كتابات ساخرة قصص قصيرة جدا لجميل حمداوي 2
31- أسئلة....!
ألقى رئيس البرلمان كلمة رائعة بمناسبة اختتام الدورة التشريعية الصيفية الثانية ، هنأ فيها البرلمانيين وفئات الشعب المخلصة على ثقتها في مرشحيها النزيهين، فقال بصوت مرتفع وبحماسة زائدة وتفاؤل كبير بمستقبل مشرق وغد معسول:" هذه السنة حققنا أكبر إنجاز تشريعي في العالم العربي لم تحققه البرلمانات العربية ولا الغربية .... طرحنا على وزرائنا المجتهدين مائة مليون سؤال، أجابوا عن سؤال واحد، فلم يستطيعوا الإجابة عن الباقي... لقد أفحمنا الحكومة، وبهذا حققنا انتصارا مشهودا سيسعد الشعب الوفي..."
32- الرياضة....!
قال المعلق الرياضي المغربي في نشرة الأخبار الأخيرة:" لقد انهزم فريق أسود الأطلس في كأس أفريقيا بسبب الحرارة المفرطة، وانهزم أمام روسيا بسبب البرودة القارسة، وانهزم أمام الجزائر بخمسة أهداف لصفر بسبب الإرهاب المرتقب، وانهزم في عقر داره بسب انحياز الحكم إلى الفريق الخصم..."
33- المناضل
وضعوه في السجن منفردا،
أجلسوه على القنينة الحمراء!
علقوه كالشاة المسلوخة...!
وشموا جلده!
كهربوا دماغه...!
قيدوا عضلاته...!
قطعوا لسانه...!
أحرقوا يديه... !
فقأوا عينيه!
مزقوا كتبه وأوراقه....
وبعد ذلك، سفروه على وجه السرعة ليلتحق بالآخرين...
34- السراب...!
تخرج من الجامعة دكتورا في الأدب العربي بدرجة مشرف جدا...
تأبط شهادته بزهو وفرح كبير....
خبأها في محفظة جلدية فاسية زاهية...
كان الوقت صيفا قائظا....
مر قرب برلمان الشعب....
فلاحظ آلافا من العاطلين وحملة الشواهد العليا يفترشون الثرى بدون انقطاع...
كان الهجير متقدا بشعل اللظى المحرقة
أحس بالعطش الشديد
لحظة، رأى ماء مهرقا في وسط الشارع،
أسرع مهرولا ليروي ظمأه،
وجد الماء قد تحول إلى سراب واهم،
افترش شهادته الكبيرة حصيرا لينام مع العاطلين...
35- السراويل...!
اشترى الزوج ثلاثة سراويل جديدة، بعد أن تقادمت كل سراويله الثلاثة التي كان يستعملها...
واستعطف زوجته الثالثة كثيرا راجيا منها أن تنقص ثلاث سنتيمترات من طول السروال...
وافقت الزوجة الطيبة المطيعة بكل تأكيد، وابتسمت لزوجها ثلاث مرات...
فانتظر الزوج ثلاث سنوات، فمزق السراويل الثلاثة... وسرح المرأة الثالثة بعد أن طلقها بالثلاث...
36- عولمة...
صفق الجميع للعولمة عندما ظهرت لأول مرة بلباسها الفاتن الزاهي، وتحولت إلى امرأة متبرجة بسيقانها العارية، فصارت في مدة قصيرة ملكة جمال العالم، عشقها الملوك والرؤساء والأمراء، تزوجها البعض، وطلقها البعض، ولكنها في الأخير انكشفت عن حقيقتها، فصارت غولمة فظيعة، فزرعت فيروس السيدا في كل من فض بكارتها وجامعها بلا استحياء...
37- قصص قصيرة جدا
احتج التلاميذ داخل الفصل، وصرخوا في وجه أستاذ العربية الذي تخشب في المؤسسة مدة أربعين سنة وما بدل تبديلا. احتج الطلبة صارخين يائسين، فنددوا بالمقررات الدراسية الزائفة التي لا تنتهي، قالوا بصوت مرتفع:" نحن في زمن العولمة، نحن في زمن الساندويتش ولهامبورغ، نحن في زمن الثورة الرقمية، اتركونا من الكتب الورقية الصفراء، وأريحونا من جنس الرواية وقراءة النصوص المسترسلة، لا نريد سوى قصص قصيرة جدا".
38- عطل....!
عاد التلاميذ إلى مدارسهم متأخرين، فضيعوا لذة الخريف، ولما استعدوا للدراسة، أضرب الأساتذة شهرا.... فضيعوا دفء الشتاء...
عاد التلاميذ مرة أخرى إلى مدارسهم، حمدوا الله أنهم درسوا أسبوعا، فاستراحوا بعد ذلك شهرا لكثرة العطل الدينية والوطنية... فاستفادوا من عطلة الربيع.
