العباءة أم الحجاب؟

[size

---

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


العباءة أم الحجاب؟


تُشكل الأزياء الشعبية مرآة دقيقة عاكسة لثقافة الشعوب فتأتي نتيجة لمكونات
اجتماعية وثقافية وكذلك بيئية. وعندما نكون في أي قُطر من هذا العالم في
أحيان كثيرة، نتمكن من معرفة جنسية بعض الأشخاص من خلال أزيائهم، خصوصا
هؤلاء الذين يحرصون على التمسك بزيهم التقليدي حتى وإن كانوا في دول الغرب
كالولايات المتحدة الأمريكية أو أوروبا، وأكثر ما لفت نظري في هذا الجانب
هم أشقاؤنا السودانيون وكذلك الهنود حيث يبدو أنهم أكثر الشعوب حرصا وتمسكا
بأزيائهم.

في الحقبة الأخيرة صارت بعض الأزياء ترمز للصورة الإسلامية، وهذا نراه بشكل
أكبر في دول الخليج واليمن وإيران ويظهر هذا جلياً في الأزياء التي يُفترض
أن تمثل المرأة المسلمة، حيث انها هي المأمورة بالحجاب. والحجاب الشرعي
ليس خاصاً بالمسلمات فقط بل كل الأديان أمرت المرأة بالاحتشام في اللبس
وهذا هو ما أفهمه منه. أما العباءة فلم تعد زيا تراثيا بل صارت زيا
إسلاميا.

إذا نظرنا إلى مدى تمسك المرأة في دول الخليج بالزي التراثي ''العباءة''،
فلعلنا وبنظرة خاطفة نجد أن المرأة الكويتية والبحرينية قد تخلت عنها منذ
سنوات طويلة عندما قررت أن تقف نداً للرجل وتتخلى عن العباءة برغم أنها لم
تتخلّ عن احتشامها في اللبس بشكل عام. كان الهدف من ذلك التصرف هو رفض
العادات والتقاليد الاجتماعية التي تحجّر على المرأة أو تقلل من شأنها.




ومع ذلك، ورغم عدم وجود قانون يجبر النساء هناك على ارتداء العباءة إلا
أننا نجد نساءً ما زلن متمسكات بذلك الزي التراثي باختيارهن ورغبتهن.

في حين أن المرأة في كل من قطر والإمارات العربية المتحدة، تعتبر العباءة
جزءاً منها وجزءاً من شخصيتها وزياً تراثياً تأقلمت مع تطوره وتغيراته
لكنها لا تقبل بالتنازل عنه، - رغم عدم وجود قانون يجبرها على ذلك- . إلا
أن العادات والتقاليد تخط نسقاً متصالحاً مع المرأة في تلك الدولتين خصوصا
إذا ما نظرنا إلى المرأة في تلك الدولتين وقدرتها على التحرك والوصول إلى
كافة المواقع دون أن تُشكل العباءة عائقا يمنعها من العمل والحركة.

لا تختلف المرأة السعودية عن مثيلاتها الخليجيات، وخصوصا الملامح التي
نلتقطها من نساء الدول الخليجية الأخرى إلا أن العباءة في حياة المرأة
السعودية تظل قانونا لا تستطيع تجاوزه، فهو زي يفرضه قانون الدولة على كل
امرأة تدخل أراضيها مهما كانت جنسيتها أو ديانتها.
وهنا يكون الاختلاف، ما بين أن تكون العباءة كاختيار أو أن تكون كإلزام.
إذا ما اردنا البحث في هذه النقطة فلا بد لنا أن نعود إلى تاريخ العباءة
لنتأكد من كونها جاءت كفرض ديني أم كزي تراثي؟

قرأت قبل مدة تصريحا صحافياً لمدير شركة تصميم عباءات في منطقة الشرق
الأوسط، يقول فيه ''إن تاريخ العباءة العربية بدأ من بلاد فارس، إذ كانت
عبارة عن قطعة سوداء كبيرة توضع على رأس السيدة دون أكمام. وبسبب عدم وجود
أجهزة تكييف آنذاك لم يكن من المحتمل أبداً ارتداء ثوب أسود ضيق على الجسم،
لذا كان لا بد من استعمال العباءة السوداء الفضفاضة''.

