قالوا عن الدنيا
يا ابن آدم:
أين الأولون والآخرون، أين نوح شيخ المرسلين، أين إدريس رفيع رب العالمين، أين إبراهيم خليل الرحمن، أي موسى الكليم من بين سائر النبيين، أين عيسى روح الله وكلمته رأس الزاهدين، وإمام السائحين، أين محمد خاتم النبيين، أين أصحابه الأبرار، أين الأمم الماضية، أين الملوك السالفة، أين القرون الخالية، أين الذين نصبت على مفارقهم التيجان، أين الذين قهروا الأبطال والشجعان، أين الذين دانت لهم المشارق والمغارب، أين الذين تمتعوا باللذات والمشارب، أين الذين تاهوا على الخلائق كبرا وعتيا، أين الذين راحوا في الحلل بكرة وعشيا، أين الذين اغتروا بالأجناد، أين أصحاب الوزراء، والقواد، أين أصحاب السطوة والأعوان، أين أصحاب الإمرة والسلطان، أين أصحاب الأعمال والولايات، أين الذين خفقت على رؤوسهم الألوية والرايات، أين الذين قادوا الجيوش والعساكر، أين الذين عمروا القصور والدساكر، أين الذين أعطوا النصر في موطن الحروب، والمواقف، أين الذين آمنوا بسطوتهم كل خائف، أين الذين ملأوا ما بين الخافقين فخرا وعزا، أين الذين فرشوا القصور حريرا وقزا، أين الذين تضعضعت لهم الأرض هيبة وعزا هل تحس منهم من أحد، أو تسمع لهم ذكرا، أفناهم الله مفني الأمم وأبادهم مبيد الرمم وأخرجهم من سعة القصور إلى ضيق القبور تحت الجنادل والصخور فأصبحوا لا ترى إلا مساكنهم لم ينفعهم ما جمعوا ولا أغنى عنهم ما اكتسبوا، أسلمهم الأحباء والأولياء، وهجرهم الإخوان الأصفياء، ونسيهم الأقرباء والبعداء، لو نطقوا لأنشدوا:
مقيم بالحجون رهين رمس
وأهلي راحلون بكل واد
كأنّي لم أكن لهمو حبيبا
ولا كانوا الأحبّة في السواد
فعوجوا بالسلام فإن أبيتم
فأوموا بالسلام على البعاد
**************************************************