يقول الرسول صلى الله عليه وسلم .. الحكمة ضالة المؤمنحيث وجدها فهو أحق بها .. والحكمة هذه ليست وليدة دراسة او علم محدود بطبيعة او تفاصيل معينة يمكن لمن اراد ان يكتسبها فكل ما علية الا ان يتداول تلك التفاصيل فيمسي حكيما بل هي .. اي الحكمة استعداد تكويني وعقلي ونفسي في نفس الوقت بمعنى ان العقل ينضج وسط بيئة معينة ثم يصل بما يكتسبة من علم سواء عن طريق التلقي .. ( الدراسة ) .. او الاكتساب .. ( تجربة الحياة ) .. او كليهما الى مدلاولات الاشياء ايا كانت ثم يقارنها بتوازن مع طبيعة الخلق وسنن الخالق الكونية في الحياة والنفس مع ما يمكن استحضاره من نتائج سابقة لمن سبقة بالتجربة الحياتيه او العلمية ليصل في النهاية الى نتائج عقلية سواء له او عليه لا تقبل النقاش او التأويل الا ممن كان دون مستوى العارف بالامور .
فمدى ما كان ذلك متيسرا لدى المرء كانت الحكمة اليه اقرب من اي شخص اخر .. وعليه فقد قيل .. ليس كل متعلم حكيم ولكن كل حكيم متعلم .. ذلك ان ردود الحكيم واجوبته تنطق من عقل مدرك عالم مجرب وبالتالي فلن يجهد محدثه او من يناقشه على عكس المتعلم او العارف فطالما تلجلجت ردوده او تشظت وسط كلماته التي تنطق من قلب حفظ تلك الكلمات ولم يفهمها ..
ولعل الحكمة ما انطق لسان الفطره عند ذلك الاعرابي عندما سئل عن دليل وجود الله جل وعلا فقال : البعرة تدل على البعير ، والاثر يدل على المسير .. فسماء ذات ابراج ، وارض ذات فجاج الا تدل على الحكيم الخبير .. فمن ذا يجادل في امر كهذا الا من اراد الجدل لا اكثر .
والحكمة تكسو صاحبها رداء مهيبا من المزايا والسمات قلما تجدها مجتمعه في اي كان وذلك مصداقا لقوله عز وجل .. يؤتي الحكمه من يشاء ومن يؤت الحكمه فقد اوتيخيرا كثيرا.. وان صدف وتوافر المرء على واحدة من تلك المزايا والسمات كان كافيا ان يشار له بالبنان ولكن ليس بالضرورة ان يكون له من الحكمة نصيب او مكان فيكفي ان يقال له ذكي او فطن او سريع بديهه او شجاع او عالم او غير ذلك من الصفات المحمودة اما الحكيم فهو يجمع كل ما سبق واكثر فان جالسته او لجات اليه في امر وجدت فيه ما ليس في غيره فصمته تفكير واصغائه تدبير ولفتاته تعبير فان نطق اوجز واعجز لا يجادل في البديهيات ولا يناقش في الاساسيات فان اضطر الى شرح مسألة فقد ادرك منها اكثر من جواب فاحب ان ينفع بالمزيد .
ويكفيه سؤال او كلمة ليزن بها عقل محدثه فان كان راجحا استرسل واستدل وان كان غير ذلك اوجز وانجز والا ترك وهجر .
وهو رغم ذلك لا يكون كاملا فالكمال لله تعالى اوجب فهو ايضا له نصيب في الضعف كباقي البشر فقد ينسى ويخطئ وينقص الا انه لا يجبن ان يفصح عن ضعفه ايا كان بل يقدم بشجاعة مصححا لما سبق فتظهر حكمته حين يفصح عمن كان سببا في خطا رايه وصحيح سواه وان كان يصغره سنا او شأنا .
فاذا ما اسندت اليه مسؤولية او منصب ايا كان شأنه او اهميته او حجمة وجدت منه ما يدهشك .. ابداع حتى في اصغر واضئل الاشياء .. متابع لادق التفاصيل مهتم بالانجاز وسرعته دون الالتفات الى الدخول في متاهات الاجرائات واللوائح شجاع في اتخاذ القراراتغير محابي او مداهن تاركا لما لا يعنيه من امر .. ذو تصميم وعزيمة عاليين مدافع بشراسه عن فريقه واول من يتحمل خطأ ايا منهم غير مبال باي صعاب شعاره تبا للمستحيل وعنوانه الفرد في خدمة الجماعة والجماعة في خدمة الفرد ونصب عينه محبة الخير للجميع .
خلاصة القول ان الحكمة صفة لا ترتبط بكون صاحبها متعلم او حاصل على اعلى الدرجات العلمية بل انها في الغالب ما تكون بعيده عن هؤلاء بعد السماء عن الارض وهو ما نعايشه في ايامنا الكئيبة هذه فيكفيك ان تسمع لذلك الدكتور او ذاك العالم او الاستاذ الفلاني حتى يفاجئك بضآلة تفكيره في موضوع ما سواء كان بعيدا عن تخصصه او في صلب تخصصه .
فتجده متلجلجا في كلماته مستنفرا في عباراته يبدأ من مكان ويراوح عنده يسهب ويفصل ثم يذهب ويعود ويجادل في البديهيات ويحاول ان يطعن في الاساسيات يلوي بعض اجوبته لتوائم هوى في نفسه او فكرة لغيره مقلدا غير مبدع ومتبع غير مبتدئ يفسر الواضح ليصل به الى التلبيس ويسمي الاشياء بغير مسماها ليصل بها الى التضليل والتسويف المادة دينه والمنفعه مذهبه .
والطامة الكبرى حين يسند الى امثال هذا منصب مهم او موقع قيادي في الامة اعتمادا على شهادته او درجته العلمية فقط .. فما ترى النتيجه تكون .. كارثة بكل المقاييس والاعراف .. ولنا فيما يعصف بامتنا العربية والاسلامية من مصير ، دليل على ما نقول بدئا من الرأس وانتهائا باصغر موظف فيها .. تفكير متقلب ، يستند الى المزاجية والتقليد اكثر منه الى الابداع والتجديد والى المحسوبية والانانية اكثر منه الى اي مبدئ اخلاقي او انساني ، سوء في كل شيئ ، في الادارة والارادة في التخطيط والنتيجة في التحشيد والقيادة في كل مناحي الحياة تخبط وتردد وجبن وتلجلج ادى في النهاية الى وضع كسيح معاق فاسد لايقوى حتى على الحياة لولا رحمة الله تعالى بهذه الامة .
والمصيبة الاكبر حين ينبري من يشخص كل ذلك ويريد ان يصحح ينحى جانبا او يطارد بحجة محاولة المساس بامن الدولة ومصالحها.
**************************************************