في ذلك التصريح إن وافقنا على صحة المعلومة من ناحية تاريخية، كشف لحقيقة
أصل العباءة، فإن كانت في حقيقتها قد جاءتنا من إيران فهذا يفرض تساؤلا
مهما ألا وهو أين جذورنا؟ وما هي طبيعة أزيائنا كنساء خليجيات على مر
العصور؟
يدور في ذهني سؤال كلما عدت من رحلة دولية إلى السعودية، ورأيت الانتفاضة
والحركة الكبيرة التي تحدثها النساء قبل هبوط الطائرة من فتح أدراج الطائرة
والحقائب والوقوف والجلوس من أجل تعديل لبس العباءة وإغلاقها بإحكام، مما
يعني أن احترام تلك النساء سعوديات أو غير سعوديات للأنظمة والقوانين
أجبرهن على ارتداء العباءة، ولم يكن هذا ناتجا عن قناعة شخصية بدليل أنها
لا ترتديها في الخارج.
الأمر الأكثر تعقيداً، هو أشكال العباءة والتي دخلت فيها الفتاوى الدينية
وأفردت لها مساحات الصحف وفي البرامج الفضائية من أجل التحذير والوعيد
بالويل لمن لا ترتدي عباءة شرعية، والمقصود بها العباءة التي تغطي الرأس..!

الغريب أن العباءة هي رمز للحشمة وفي النهاية النتيجة هي التي تهمنا، لا الشكل أو اللون ولا حتى الموديل.

قبل أشهر قليلة أهدتني زوجة شقيقي والتي تعمل في مستشفى حكومي، مطوية كان
قد تم توزيعها على موظفات المستشفى. لم أعرف من هو كاتبها فقد رمز لنفسه
بـ(أبو عبدالرحمن) ما أدهشني وأثار غضبي هو تلك الصورة التي وضعها لامرأتين
الأولى ترتدي عباءة الرأس ويخرج منها سهم يتجه إلى صورة حديقة مكتوب عليها
''الجنة''، أما الصورة الأخرى فكانت لامرأة ترتدي عباءة على الكتف ويخرج
منها سهم يتجه إلى صورة النار.

ما أغضبني هو تجرؤ بعض الأشخاص على امتلاك مفاتيح ومغاليق الجنة والنار،
وحكمهم المطلق وادعائهم علم الغيب وكأن الله -عز وجل- لا يحاسب الناس إلا
بمظاهرهم ونحن نعلم جيداً الحديث الشريف '' إن الله لا ينظر إلى صوركم بل
إلى قلوبكم''.
حقيقة ،لا ألوم هذا الرجل أو غيره، طالما صار للعباءة توصيف يمنح موديل
الكمال والجنة وموديلاً آخر النقص والنار، بل وصار الموديل الأول نظاما في
المدارس والجامعات والكليات التي تعاقب الموظفات والطالبات في حال عدم
التزامهن بارتداء ''عباءة الرأس''..!
أين هؤلاء من الجوهر؟ من الإنسان؟ من السلوك؟ من النقاء؟ من كل شيء أبيض
يحف أرواح البشر ويعتنق قلوبهم بنظرة صافية وانعكاس هذه النظرة على كل
الأشياء من حولهم؟

ثمة مساحة خربة، بقصد أو بدون قصد، تجر العقل إلى السجن المعرفي. وتعلق
أفكاره وسلوكياته نحو فراغ مبهم لا يحمل لصاحب التفكير السليم أي تفاصيل
تاركا إياه على سطح الجسد، حيث يكون رمزا تختبئ بين طياته العقول.
بهذه السلوكيات نتوغل كمجتمع في السطحية وما ينتج عن ذلك من تركيز على
الأمور الشكلانية المبنية على مغالطات تجرنا إلى أمور لا تحمد عقباها،
وأظننا كمجتمع قد وصلنا إليها ، فمن هذه النتائج السلبية الاهتمام بالمظاهر
وتعمق الناس بفكرة الشكل والمظهر والملبس بل وحتى تقييم بني الإنسان بناء
على هذه الأمور القشرية دون النظر إلى جوهرهم.

إن هذا الطوفان الفكري صار متوارثا وبلاء أصاب حتى الأطفال، ومن هذا
المنطلق نحتاج إلى الاعتراف بالمشكلة كداء مستشرٍ يحتاج إلى علاج متكامل
يقوم على أساس نفسي واجتماعي وديني ''سليم'' ليحقق نتيجة، هي شفاء المجتمع
من هذا المرض العضال، وتنمية أفكاره وسلوكياته بإتجاهات معرفية وثقافية
أساسها احترام الأشخاص بناء على جوهرهم لا على أشكالهم.


منقول للفائدة=24][/size]

شكرا لك
موضوع جدا مفيد
وعرفنا ماكنا بحاجة لان نعرفه