تفسير قول الله تعالى ” من شر غاسق إذا وقب “
قال تعالى في سورة الفلق في الآية الثالثة (وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ)، وفيما يلى تفسير الآية الكريمة.
تفسير قوله (من شر غاسق إذا وقب)تفسير الطبري
فسر الطبري قوله تعالى ( وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ ) أي من شرّ مظلم هجم بظلامه، وقد اختلف أهل التأويل في المظلم وقال بعضهم : هو الليل إذا أظلم.
وقد قيل عن ابن عباس في قوله تعالى ( وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ ) : الليل، كما قيل عن الحسن في الآية الكريمة : أوّل الليل إذا أظلم، وقيل عن القرظي في قوله تعالى(غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ ) : النهار إذا دخل في الليل، وقيل عن محمد بن كعب في قوله تعالى ( وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ ) : هو غروب الشمس إذا جاء الليل، إذا وقب .
قيل عن مجاهد في قوله تعالى (غَاسِقٍ ) : الليل، وقيل في قوله ( إِذَا وَقَبَ ) : إذا دخل، وقيل عن الحسن في هذا الآية : الليل إذا أقبل، وقيل أيضا عن الحسن في نفس الآية الكريمة : إذا جاء، وقد قيل عن ابن عباس في قوله تعالى ( إِذَا وَقَبَ) : إذا أقبل.
وقد قال بعضهم : هو النهار إذا دخل في الليل، وقد ذكر عن ذلك، قول محمد بن كعب القُرَظِيّ في قوله تعالى ( وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ ) : هو غروب الشمس إذا جاء الليل إذا وجب، وهناك من روى عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال في قوله تعالى ( وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ ) : ” النجم الغاسق ” .
وقد قال آخرون هو الكوكب هو الثُّريا، وقد ذكر عن ذلك أبي هريرة حيث قال في قوله تعالى ( وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ ) : كوكب، وقال ابن زيد في قوله تعالى ( وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ ) : كانت العرب تقول “الغاسق” : سقوط الثريا، وكانت الأسقام والطواعين تكثر عند وقوعها وترتفع عند طلوعها .
وقال آخرون القمر حيث قال ثنا أبي ويزيد بن هارون في قوله تعالى (وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ) : القمر، وقيل عن عائشة : أخذ النبيّ صلى الله عليه وسلم بيدي ثم نظر إلى القمر، ثم قال ” يا عائِشَةُ تَعَوَّذِي باللهِ مِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إذَا وَقَب، وَهَذَا غاسِقٌ إذَا وَقَبَ”، وقال ابن حُمَيد في حديثه : قالت: أخَذَ النبيّ صلى الله عليه وسلم بيدي، فقال: ” أتَدْرِينَ أيَّ شَيءٍ هَذَا؟ تَعَوَّذِي باللهِ مِنْ شَرِّ هَذَا؛ فإنَّ هَذَا الْغاسِقُ إذَا وَقَبَ” .
وقد رجح أبو جعفر الطبري أن التفسير الاقرب إلى الصواب أن الله تعالى في هذه الآية أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يستعيذ من الغسق حسب قوله تعالى ( وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ )، وهو الذي يُظْلم، حيث يقال: قد غَسَق الليل يَغُسْق غسوقا : إذا أظلم، وقوله تعالى ( إِذَا وَقَبَ ) : إذا دخل في ظلامه غاسق، والنجم إذا أفل غاسق، والقمر غاسق إذا وقب، معنى وقب : ذهب.
وقيل عن قتادة في قوله تعالى ( َاسِقٍ إِذَا وَقَبَ ) : إذا ذهب ولست أعرف ما قال قتادة في ذلك في كلام العرب، بل المعروف من كلامها من معنى وقب : دخل.
تفسير القرطبي
فسر شمس الدين القرطبي بقوله تعالى : (ومن شر غاسق إذا وقب)، وقد اختلف فيه فهناك من قال أنه الليل، والغسق : أول ظلمة الليل، وهناك من يقول : غسق الليل يغسق أي أظلم ، وقد قال ابن قيس الرقيات : إن هذا الليل قد غسقا واشتكيت الهم.
وقال كل من ابن عباس والضحاك وقتادة والسدي في قوله تعالى (ومن شر غاسق إذا وقب): أظلم، وقالوا أيضا قاله ابن عباس : نزل، وهناك من يقول أن ذلك هو وقب العذاب على الكافرين، وقد قال أحد الشعراء : وقب العذاب عليهم فكأنهم لحقتهم نار السموم فأحصدوا
وقد قال الزجاج في قوله تعالى (ومن شر غاسق إذا وقب): الليل غاسق لأنه أبرد من النهار، وقيل عن قتادة : إذا وقب إذا غاب، وقيل عن عائشة (أن النبي صلى الله عليه وسلم نظر إلى القمر وقال : ” يا عائشة ، استعيذي بالله من شر هذا ، فإن هذا هو الغاسق إذا وقب ” .
**************************************************