(المحرقة) الجواهري
أحاول خرقاً في الحياة فما أجرا وآسف أن أمضي ولم أبقِ لي ذكرا
ويؤلمني فرط افتكاري بأنني سأذهب لا نفعاً جلبت ولا ضرا
مضت حجج عشر ونفسي كأنها من الغيظ سيل سُدّ في وجهه المجرى
خبرت بها ما لو تخلدت بعده لما ازددت علماً بالحياة ولا خُبرا
ألم ترني من فرط شط وريبة أُرِي الناسَ حتى صاحبي نظراً شزرا
******
لبست لباس الثعلبيين مكرهاً وغطيتُ نفساً إنما خُلقت نسرا
ومسّحت من ذيل الحمام تملقاً وأنزلت من عليا مكانته صقرا
وعدت مليء الصدر حقداً وقُرحة وعادت يدي من كل ما أملتْ صفرا
أقول اضطرارا قد صبرت على الأذى على أنني لا أعرف الحر مضطرا
وليس بحر من إذا رام غاية تخوّفَ أن ترمي به مسلكا وعرا
مشى الدهر نحوي مستثيراً خطوبه كأني بعين الدهر قيصر أو كسرى
وقد كان يكفي واحد من صروفه لقد أسرفت إذ أقبلت زمراً تترى
شربت على الحالين بوسٍ ونعمة وكابدت في الحالين ما نغّص السكرا
حُبيت بنُدمان وخمر فغاضني بأنيَ لا ملكاً حبيت ولا قصرا
ولو بهما مُتعت ما زلت ساخطاً على الدهر إذ لم يحْبُني حاجة أخرى
فما انفك حتى استرجع الدهر حلوه وحتى أراني أنني لم أذق مرّا
وجوزيتُ شراً عن طموحي فها أنا برغمي لا خلاًّ تخذت ولا خمرا
فإن يُشمِت الأعداء أخذي فلم أكن بأولَ مأخوذ على غرة غدرا
وإن تفترسني الآكلات فبعد ما وثقت بها فاستلّت الناب والظفرا
وإن تُلهبِ الشكوى قوافيّ حرقة وغيضاً فإني قادح كبدا حرّى
وكنتُ متى أغضب على الدهر أرتجل محرقة الأبيات قاذفة جمرا
كشأن " زياد" حين أُحرجَ صدره وضويق حتى قال خطبته البترا
أو " المتنبي " حين قال تذمرا " أفيقا خُمارُ الهم بغّضني الخمرا "
وما زلت ذاك المرء يوسع دهره وأوضاعه والناس كلهم كفرا
تحولت من طبع لآخر غيره من الشيمة الحسناء للشيمة النكرا
وكنت وديعاً طيب النفس هادئاً فأصبحت وحشاً والغاً في دم نَمرا
فلو دبّر الباغون للكيد خطة رأوا أنني منهم بتدبيرها أحرى
ولو ملك " قارونٍ " ملكت دفعته على كره بعض الناس بعضهم أجرا
********
رأيت من الإنسان يطغيه عجبه من الخزي ما تأباه وحشية تَضرى
إذا أُغريتْ هذي بأكل فريسة فهذا بأ يلهو بتعذيبها مُغرى
أتعرف كم من أصيد ممتلٍ قهرا وكم حُرة تشكو ومن حولَها الفقرا
لينعم من إن عاش لم يُدرّ نفعه وإن مات لم يعرف له أحد قبرا
أتعرف ما يأتيه في السر ناصبٌ على العين منظاراً على الناس مغترا
يقلبه بين الجموع دلالة على أنه أذكى من الناس أو أثرى
وما ميزته عن سواه فوارق سوى أنه قد أتقن الرقص والزمرا
وهب أنه قد أُلهم العلم كله وحلّلّ حتى الجوهر الفرد والذرّا
وكان " شكسبيرٌ " خويدم شعره وكانت لُغى الأكوان تخدمه نثرا
فهل كان حتماً أنني أنحني له وتصطك مني الركبتان إذا مرّا ..!
ألم يدري هذا " الكوكب "! الفذ أنه كما كان حراً كان كل امرئٍ حرا
ذممتُ مقامي بالعراق وعلّني متى أعتزم مسراي أن أحمد المسرى
لعلي أرى شبرا من الغدر خالياً كفاني اضطهاداً أنني طالبٌ شبرا
**************************************************