تأهبوا لاستكمال دراستهم، فتغيبت أستاذة حامل حولين كاملين، وتبعها الآخرون في رخص مرضية واستثنائية طويلة الأمد، فانتهت السنة بامتحانات ماراطونية فيها استراح التلاميذ من قبل ومن بعد، وتأهبوا لعطلة الصيف مبتهجين بشواهد النجاح المتميزة...
39- قمامات الأزبال
في مدينة مهمشة نائية، إذا أردت أن تعرف عنوان صديقك العزيز، فما عليك سوى أن تلبس كمامات الغاز لتستمتع بالروائح الطيبة المستوردة من أحسن الأسواق العالمية، فاعبر أولا قمامة البستان، وثانيا قمامة الكلاب، وبعد ذلك، قمامة القطط، وقمامة الجوعى، لتتجه حيال قمامة أخرى، فهناك قرب القمامة الصغرى قمامة كبرى، فاعبرها ببطء لكي لاتقع في أعماق هذه القمامة فتسقطك في قمامات أخرى أنت في غنى عنها، واسرع بعد ذلك إلى القمامة المحاذية للمسجد، فستجد قمامة الجيران، وقربها مباشرة قمامة وارفة الظلال تغطي بيت صديقك...
40- كرسي الاحتياط
خسر الفريق معظم مبارياته في كرة القدم، اشترى نادي الفريق لاعبا أجنبيا بملايير الدولارات أنهكت خزينة الدولة الفقيرة عقدا من الزمن، هاتف الوزراء المدرب قبل بداية المباراة بأسبوع، هددوه ووعدوه وسوّفوه، خسر الفريق المقابلة الأخيرة، لأن المدرب فوض الأمر لأولاد الوزراء والوكلاء والرؤساء، وترك اللاعب المستعار يفترش كرسي الاحتياط...
41- الامتساخ
دخل أستاذ التربية الإسلامية يوم الجمعة إلى فصله كعادته، فاندهش هذه المرة حائرا، فحدث نفسه: " هل يتقدم أم يتراجع؟! " ...
التلاميذ كلهم امتسخوا وتوشموا و استنسخوا ، تحولوا في زمن الغولمة إلى تلميذات يانعات، وورود ناضجة، وزهور متفتحة، شعور ملونة شقراء، وخواتم مذهبة، وسلاسل لامعة، ومشية مدللة، وأقراط ملونة، ووجوه مصبوغة، ورموش مكحلة، وجلود مصطنعة، وسراويل ضيقة ممزقة، ونهود بارزة، وعدسات ساطعة.
42- الميراث
ماتت أمهم منذ عقد من الزمن، فمنع الأولاد أباهم من الزواج كي يرثوا عقاره ومنقولاته. انتظروا موت أبيهم، فلم يمت. مات الأولاد كلهم، فورثهم أبوهم ... وتزوج بعد ذلك بشابة يانعة ظلت تدلكه صباحا ومساء طمعا في موته وميراثه.
43- الطمع
سافر شاب عاطل إلى الخارج، فتزوج عجوزا نصرانية كثيرة الثراء، تملك الكثير من الأبقار والخرفان والخنازير والدجاج، ماتت هذه المواشي كلها فلم تمت العجوز، فطلقها الشاب العاطل بالثلاث ليبحث عن عجوز غنية أخرى.
44- الموت
فوق سريره الحديدي، كان الداء يصارع أجله بشدة بعد هزال مزمن لم ينفع معه دواء. انتصر عليه الموت المحتوم، فأوقعه كسيرا منبطحا على الأرض. زاره طائره الأبيض، عانقه عن حب وشوق. حمل الداء المحموم حقيبته، فودع المكان، وركب بسرعة ظهر طائره.
45- كتابات ساخرة
كلهم كانوا يضحكون ملء ذقونهم في الشارع الرئيسي من المدينة الكبرى مثل الحمقى والمجانين، وفي أيديهم كتابات ساخرة، تجمهر الناس حولهم، اندهشوا وتعجبوا واحتاروا، تفقدوا الأمر، فوجدوهم يقرأون القصص القصيرة جدا...
46- زواج متأخر...
تزوج لأول مرة بعد خمسين سنة تحت طلب الأسرة الملحاحة، انزوى العريس منطويا على نفسه، فتزوجت العروس الجميلة أمه الشمطاء وأباه المغلوب على أمره...
حبكت الأم العقدة على عادتها، وخلقت الذروة، وطرحت لقصتها مجموعة من الحلول، فاختارت لبدايتها خاتمة الطلاق...
اختارت الأم لوحيد زمانها ... عروسا جديدا على مقاسها. لكن العريس لايحبها ، فمات كمدا من شدة الخيبة والحسرة....
لكن العروس الجديدة بدورها حبكت القصة بإتقان، فبسطت العقدة، ولم تعقد الذروة، بل ختمتها بضربة المطرقة على رأسيهما، فسفرتهما إلى حضر موت على وجه الاستعجال...
