بدأت القصة كعادة القصص الخيالية، في الحادية والعشرين من عُمرها، تزوجت «فرح ديبا»، وهي ابنة أحد الجنود في الحرس الإمبراطوري، من شاه إيران «محمد رضا شاه بهلوي»، وخلال أيام انقلبت حياتها الهادئة رأسًا على عقب، غطت صحافة العالم حفل تتويجها إمبراطورة لإيران، وبين ليلة وضحاها صارت شخصية مشهورة عالميًّا، وشهدت سنوات زواجها الأولى زواجًا قائمًا على الحُب وتربية 4 أطفال.
وبعد 20 عامًا، تحول الحلم إلى كابوس، هزت البلاد مظاهرات وأعمال شغب، وقررت «فرح» والشاه الرحيل لتجنب إراقة الدماء، وهو يعاني مرضًا خطيرًا استوطن في جسده بعد ذلك، وسعيا معًا للجوء إلى المغرب، وجزر البهاما، والمكسيك، ولكن لم تقبل أي دولة وجود الشاه الإيراني، إلى أن اختفيا عن الأعين بمستشفى بنيويورك، حيثُ تلقى الشاه العلاج، وفيما بعد منحهما الرئيس، أنور السادات، ملاذًا في نهاية المطاف.
ويرصد «المصري لايت»، في ذكري ميلاد الشاه، محمد رضا بهلوي، 7 فصول من قِصة حُب فرح ديبا ومحمد رضا بهلوي، وفقًا لمذكراتها الشخصيّة، التى نُشرت بعنوان «مُذكرات فرح بهلوي»:
7.في 26 أكتوبر 1919، ولدَ محمد رضا بهلوي، الابن الأكبر لرضا بهلوي، الذي حكمَ إيران لمُدة كبيرة، داخل مدينة «طهران» الإيرانية، وكان طفلاً مُدللاً، فهو ولي العرش الذي كان يُجهز ليحل محل والده في حُكم البلاد، كما تزوج أكثر من زيجة، وأعلن بعدها أنهُ لن يتزوج مرةً أخرى، حتى بدأت قصتهُ مع فتاة من خارج الأسرة الملكية.
تقول فرح ديبا، ابنة سوهراب ديبا، أحد جنود الحرس الإمبراطوري، الفتاة التي أحبها الشاه، محمد رضا بهلوي، في مُفتتح مذكراتها عن حياتها، قبل قصة الحُب: «كُنا نعيش شمال طهران في منزل تحوطه حديقة، أنشئ مع بداية القرن، كبرتُ في ذلك البيت الذي يشاركنا فيه خالي (محمد علي قطبي) وزوجته (لويزا). ولكُل من الأسرتين حجرة نوم كبيرة بالطابق الأول. وتشتركان في غرفة معيشة واحدة، وفي طهران تقتصر غرف الاستقبال والطعام في الطابق الثاني تقليديًا على استخدام الضيوف والحفلات. وكانت حُجرة والدي بالطابق الثاني أيضًا».
وتُضيف «في مراهقتي، كنت مجنونة بـ(ألفيس بريسلي)، مثلما كان جميع شباب طهران، وأذكر أن الأمر ربما يصل إلى التزويغ من حصة لمشاهدة فيلم من بطولته، أُغرمنا بالسينما، وأحببنا الذهاب إليها في مجموعات، وكنا ندخلها في فوضى».
وكأن والدتها كانت تتوقع نبوءة زواجها من الملك، تقول فرح: «بدأتُ أكبر، شيئًا فشيئًا أغادر الطفولة، وكُنا نتشارك أنا ووالدتي أسبوعيًا في طقس (الحمّام) واحتفاله، فتعد حقيبة بها ملابسي النظيفة، ونذهب يدًا بيد إلى الحمامات، وعندما تلتهب بشرتي ويؤذي الصابون عيني، تقول والدتي: (لن تتزوجي أي شخص، وإذا جاء الشاه مع جيشه ووزيره ليسأل عنك، فربما نعطيك له، وربما لا)».
6.في العام 1946، كانت تحتفظ فرح بصورة للملك الشاب، الذي ستربط به حياتها بعد 13 عامًا، وكان «رضا بهلوي» قد تولى العرش منذ 16 سبتمبر 1941، خلفًا لوالده الشاه «رضا الكبير» ليتولى حكم أمة هدّها الاحتلال.
