الشاعر المتمرد بشار بن برد
محمد إبراهيم أبو سنةبشار بن يرجوخ من كبار شعراء الدولة العباسية الذي مثل بشعره وحياتهومواقفه ظاهرة تدل على العصر الذي نشأ فيه فقد ولد هذا الشاعر في نهايةالقرن الاول الهجري وكانت شمس الدولة الاموية تؤذن بالافول، وقد عاصر فيمطلع شبابه موقف الدولة الاموية من تعصب للعرب على حساب العجم، وكان بشارفارسيا من ناحية آبائه واجداده، وقد ذكر الاصمعي له ستا وعشرين جدا اعجمياوكان مولى لبني عقيل من ناحية ابيه او من ناحية امه او من الناحيتين طبقالروايات متعددة وكان بشار قد ولد اعمى، وان كان قد رضي عن هذه العاهة بعدان خبر الدنيا وقال: انها تحجب عني رؤية ما اكره مما يدل على ان من كانيكرههم يفوقون بكثير من كان يرغبهم من اهل عصره ثم ان بشار بن برد كاندميم الخلقة ضخم الجسم جريئا في الاستخفاف بكثير من الاعراف والتقاليدنهما مقبلا على المتعة بصورها المتعددة الخمر والنساء والغناء، عاش بشاربن برد ما يقرب من سبعين عاما قبل ان يقتله الخليفة العباسي المهدي متهمااياه بالزندقة وكان بشار الى جانب جرأته في غزله يهجو من لا يعطيه وكان قدمدح الخليفة المهدي فمنعه الجائزة فأسرها بشار في نفسه وهجاه هجاء مقذعابل وهجا وزيره يعقوب بن داود وافحش في هجائه لهما فتعقبه الخليفة المهديواوقع به وقتله.
كان بشار يسخر من عصره انتقاما لاحتقار بني جنسه من الاعاجم ايام بنيامية، فلما جاءت الدولة العباسية قرب الفرس اعترافا بدورهم في القضاء علىالدولة الاموية أساء بشار فهم الحرية والعصر الجديد ويبدو ان عاهته وقبحهكانت كلها وراء هذه الجرأة في التهام الحياة والاقبال عليها والتنعم بهاغير مبال بشيء وكأن حياته كلها ليست الا ردا متماديا في القسوة علىالرزايا التي وجد نفسه مقيدا بنارها، روى بشار عن نفسه انه انشد اكثر مناثني عشر الف قصيدة ولكن ما وصل الينا من شعره لا يرى في هذا القول سوىمبالغة هائلة فشعره ليس كثير او يعلل بعض من يرون ان ما وصل الينا اقلبكثير مما قاله بشار.
ان الرقابة الدينية والسياسية والاجتماعية في عصره قد حذفت كثيرا من شعره بعد وفاته وهو متهم في معظمه خاصة في الغزل والهجاء.
