نعم أصبت.. نعم أخطأت
إجابات وردود نمرّ بها في مواقف حياتنا الشخصية والعائلية والعملية والاجتماعية: أنت مخطئ جداً، أحسنت فعلت الصواب، نعم أنا أخطأت، ربما كنت مخطئة وحاولت التصحيح لاحقاً، لم أخطئ بل أنا على صواب وحَق تماماً.
شخصياً دائماً أردد معتقداتي الخاصة أنه "لا خطأ أو صحيح مطلق في الحياة" و" لا شيء يأتي كاملاً ليضعنا الله في اختباره" لاختلافاتنا البشرية ونشأتنا في بيئات ومعتقدات وظروف حياتية مختلفة ومتباينة، وإيماناً بأن النية هي أصل قبول أعمالنا كحسنات أو ذنوب عند الله، وأن مشاعرنا الصادقة والحقيقية هي محرك الأفعال بعفوية.
يقول الله تعالى الرحمن الرحيم: "وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً" تفسيراً لرحمة الله في العذر بالخطأ مع سلامة قصد القلب، وهي آية كريمة أتت عطفاً على قضية وجوب نسبة الأدعياء إلى آبائهم من باب العدل، وإن كان مجهولاً وليس للمتبني، ولا إثم عليه إن أدرك خطأه؛ لهذا ليس من حق إنسان أن يدفع الآخر للشعور بالخطيئة ما دام يراقب الله في نفسه ويجيد قراءة كتابه الحكيم وسنة نبيه.
كنت أنتقد إصدار الأحكام على الشخصيات والأساليب بنظرية الخطأ والصح البحتة، وكأننا عناصر ونتائج معادلات رياضيات وكيمياء وفيزياء، أو بجزاء الحسنات والذنوب، وكأن الشخص قد ولّاه الله منصب الحاكم والقاضي والمُفتي والجلاد والشاهد؛ ليصدر أحكامه بناء على منظوره الشخصي وفهمه وتحليله للدين والحياة، والتي لم ينزل الله بها دستوراً لنحاكم البشر، والأهم أننا لم نعِش مع الآخر وضعه وظروفه لنضعه في محكمتنا.
لكن في حوار شفاف مع نفسي أدركت أنني أيضاً لا إرادياً أقع في نفس الفخ مرات كثيرة، بتوجيه انتقاد لأشخاص بأخطائهم دون أن أنتقد فعلي بتكرار نفس ردة الفعل، أو الاعتماد على وجهة نظر ومشاعر منفعلة في تقييم المواقف بناء على تجارب سابقة.
في داخلنا جميعاً مقدار من السوء والسلبية يحرضنا للخطأ حسب معاييرنا وفهمنا، ومقدار من الصلاح والإيجابية يجذبنا للصواب فيما نراه ونفعله.
تعلمت وما زلت أحاول تطبيق فرضية "من يتعلم من عثراته يفعل أموره برؤية وطريقة مختلفة"' وأضع نصب عيني اقتباساً جميلاً لديباك شوبرا: "الوجود دائماً متجدد، ونحن نتعامل مع المواقف والأحداث الجديدة بردة فعل قديمة لموقف سابق مشابه، نُصر على التمسك بآرائنا وأفكارنا وردود فعلنا! اسمح للكون بمفاجأتك بطرق جديدة بردود فعلك الجديدة".
وما بين الخطأ والصحيح هناك مساحة تأمل وإدراك وتقييم بناء على إيمان ووعي بصيرة القلب وحكمة العقل، فيها تقبل للمشاعر وعدم المقاومة بعيشها أياً كانت، ومحاولة التحكم بتوازنها، والتفكير بذكاء، والسماح والتصالح مع الذات والآخرين، والرأفة بالنفس البشرية، وحسن التصرف بإيجابية، وتجنب تضخيم الأمور والتضييق على الخَلق، والرضا.
وتحية احترام وتقدير لأخطائنا وصواباتنا.
م ن
**************************************************