وفي الكلية الخاصة للعمارة، في فرنسا، ذهبت فرح لتدرس هناك، وفي ربيع 1958 تقول فرح: «علمنا أن الشاه يستعد لإجراءات الطلاق من الإمبراطورة ثُريا، وفي ذلك المساء كتبت في مذكراتي الشخصية: (الشاه وثُريا انفصلا للأسف)».
وخلال الشهور التالية، أعلنت الصحافة أنّ الشاه لم يرغب في شيء قدر رغبته في إنجاب ابن يخلفه، وهو يبحث عن فتاة ليتزوجها.
وأصبحت المزحة المفضلة لزملاء فرح في المدرسة: «ولماذا لا يتزوجك الشاه؟ إنك جميلة»، وهو ما كانت تُقابله بـ: «أذكر أننا كنا أحيانًا بعد انتهاء العمل، نمضي بعض الوقت في الاستوديو نضحك من هذه المزحة؛ فأقول: (ولماذا لا تكتبون له، وتحاولون إقناعه بأنه توجد هنا فتاة مناسبة له)».
5.في ربيع 1959، نالت فرح أول فرصة لرؤية الملك، كان «الشاه» قادمًا في زيارة رسمية لمحادثات مع الجنرال «ديجول»، وكما يحدث عادة في مثل هذه المناسبات، أرادت السفارة الإيرانية تقديم بعض ممثلي الجالية الإيرانية في فرنسا، وكانت الفتاة الجميلة ضمن الذين تم اختيارهم.
تقول فرح عن تلك المرة: «ارتديت طاقمًا من التويد الأسود في الأبيض، ووضعت زهرة كاميليا على حافة السترة، وذهبنا إلى السفارة، يا لها من سيارة بديعة، وكم كان هو رائعًا، شعره أبيض تقريبًا وعيناه حزينتان، سعدت للغاية برؤيته للمرة الأولى عن قرب، غير أن الطلاب اندفعوا للأمام كالعادة».
وأضافت: «بعد قليل صافحته وقلت: (أنا فرح ديبا، مهندسة معمارية)»، فرد: «مُنذ متى وأنت هنا؟»، قلت «عامين»، وقال عني كلمات لطيفة، وحينها دق قلبي بعنف.
4.لم يمُر لقاء فرح ديبا بالشاه محمد رضا بهلوي بسهولة، ففي مناسبات متتالية تقابل الثنائي، إلى أن صرّح الشاه بحبه لها في إحدى الليالي القمرية، كما تذكر «ديبا»: «في ذلك المساء، كنا كثيرين بصحبة الملك، ربما 20، شعرت بالسعادة والارتياح لرؤيته مرة أخرى، وكان النقاش بسيطًا، وفجأة لاحظت أن الضيوف يغادرون الغرفة، وصرت والملك على أريكة وحدنا».
وتضيف: «حدثني في هدوء عن زيجتيه السابقتين، الأولى من الأميرة فوزية المصرية، وزوجته الثانية، ثم تناول يدي، ونظر في عيني، قائلاً: (هل تقبلين أن تكوني زوجتي؟)، أجبت فورًا (نعم)، فلم تكن بي حاجة للتفكير بالأمر، وليس عندي أي تحفظات، فكانت الإجابة نعم، أحببته ومستعدة أن أتبعه».
وفي 14 أكتوبر 1959، أتمّت فرح ديبا الحادية والعشرين، وحينها قرّرت أن توافق على طلبه: «قلت لتوي نعم للحب، نعم للملك، وللمصير الخاص الذي يستحق الحب».
وفي 21 نوفمبر، أُعلنت الخطوبة رسميًّا في بيانٍ موجز: «تم اليوم الساعة الخامسة، بقصر (اختصاصي) خطوبة جلالة الشاهنشاه (محمد رضا بهلوي)، ملك إيران، والآنسه فرح ديبا، وسوف يقام حفل الزفاف خلال شهر، يوم 21 ديسمبر 1959 للتقويم الميلادي».