عرف بشار بن برد ان الاقبال على الحياة يكلف المرء مالا كثيرا فأصبح شعره يتردد بين عدة اغراض منها:
الغزل وهو يعبر عن فتنته الحسية بالنساء خلال مخالطة وخبرة فقد كان يجلسفيما يشبه الصالون العصري يتقبل النساء الراغبات في سماع شعره او المغنياتاللواتي حفظن هذا الشعر ليتغنين به والغرض الثاني هو المديح فانه الوسيلةالتي يمكن ان تدر عليه المال الذي يحتاجه لينفقه في ملذاته ولذا كانمبالغا في مدائحه طمعا في رضا الممدوح لإغرائه بالعطاء والغرض الثالث هوالهجاء,, وكان بشار شديد الوطأة في هجائه خاصة على هؤلاء الذين يمتنعون عنعطائه وقد كان بشار يرتاد مجالس اللهو والغناء يقول في مغنية:
وذات دل كأن البدر صورتها
باتت تغني عميد القلب سكرانا
ان العيون التي في طرفها حور
قتلننا ثم لم يحيين قتلانا
قلت احسنت يا سؤلي ويا املي
فاسمعيني جزاك الله احسانا
يا حبذا جبل الريان من جبل
وحبذا ساكن الريان من كانا
قالت فهلا فدتك النفس احسن من
هذا لمن كان صب القلب حيرانا
يا قوم اذنى لبعض الحي عاشقة
والأذن تعشق قبل العين احيانا
فقلت احسنت انت الشمس طالعة
اضرمت في القلب والاحشاء نيرانا
فاسمعيني صوتا مطربا هزجا
يزيد صبا محبا فيك اشجانا
يا ليتني كنت تفاحا مفلجة
او كنت من قضب الريحان ريحانا
حتى اذا وجدت ريحي فأعجبها
ونحن في خلوة مثلت انسانا
فحركت عودها ثم انثنت طربا
تشدو به ثم لا تخفيه كتمانا
اصبحت اطوع خلق الله كلهم
لاكثر الخلق لي في الحب عصيانا
قلت اطربينا يا زين مجلسنا
فهات انك بالاحسان اولانا
لو كنت اعلم أن الحب يقتلني
اعددت لي قبل ان القاك اكفانا
فغنت الشرب صوتا مؤنقا رملا
يذكي السرور ويبكي العين الوانا
لا يقتل الله من دامت مودته
والله يقتل اهل الغدر احيانا
هذه الأبيات نموذج دال على غزل بشار بن برد هذا الغزل الذي يتسم بالرقةوالبساطة والحواريات التي تعبر عن شخصية اجتماعية تؤثر الجلوس والائتناسفي مجالس الغناء واللهو وقد ضمن بشار قصيدته بعض ابيات لجرير مثل البيتالثاني والبيت الرابع ويبدو ان بشار كان مولعا بجرير فقد حاول في مطلعشبابه ان يهجوه حين كان العصر عصر هجاء والمعروف بالنقائض بين جريروالفرزدق لكن جريرا استصغره ولم يرد عليه وقد تحسر بشار لان جريراً لم يردعلى هجائه لانه كان يطلب الشهرة حيث كان جرير شاعرا يملأ الساحة الشعريةالاموية ويبدو ان بشار ظل على حبه لجرير لانه طلب من المغنية ان تغنيابياته التي يقول فيها: ان العيون التي في طرفها حور قتلننا ثم لم يحيينقتلانا يبدو انه كان يتخذ هذا الحديث عن جرير تعلة لاعلان شأن نفسه، كماحاول ذلك في صباه فقد جعل المغنية ترد عليه في القصيدة فتقول له انهاستغني شعرا افضل من هذا وقالت البيت المشهور لبشار يا قوم اذني لبعض الحيعاشقة والاذن تعشق قبل العين احيانا وهكذا يظل بشار مفتونا بشعره وبالنساءوبالحياة التي اقتحمها معبرا عن الاقتحام ببيته الذي يقول فيه:
من راقب الناس لم يظفر بحاجته
وفاز بالطيبات الفاتك اللهج
وقد أخذ الشاعر سلم الخاسر هذا المعنى في الفاظ ابسط فقال:
من راقب الناس مات غما
وفاز باللذة الجسور
وقد عشق بشار بن برد امرأة يقال لها عبدة يقول فيها:
يزهدني في حب عبدة معشر
قلوبهم فيها مخالفة قلبي
فقلت دعوا قلبي وما اختار وارتضى
فبالقلب لا بالعين يبصر ذو الحب
فما تبصر العينان في موضع الهوى
ولا تسمع الاذنان الا من القلب
وما الحسن الا كل حسن دعا الصبا
وألف بين العشق والعاشق الصب
يشكو الم الوجد,.
وشجن الصبابة وارق العشاق فيقول بشار:
لم يطل ليلي ولكن لم انم
ونفى عني الكرى طيف الم
واذا قلت لها جودي لنا
خرجت بالصمت عن لا ونعم
**************************************************