من أنتم
(1)
يا الهي
لا أكاد أتبيّن وجهتي
أسدلت الحجب .. فأنبسط المجهول
تجلجل ضحكاته الشيطانيّة في أسماع ضعفي
إنقبضت تجلّيات النور .. فأنبعثت هوّام الشكّ والريبة
ومدّت غيوم الشؤم السوداء ذراعا .. قذِرا .. مشعرا
ستقتلع غيضة الأمل .. لتزرع حُزنا .. همَّا .. يأسا .. دموعا
وزحفت أفاعي الهذيان وعقارب الوسوسة .. تخيفني .. تعيقني
تُرهبني .. تضجرني .. تخنق تطلّعاتي .. تهوّل .. تعظّم الأمور
تحاول أن تستبدل ضحكتي .. بهمهمة قانط .. وبإشراقة قلبي .. ظلمة غمّ
وبتفاؤلي .. خيبة أمل .. وبأحلامي كوابيس فشل مريع
ما كفّت العجلة تستخفّ بي .. تربكني .. تقلقني .. تدفعني إلى التهوّر
تأمرني أن أعترض، والقدر من الله وحده، وهو الحكم العدل
والعجلة من الشيطان، ولن يحلى الثمر قبل أوانه
القلق يفصّل لي قلنسوة ذعرٍ متوحّشة .. يوهن عزيمتي
يشكّكني في الغد .. يجسّد الفشل ولم أبدأ بعد .. الرغبات الجامحة
تغمر جوارحي في إلحاحٍ مُريب .. تهمّش حكمتي .. تزخرف الشكى والبكاء
وتحظّ على الإنهيار .. تكالبت أعداء الحياة على إرادتي .. تستغلّ ضعف آدميتي
تذم الصبر الجميل .. تبعثر فصوص الجمال يمينا وشمالا .. وتسحق حبّهان الرجاء
بصخرة التذمّر .. تدٌق أوتاد الخذلان .. تغرس في أعماقي بذور خيبة مريرة
وتنصب منجنيق الحزن في قلبي الأبيض .. تجرّني جرا إلى الوراء .. للذكريات الأليمة
تفجّر جروحي تشلّ جموحي .. تعرّقل تقدّمي .. تسألني مستثيرة خبء نفسي:
إلى متى تصبر؟
لماذا تدفع وحدك الضريبة ؟
ماذا ينقصك لتهنأ وتسعد في حياتك ؟
هل فلاّن وعلاّن يستحقّان الأفضل دونك ؟
ما هذه التعاسة اللابدة على كبدك منذ ولدت ؟
كيف ستعيش والشر ما زال يلاحقك ؟
أنى لك أن تنتصر؟
أمواج خبثٍ متلاطمة .. تتصيّد هنات الضعف البشري
تحاول أن تفرض علي القهر .. الخذلان .. الفشل .. العدم .. الهوان .. والعجز
تحجّم طموحي .. تسفّه أحلامي .. تستنزف صبري .. وتحرمني التريّث والثبات
لا. والف الف لا.
لن أرتدي عباءة خوف المواجة
لن أضع قدمي في خُف الإنطواء
لن أستمع إلى عزف الإرباك الماجن
لن أقرأ مذكّرات الهلوسة المندّسة
سأنحر الخذلانّ .. سأسحق الحزن
سأنتصر على الهزيمة .. سأسبق التراجع
سأفني الإستسلام .. وسأدحر التسرّع
إنّهم يسعون لإنضاب معين إيماني .. وردم بئر يقيني
وجرف دوحة حياتي .. وهدم قصر وجودي .. وحرق ورد كياني
الذي بنيته لبنة مذ كنت في الابتدائية
من أنتم أيها المتربصون؟
يا للغباءّ
كيف ولماذا
أفرّط في أحلام
الطفولة والصبا والشباب؟
**************************************************