان أولهما الحرب التي نشبت بين الولايات المتحدة واسبانيا بسبب كوبا والتي أقنعت حكومة واشنطن بحاجتها الحيوية الملحة إلى قناة تصل المحيطين الأطلسي بالهادي وتمكن السفن عامة والسفن الحربية خاصة من الانتقال بين المحيطين في غضون ساعات بدلا من الشهور الثلاثة التي استغرقتها الرحلة الشاقة المملة... رحلة الدوران حول أمريكا الجنوبية.
أما الحدث الثاني فكان بركان جبل بيلي في جزيرة مارتينيك... فقد ثار ثورة عنيفة سنة 1902 وثارت معه براكين أخرى مختلفة في الجزر القريبة وفي نيكاراجوا بالذات واستغل فارلا هذه البراكين لصالحه وراح ينشر أخبارها ويبالغ في مخاطرها في شتى صحف واشنطن... ومن طريف ما يذكر انه اشترى مجموعة كبيرة من الطوابع التذكارية التي أصدرتها حكومة نيكاراجوا بمناسبة ثورة البركان وعمد إلى توزيعها على أعضاء الكونجرس الأمريكي... فكانت تلك الطوابع أثرها في نفوسهم وقد حملت صورة البركان الثائر فحملتهم على التخلي عن مشروع قناة نيكارجوا نهائيا دونما رجعة.
وهكذا اقر الكونجرس الأمريكي مشروع قناة بنما وشراء الشركة الفرنسية بمالها وما عليها.
**************************************************
كل مساهماتي منقولـــــــة، ارجو ان اكون وفقت في نقلها بقصد الافادة
***
لا اله الا انت سبحانك، اني كنت من الظالمين
اللهم اغفر لي ولوالدي وللمسلمين والمسلمات
والمؤمنين والمؤمنات، الاحياء منهم والاموات
اللهم آمين يارب العالمين