» مؤلف الكتاب : طه باقر
تعتبرملحمة جلجامش أقدم نوع من الملاحم البطولية في تاريخ جميع الحضارات وهيأطول وأكمل ملحمة عرفتها حضارات الشرق الأدنى كما تعبر عن فلسفة الانسانالأول وتسائله عن سبب وجوده وهدفه في الحياة ومغزاه في زمان لم يعرفالعالم فيه معنى للفلسفة .
فقدمثلت تمثيلاً مؤثراً بارعاً ذلك الصراع الأزلي بين الموت والزوال وبينإرادة الإنسان المغلوبة المقهورة في محاولتها التشبث بالبقاء والوجودوزيادة على هذه القضايا الإنسانية سيجد القارئ للملحمة أنها تزخر بصورانسانية حساسة فهنالك الصداقة والحب والبغض والأماني والحنين لإلىالذكريات والبطولات والحروب والمغامرات والرثاء ...ولعل أروع رثاء فيتاريخ الصداقة هو رثاء جلجامش لصديقه أنكيدو وبكاؤه عليه
حوادث الملحمة بإختصار :
.أمابالنسبة لأحداث هذه الملحمة فبإختصار نقول أنه بعد وفاة أنكيدو الذي كانمن أقرب المقربين للملك جلجامش والذي خاض معه مغامرات عديدة انتهت بمرضهثم موته بأمر من الألهة عندها رفض جلجامش أن يدفن صديقه وعندما بدأتالديدان تأكل وجه أنكيدو أفزعه ذلك المشهد فتسائل بخوف" إذا مت أفلا يكونمصيري مثل أنكيدو...يملك الحزن والأسى روحي.."
فقررجلجامش منذ ذلك الوقت أن يتحدى القدر ويغير مصيره وما عليه إلا أن يصعدإلى السماء ويقابل جده (الرجل الوحيد الذي نجا من الطوفان). وبعد مغامراتكثيرة وبعد عناء شاق يصل إلى جده في السماء وهنا يأتي وجه الشبه بينالتوراة وهذه الملحمة فالأحداث التي يصفها رجل الطوفان في ملحمة جلجامشمشابهة لما حدث مع نوح في التوراة من :
1- رغبة الألهة بإرسال الطوفان لمعاقبة الجنس البشري بإستثناء رجل واحد
2- طلب الألهة من هذا الرجل أن يبني فلك طوله مثل عرضه
3- حمل بذرة كل ذي حي على هذا الفلك
4- ندم الألهة على ذلك الخراب الذي أحدثه الطوفان
5- استقرار الفلك على جبل "نصير =آرارات"
6- التأكدمن وجود الحياة : إرسال لرجل الطوفان حمامة ...ثم سنونو...ثم غراب ذهب ولميعد . عندها علم رجل الطوفان بجفاف الأرض من المياه وإمكانية الحياة منجديد....
وأثناءذلك تذكر الملحمة أن الألهة أتت وجعلت من رجل الطوفان إلهاً وبعد أن سردرجل الطوفان تلك الحادثة سئل جلجامش من سيجمع الألهة من أجله مرة أخرى ؟؟؟ثم أخبره بإستحالة خلوده ورغم ذلك دله على نبتة الحياة التي تجدد الشبابولكنه فقدها أثناء استحمامه عند أحد الأنهار حيث قامت حية بإلتهامها ونزعتعنها الجلد وهربت (أي أن الحية استطاعت بتأثير ذلك النبات السحري أن تجددشبابها بنزع جلدها ولعل من هذه الأسطورة الطريفة اتخذ منشأ الحية رمزاًللحياة والشفاء عند معظم الأمم) ...و عندما فقد جلجامش تلك النبتة أتىرثائهُ لحالته , هذا الرثاء الذي هز البشرية كلها في يأسه للحصول علىالحياة الخالدة التي ابتغاها وبذلك تأتي الصرخة الانسانية المعترضةالضعيفة بوجه القدر المحتوم عليها بالموت .
فإذاكان الموت من نصيب الانسان وإذا تعذر على الإنسان نوال الحياة الخالدةفماذا ينبغي على الفرد أن يسلك في هذه الحياة؟؟؟؟ أينبذ هذه الحياةونهايتها المشؤومة ؟؟أم يسلك سبيل اللذة والرفاهية والشراهة دون أن يحسبحساب لما قد يحدث فيما بعد ؟؟(أي بعد موته) فيضرب القييم والأهدافوالمعايير الأخلاقية والإنسانية عرض الحائط؟؟؟؟ أو أيقوم بتلك الأعمالالتي تخلده بعد موته ويصنع له ذكر حسن فيستفيد في هذه الحياة والحياةالأخرى؟؟؟
إن هذه الملحمة دعوة مباشرة للسؤال عن ما يجب فعله في هذه الحياة ."إنها أسطورة ؟؟؟" , نعم
ولكن فيهتذكير الإنسان بأهم سبب لوجوده وبالتالي لموته ...ودعوة إلى التأمل في سببالوجود والموت .... وكيفية التصرف حيال هذا القدر المحتومن ق
**************************************************