ظِلالُ التيّه.
من فرطِ ثُقل هذه الأيام على قلبي،
كأن يحولُ بيني وبين الراحة،
سيلاً جارِفًا من شِتات الفكر،
الغارِق في غياهب الأرق،
ذلك السيل غير قابل للصرف على الإطلاق،
فقد كانت مُتأصِلة جذوره في ذاكرتي المأهولة بالتيّه،
سكَنت روحي قوافِل هائلة من الشُرود الذهني،
والتخبُّط الشعوري المحشوّ بِمزيج من الوعي واللاوعي،
كيف يغتالني البؤس في أقل من مِقدار دمعة وغفوة!
باتَ عقلي مُسلفًا من الإجابة عن تساؤلاتي،
التي تُنجب في داخلي في غُصونِ دقيقة ألف مرّة،
من يُقيم سدَّ جِدار روحي المُتهالكة المُتعبة،
التي أوشكت على أن تنقُض؟
لولا أن تداركه لُطف الله،
من يُعيد ترميم الخراب،
الذي إستحوذ مدًا عظيمًا من مساحات قلبي؟
أنا بالكاد أقوى على إحتواء شيئًا من حُزني،
ضاقَ بي الأمر ذرعًا حدّ الإختناق،
هذه اللحظات مُثيرة حقًا لِشهوة النحيب،
ففيض الشُعور الكامن في أعماقي يُبكى،
تُرى هل يمتلئ الفراغ المملوء باللاشيء؟
هل يتّكئ الورق على الرياح العاتية؟
هل تغوص النُطفة التي لم تطأ
رحمِ أُمها بعد في بحرٍ من العدم؟
هل يعتذر المُدخن لعُلبة سجائره،
بعد أن أرداها في نهاية النشوة أرضًا
إلى أعقابِ لُفافة تبغ تُداس تحت الأقدام؟
هل يلومُ مدمن الكافيين القهوة على مرارتها،
بعد أن إستمتع بِرشفها في جوٍ من الهدوء؟
هل يأبه أحدٌ في العالم عن تلك الوِحدة التي
فيها الإطار الخشبي المُهترئ للصور العائلية؟
هل تتحول مشنقة الموت إلى أرجوحة الحياة؟
لقد تجمّد الوقت،
أصبحَ خاملاً بِجدارة،
بدا الأمس يُعيد نفسه كُل يوم،
أعيش أيامًا منسوخة الأحداث،
منزوعة الطمأنينة،
تفيضُ العُزلة في روحي حدّ البرودة،
وتُهشّم أطرافي المُتعبة،
وتنهشها كـ وباءٍ حلََّ بِقريةٍ منكوبة،
فقضى على من كان فيها،
إنعدمت لهفتي حدّ الموت، حدّ الفناء،
من ينفثُ من كيرٍ نبض البقاءِ نفسًا،
ليُعيد إحياء رغبة العيش فيَّ من جديد؟
جميع التساؤلات تُصدح بِترانيم الوجع،
من خلف شِفاهٍ باردة نال منها سقمُ الحياة،
لقد طُبع الشقاء قُبلةً سوداوية على جبين هذا الكون،
باتت ندبةً لا يختفي أثرها،
ولا تندثرُ طبعتها الجاثية مع مرور الزمن،
ولا بِقطع مسافات واسِعة من النسيان.
- أعيشك.
**************************************************