3.وفي 21 ديسمبر، تم التحضير لحفل الزفاف، ثوب الزفاف من تصميم بيت أزياء «إيف سان لوران»، والأختين «كاريتا».. خُبراء التجميل كانوا في انتظار العروس لتجميلها، فهُم جاءوا خصيصًا من باريس لأجل تلك المناسبة، والإكليل من تصميم الجواهرجي الإيراني «هاري وينستون»، كما تصف فرح: «بينما كنت أرتدي ثوبي المُطرز برسومات فارسية، من الخيوط الفضية، والترتر واللؤلؤ، حينها تذكرت صانعي الثوب في بيت أزياء كريستيان ديور، فهم تمنّوا لي كل سعادة العالم، وأعرف أنهم حاكوا إحدى حواف الثوب بالأزرق، حتى تمنح الجنيات الطيبات للملك أخيرًا الولد الذي تمناه».
وعند قمة السلم الكبير بقصر الرخام، وقف الملك ممشوقًا وطويلاً في زيه الرسمي، ينتظر زوجته التي هبطت من السيارة وخلفها ست فتيات صغيرات، يرتدين ثيابًا بيضاء وتويجات من الزهور، ولم يكن مدعوًا يومها لحفل الزفاف سوى عائلتين وبضعة أعضاء من الحكومة، وطبقًا للمعتاد، وضعت جميع رموز الزواج الخصب والسعيد على سجادة: مرآة وشموع، رمزًا للضوء، وخبز رمزًا للكثرة، وبخور لطرد الشر، وحلوى لتحلية الحياة، والقرآن بالطبع.
2.وفي 20 مارس 1960، عشية «النوروز»، رأس السنة الإيرانية، فوَّض للمتحدث الرسمي باسم البلاط، إعلان الحدث السعيد، بعد مرور 8 أشهر، وضعت الطفل في مستشفى كبير جنوب المدينة.
وخلال بضعة أسابيع، لاحظت «ديبا» التغيرات التى طرأت على الملك، بعد أن أصبح أبًا: «رأيت الملك يتغير تمامًا، فبعد أن كان خجولًا ومتحفظًا في العادة، لم يعد يحاول إخفاء الحنان الذى يشعر به تجاه ابنه، وكان يختلس الوقت بين مقابلاته الرسمية، ليطمئن أن الطفل على ما يرام، فصار الملك أكثر هدوءًا واستعدادًا للضحك، رغم عبء العمل الثقيل».
وكان يوم الجمعة مخصصًا للأصدقاء، وبالإضافة لذلك هناك حفلات عشاء رسمية، ودعوات متعلقة بالعمل، ولكن رغم ذلك كله، كانت الأسرة تجلس في بعض الاحيان، وخاصة في الأمسيات، لمشاهدة بعض الأفلام، فكان الملك مغرمًا بـ «تشارلي تشابلن»، و«لوريل وهاردي».
1.في 5 يوليو، مرضَ الشاه، محمد رضا بهلوي، فأعدّ العاملون بالمستشفى الذي جلس بهِ حجرة طعام مؤقتة، بها طاولة كبيرة في نهاية الممر حتى يستطيعوا تناول طعامهم عند المغرب، إذا تصادف وجوده في المنطقة، ذلك الوقت، كما تقول فرح: «إذا بقيتُ هنا، لن يشعروا بالراحة، ولن يتناولوا إفطارهم في سلام»، وكأنه توقع وفاته بعدها بقليل.
وفي 29 يوليو 1980، تم تشييع جثمان الملك في قصر عابدين، حيثُ عزفوا السلام الإمبراطوري، ووسط حر خانق، غادر الموكب المصاحب للجثمان قصر عابدين إلى الرفاعي، وفي البُلدان الإسلامية لا تسير النساء خلف النعش، ولكن فرح صممت على أن تكون حاضرة، وقال السادات لمسؤولي البروتوكول: «افعلوا ما تُريده فرح»، وكتبت «جيهان السادات» في مذكراتها:
«لم تُنظم جنازة رسمية أكبر من هذه، نظم أنور كل شيء بنفسه، مشرفًا حتى على أدق التفاصيل، تقدم الموكب آلاف من طلاب أكاديميتنا العسكرية، كلهم يعزفون الآلات الموسيقية، ويرتدون الزي العسكري الأبيض، والأصفر، والأسود، بحسب رتبتهم، وساروا وراء الجنود حاملين أكاليل الورد والزهور، يتبعهم ضباط راكبين الخيول، ثُم جاءت سرية من الرجال حاملي نياشين الشاه العسكرية، فوق وسائد من القطيفة السوداء، تتقدم النعش الملفوف بعلم إيران».