شذرات من الحياة
قالت لي :
أمنياتنا خبيئات العمر لنا ...
ستتحقق حينما تورق أعمارها...
فسارع لسقيها قبل احتضان
أجداثها قهرا .
قلت لها :
تلك الأمنيات تعاني المخاض ...
فهي :
حبيسة الأقدار تتهادى بين
التحقق وبين المخبوء في
طيات الغيب المحجوب ....
من هنا :
كان على العاقل جعل الأمنيات
تلك النوافذ التي منها يتنفس
جميل الحياة .
قالت لي :
لستُ أعي من تفاصيل النهار سوى
اغفاءة وسن لملمت بها بعض عطر
قبل الشتات .
قلت لها :
تبقى تلك المشاعر عبق الحياة
بها ومنها نخرج من ضيق
البلايا لفضاءات السعادة ....
فهي :
لنا طوق نجاة إذا ما تكالبت
علينا المنغصات وعظيم الرزيات.
قالت لي :
ماذا أبقيت للأمل بعدما
تقادمت بكَ الذكريات حتى
باتت مهجورة بين أعشاش
الغياب وكهوف المستحيل ....
قلت لها :
لا زلت اتنفس ذلك الأمل وما
كنت يوما لأفقده أو أن ألقي به
في غياهب الغياب ...
وعن :
ذاك المستحيل ما يكون ليكون
في قاموس حياتي التي أعيش
تفاصيلها...
فأنا :
الذي يسوق السعادة لأخرج بها
من زنازين الأحزان .
قالت لي :
لم يتبقى سوى الحنين ...
ورفات ذكريات لملمتها
وحفظتها بين أجفاني
والعيون ...
استحضرها :
عبق وردة وقلب يتهتك
من وخزات موتٍ لا يبيين.
قلت لها :
تناثر الوجد على ورق
الاشتياق قطرات ...
وطارت في سماء الوجود
الباقيات من الذكريات ...
أتركي :
البكاء على ضريح الأسى
وافتح لروحك باب الأمل
وفك عنها ثقيل المهلكات.
قالت لي :
ليس هناك شروق ولا غروب
في سمائي بعدما اكتظت السحب
ركاما تتكالب رمادية ...
حتى :
ضاقت بها الغيوم فهطلت
دموعا بركانية .
قلت لها :
ستنقشع تلك الغيوم
حين تأتيها رياح السكون ...
فتذهب :
لتأتي بعدها الغيوم المحملة
بأمطار السعادة لتخصب بها
أرض الرجاء فتعود مروجا
كما كانت حين كنتَ عاشقا
للوجود .
قالت لي :
لا تمزقني بين انياب الانتظار
وبراثن الصبر ...
كل :
ما أريده بقايا حلمي اتوسدها
حنينا وألثم ما فيها من عطر .
قلت لها :
حين تحاصرني ذكراكم ألوذ
فرارا نحوكم...
أمسح :
عن عيني دمع فقدكم ...
وألطم :
خدّ الزمن أرثي مصابي
بكم .
قالت لي :
أتلحف الهجير بين كفي المساء ...
وأتوسد الألم بين شوارد التأبين ...
لعل :
ذاكرتي تغفو على رسمك
وإن كانت عنه تبين.
قلت لها :
كم للمساء من أليم غصة
تخنق الصبر الجميل ...
أتقمص :
فيه دور الراهب الذي طلّق
الدنيا وعاش العمر في قبر دفين ...
أمسيت :
جسدا يعبر الحياة والروح تسكن
في برزخ الموت الذي يُراودني كل
حين .
قالت لي :
على سبيل الجنون ...
بللّت :
ذاكرتي بكَ واعتناقا ...
فتاهت :
بين الدروب اشتياقا
بعدما مزّقتني أحداقك ارتيابا ...
هب :
لي منك بعضا لا أمله
استكنانا.
قلت لها :
وهل يكون مني غير ذاك الجنون ؟!
حين أمشي والعقل يسرح في وادٍ سحيق ...
ألهث :
خلف صدى صوتك ...
أجري وشوقي يسبقني إليك..
حتى إذا ما أدركتك تيقنت أني
أطارد طيفك وأن وصولي
إليك ضرب المستحيل .