47- الندوة
بعد ندوة فارهة استمرت ثلاثة أيام متتابعة، استدعي لها المثقفون والوزراء ورؤساء المصالح والأقسام ، وضعت الموائد الفاخرة، ووزعت مشروبات الروح، وتحلق هؤلاء كالجراد حول صحون الخرفان المشوية، والدجاج المحمر، والأسماك الطرية...
ألقى رئيس الندوة كلمة طويلة في الإشادة بنجاح الندوة التاسعة والتسعين التي كان موضوعها:" تخليق الدولة"، فهرّب النمل الجائع الصحون بما فيها، وبقي المدعوون مندهشين...
48- الحمامة...!
أسقط الذئب الحمامة...
و نهش عظامها الطرية...
فكفنها الجميع...
ثم شيعوها بالحزن والأسى...
وكان الثعلب أول المشيعين...
49- مجرد حلم
لم يكن سوى موظف بسيط في الدولة، نجح في الانتخابات التشريعية ؛لأنه المتعلم الوحيد في تلك البلدة النائية...
أطعم الناس بالوعود المعسولة وكثرة التسويفات المأمولة .. ، فعينوه وزيرا للمالية في سنوات الجفاف العاتية ليحافظ على العملة المهربة وعائدات الجالية. لكنه هرّب الخزينة إلى بلاد الصقيع، بعد أن تخلص من زوجته الأولى وقروضه الصغرى والكبرى...
لكن جمارك الحدود سلسلوه والمخبرون طوقوه والقضاة أعدموه...
وعندما استفاق لم يكن سوى مجرد حلم...
50- النياشين
زينوه بالنياشين وشواهد التقدير والتكريم ، وأتخموه بالكلام المعسول، فدفنوه عاريا تنهشه الديون الجائعة...
51- سيارة
تألم لها كثيرا، وأحس بها مرارا وتكرارا أثناء الطريق الملتوي المحفور إلى درجة الهوس والجنون، توجع لها أيما توجع، لم يفضل أحدا عليها في حياته، ولم يحب أي فرد من أفراد أسرته كما أحبها، خصص لها كامل أجرته، زينها بأحسن زينة، وغسّلها بأحسن أنواع المنظفات، وعطرها بأنفس الروائح الطيبة، ولمّعها بأحسن الأحجار الكريمة .... لم تكن عشيقته سوى سيارته...
52- الجارة...
استعارت منها الجارة مقلاتها الجديدة المفضلة أثناء عيد الفطر لإعداد الفطائر لضيوفها القادمين، فأرجعتها صفيحة صدئة في عيد الفطر القادم...
53- صلة الرحم
كان رجلا بخيلا، كثير الجاه والغنى، لم يكن هناك أحد أكثر منه تفقدا لأحوال الناس، يكثر يوميا صلات الرحم ، يزورهم في الفطور والغذاء والعشاء، فأصبح أشعب زمانه بعد أن امتلأت خزائنه وتكدست...
54- الممنوعات...
هرّب الممنوعات، وخدر الناس، لكنه لم يعرف أنه في تلك اللحظة قد قتل أولاده...
55- الحذاء الرائع
حينما عجز قادة البترول عن مواجهة طواغيت U.S.A ببطونهم المنتفخة، وعمائمهم المقعرة، وعجائزهم البارزة، أسكت ابن الرافدين بكل شجاعة وجرأة ثعلب التكساس الماكر بضربة حذائه الرائع...
56- الثمن ....
اشترى كل بضائع الصين الرخيصة المعروضة في السوق ، وفرح لذلك كثيرا... وبعد يوم من الاستعمال، تبخرت تلك البضائع....
57- أبقراط....
زار وزير الصحة كل مستشفيات البلد، فلم يجد أبقراط ، بل وجد هيبوقراط Hypocrite...
58- المستشفى
قررت وزارة الصحة في المستقبل القريب أن تجري عمليات جراحية لكل أسرة المستشفيات المعوقة، وأن تخيط بالتدريج جميع جيوب أطرها المثقوبة، وترقع جميع الآلات المعطوبة... وقبل أن يتحقق ذلك، طالبت وزارة الصحة من المرضى أن يحضروا حصائرهم على وجه الاستعجال ليفترشوها...
59- الفن التشكيلي
عرض الفنان التشكيلي كل لوحاته التشكيلية ذات المنحى التجريبي الحداثي، فلم تكن اللوحات سوى إطارات فارغة، أما المعرض فلم يكن غير قمامة لأكبر نفاية في البلد...
60- في بطن الحوت...
ودع يونس والديه بعد أن باع كل أملاك أسرته، فحمل حقيبته ليتجه نحو الضفة الأخرى، ثم ركب القارب مع ألف مهاجر تقاطروا من مناطق شتى. تلذذ بأحلامه المعسولة. وبعد لحظة، تلقاه السراب بالحضن، فوجد نفسه في بطن الحوت....
**************************************************