ذاتي التي ذهبت
د. طاهر عبد المجيد
ذاتي التي ذهبتْ ولمْ تَعُدِ
لَمْ تُبْقِ لي منِّي سوى جَسَدِي
يا لَيْتَهَا إذْ لمْ تُودِّعني
أَخَذَتْ حوائجها ولمْ تَزِدِ
ذَهَبتْ بأحلامي ولمْ تَتَركْ
للعيشِ ما أَعدَّدتُ من عُدَدِ
وأَتَتْ على ما كنتُ أَرصدُهُ
لمصائبِ الدنيا من الجَّلَدِ
ذَهبتْ لِتُسلِمَني إلى دنيا
فيها العمى خيرٌ من الرَّمَدِ
دنيا يُعذبني تجاهلها
لي حين تنظرُ لي كَمُفْتَقَدِ
وكأنَّني لفظٌ بلا معنى
دوري الوحيدُ زيادةُ العددِ
من يومِها وأنا أُراسلُها
لأُحاصرَ النّيرانَ في كَبِدِي
ويَعُودُ ما أَرْسَلْتُ مُهْتَرِئاً
ليقولَ: لَمْ نعثرْ على أَحَدِ
كلُّ الذي جِئْنَا بهِ خَبرٌ
لكنهُ خبرٌ بلا سَنَدِ
كمْ قيلَ لي والغيظُ يَملؤني
من قولهم: عُوفيتَ من حَسَدِ
لم تَتَرك الأقدارُ من شيءٍ
في هذه الدنيا لِمُجْتَهِدِ
ولو أنَّني صَدَّقتُ ما قالوا
لأَهَنْتُ قبلَ العقلِ مُعْتَقَدي
وَلكنتُ قد بَرَّأت مَنْ مَلؤوا
أيامنا بالبؤسِ والنَّكدِ
إنِّي أَرى ذاتاً هنا وَرِمتْ
وتَضَخَّمَتْ كتضخُّمِ الغُدَدِ
ضَحِكَ الزمانُ لها فملَّكها
بلداً فصالتْ صَولةَ الأسدِ
أكلتْ مِن الأحرارِ ما أكلتْ
وتقولُ للمأكولِ: يا ولدي
شكراً لتضحيةٍ سَتَجْعَلُنِي
من أجلكمْ أحيا بلا أَمَدِ
والشكرُ موصولٌ لمنْ جَفَّتْ
أمعاؤهُ لأعيشَ في رَغَدِ
حارَ الزمانُ بحلِّ عُقدتها
وأظنها الأولى من العُقَدِ
آهٍ لو أنَّ الليلَ يَتركني
أَغفو فلا أَصحو إلى الأبدِ
أو أَلتقي بالموتِ منفرداً
في موعدٍ أقصاهُ بعدَ غدِ
يا ليتَ ذاتي بعدُ ما ذهبتْ
لأقولَ يا ذاتي خُذِي بِيَدِي
إنِّي هنا أَحيا على مَضَضٍ
وأُحسُ أنِّي لستُ في بلدي
ذاتي التي ما عدتُ ألقاها
إلا بميعادٍ وفي خَلَدِي
أَهْتَزُّ حينَ تَهُبُّ ذِكْرَاها
وكأنَّني صَرْحٌ بلا عَمَدِ