قالت لي :
تتعدد الملامح وتتلون نضرة ورهقا ...
وأملاً ووجلاً ... ترتقب المارة لعل
مقصودها يأتي ... قد مللت الجادة ...
ومللت نظرات الوجع في العيون المارقة
استرحاما.
قلت لها :
تعدو لحظات الوَجَد تطوف بزحام المارة
المكتظ ... تستعطف الرحمة من مكنونات البشر ...
تلك الكوامن في نياط المجهول تجري تنادي الشهود
للخلاص المنشود .... تبقى عوالق المستقبل منصوبة
ومصلوبة في أعمدة المخوف من قدر مكتوب .
قالت لي :
قد نلتقي ذات قدر ...لنُرّقم الأحلام التي مارسناها
وسنا ... على عباب البحر عنوانا .
قلت لها :
تبقى أمنية نتحايل بها من دوامة القلق ...
فتلك بوارق المستحيل تُرسل شرارة الفقد الأكيد ...
من ذلك نبعث الأحلام على بريد الأمنيات ونحن نيام ...
لعلنا نصحو على واقع جميل .
قالت لي :
تلك المسافات تدنو كلما تقاربت الأرواح ...
وتتقلص بينها الأزمنة لتصبح مجرد غفوات ...
هي الأرواح تحيا وتموت قبلها المساحات ...
اقترابا.
قلت لها :
هي الأرواح قد جُنّدت فما تعارف منها اتلف ...
وما تناكر منها اختلف ... لتكون على شفى جُرف
هار يوشك أن ينهار عليها... فدع الأروح تمضي في
سبيلها والله الذي يصطفي منها ما يشاء ويختار .
قالت لي :
ليست الحسرات سوى بقايا أمنيات
تلاشت بين رحى الأيام حين تناثرت
بين يدي أقدارنا عنوة بعدما نثرت ازيز
ملامحها عبقا .
قلت لها :
ما بين حشرجة الحسرات وبقايا الأمنيات
مسافة " أمل " تُطوق رقبة " التشاؤم " ...
وما الرزايا التي تعتري أيامنا غير هدايا القدر .
قالت لي :
تختبئ الذكريات بين خوافي الألم ...
وتستطيل أمنياتنا كأذرع الحلم
لتعانق طيفا عيانا ... فبات سرابا كالعدم .
قلت لها :
عن ذاك الألم لا تَسَل ؛
يبقى ضريبة الواقع بعدما أعياه
ضرب معاول القدر ...
لنمضي :
في الحياة على أنغام الحُلم ...
نتأمل أطياف من نُحب إذا ما
زارنا على عجل ...
لنُدعه :
بعدها إذا ما طيفه أفل .
قالت لي :
كيف لي انتزاع ملامحك المتناثرة
حولي كأثير عطرك حين اللقاء ؟!
قلت له :
وكيف الخلاص ؟!
ممن تجذر في الروح محبتهم ...
وفي القلب لهم مستودع وسكن....
يبقى حبهم خالدا وإن كان الموت
يعدو خلفنا على مهل ...
دعيني :
أطل عليكِ من نافذة الأمل
لأبقى متنعما بقربكِ فذاك
هو النعيم في الأزل .
قالت لي :
وخزات الحنين تنبش قبور الوجع
لتذر رمادها على أعين الهجوع شهدا ...
لتكون أيها القلب وحيدا فردا .
قلت لها :
على رصيف الحنين نسُّف
قفار الانتظار ...
وننسج :
خيوط الأمل لننشرها
على جموع العالمين ...
نطير :
بأجنحة العشق فنغوص
في العمق لنعيش السعادة
باقي العمر .
قالت لي :
بعض الاشتياق شتات .
قلت لها :
في ذلك الشتات توجد الحياة ...
لأن فيه ولادة اللقاء بعد طول انتظار .
قالت لي :
بعض الاشتياق سكن ... وبعضه حلم يُمزق
مُهج الرُقاد ببراثن الألم قهرا .
قلت لها :
هي لهفة الملتاع من كواه السهاد ....
يرقب نُجوم الليل بعدما جفاه النوم ...
هو الصبر :
نُداوي به جراح الأمس ...
ولنلملم به شتات البُعد .
**************************************************