و اخيرا جاء الخميس..
جاء الخميس المنتظر بطقسه الربيعي الجمبل .. جاء الخميس كما تمنيناه بعد انتظار و تلهف .. و خطط و ترقب .. جاء الخميس في ابهى حلة .. بدون امطار .. و لا رياح .. و لا برد قارص .. و لا قبظ يشوي الوجوه .. جاء الخميس لنكشف انا و بعض الاصدقاء عن ما استغرقنا في التخطيط له اياما من المشاورات ..
كانت المعضلة الاكبر هي شراء الخروف.. كان (ع ع) يردد تلك العبارة باستمرار على مسامعنا .. " اهم شي نشروا الخروف يا جماعة" .. حتى صرنا نطلب منه عدم مشاركتنا الحديث .. و حدث بعد طول مجادلات ان عقدنا صفقة شراء الخروف الذي اصر (ع ع) علي الاحتقاظ به لانه سيكون الاحرص عليه كما ادعى ..
و اتفقنا بعد ذلك على استئجار سيارة لتنقلنا الى (وادي ترغلات) بعدما قدم كل منا العذر الذي رأه مناسبا لعدم استخدام سيارته .. قال (ح س) ان سيارته تكفينا و لكن بدون الخروف .. و قال (س ن ) ان سيارته حديثة و (وادي ترغلات) ليس في مستواها.. اما (م أ ) و انا فقد تعللنا بان سياراتنا تعاني نقص الزيوت و الاطارات البالية التي سوف تفسد علينا المتعة .. و تشوه جمال الرمال الذهبية العذراء في (وادي ترغلات) ..
و جاء الخميس .. و اجتمعنا قبل صلاة العصر امام (الزريبة) التي يسكنها الخروف .. كان معنا سائق السيارة التي استأجرناها .. ز كانت تبدو عليه علامات ممتزجة بين الجدية و الحزم تارة و بين المزاح و المرح تارة اخرى .. و بعدما اخذ الكل مكانه بما في ذلك الخروف انطلقت الرحلة ..
كانت كل الظروف مواتية لاعلان السرور لو لم يعكر ذلك الصفاء ساءق السيارة .. لقد احال الطريق الى كأبة عندما شغل الموسيقى .. كانت اغنية كئيبة رافقنها لحظات غروب الشمس و هبوط الظلام فما كان بمقدورنا التغزل بالغسق و لا الاستمتاع بمشاهدة الشفق الاحمر .. كلمات الاغنية اللعينة كانت تقول:
((غاليك مشى
ما فيه رجاء
عليك الله رايد يا عين))
اي ما معناه ان الحبيبة ذهبت و لن تعود و هكذا اراد الله .. و كان السائق يكررها كلما انتهت ..
طلبت منه ان يجعلنا نستمع لغيرها فرفض طلبي مدعيا بأنها افضل اغنية سمعها في حياته .. و في لحظة اعتراف لم يجبر عليه قال بأن حبيبته تزوجت من غيره و زواجها كان رغما عن ارادتها لان والدها يكره الفقراء ..
و بعد سماعنا الى تلك العبارة ساد الصمت في السيارة الا صوت المغني و صوت الخروف الذي يحاول فك الحبل .. و لكن السائق كان منتبه الي محاولات الخروف اليائسة بالالتفات و النظر الى حيث يقبع الخروف..
و اخيرا وصلنا الى شجرة البطوم التي راينا انها الانسب لقضاء الليلة تحتها .. كان السائق هو الاكثر نشاطا و حيوية بيننا ..جمع الحطب .. اشعل النار .. ذبح الخروف .. و كان يخاطب كل شي .. " اقعد هنا .. زيد غادي .. وسع بالك .. جيتك .. ايوااه .. بالله وخر شوية .. " .. كان ممتلئا بالنشاط و خفة الحركة و سرعتها .. فلا تدرك هل كان يوجه كلماته الى الشجرة ام الى النار .. ام الى الخروف المعلق بعدما نزع جلده و احشائه .. ام كان يتحدث الى علب المشروبات .. و على حين غفلة اقتربت منه و قلت له بأنه لا يجب عليه ان يبقى سجين الكأبة و ان اول شيء يجب عليه فعله ان يتخلص من تلك الاغنية التي يستمع لها باستمرار .. فضحك و هو يقلب اللحم على الجمر و قال بأنه لا يستطيع .. فقلت له بأننا لا نرغب في سماعها في طريق العودة احتراما لحبيباتنا اللائي لم يذهبن و يتنظرن عودتنا .. فضحك بصوت عال هذه المرة و قال بأنه سوف يجعلنا نسمع اغنية (قارئة الفنجان ) قبل ان نصل الى (الزريبة) التي كان الخروف يقطنها!!
ناصر
نوفمبر 2018