][size=21]رُوي
أن زياد ابن أبيه طلب رجلاً يريد أن يقتله، ففرّ الرجل هارباً، فتم القبض
على أخيه رهينة حتى يسلِّم ذاك الرجل نفسه. فأتي بالرهينة إلى زياد فهدده
قائلاً: لتأتني بأخيك وإلا قطعت رأسك! فقال الرجل: لو أتيتك بكتاب من
الخليفة لتعفو عني فهل ستعفو؟ قال: نعم. قال: فلدي كتاب من رب الخليفة شهد
عليه اثنان من الأنبياء! قال: أين هذا الكتاب؟ قال الرجل: (أَمْ لَمْ
يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى، وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى، أَلاَّ
تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى، وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا
سَعَى)، فقال زياد: أما هذا فمعه حجته. ثم أطلق سبيله.
ما أحوجنا إلى أن نتعظ بمثل هذه
الموعظة التي أثرت في زياد. فنحن اليوم لا نلوم شخصاً على تصرفات أخيه، بل
نأخذ قوماً أو شعباً كاملاً بجريرة شخص واحد. ألسنا نقول بأن فلاناً من
بلد كذا ثم نقع في أهل بلده وأنهم كلهم مثله؟ وفي البلد الواحد نقول بأن
فلاناً من منطقة كذا أو مدينة كذا، ثم نقع في أهل منطقته أو بلدته؟. وكان
بالإمكان أن نمدح فلاناً أو نذمه دون التعميم على أهله وعشيرته وسكان
بلدته، فلا تزر وازرة وزر أخرى.
في كل بلد من البلدان يكاد يجمع الناس
على إطلاق النكات على أهل مدينة أو إقليم بعينه واصفين إياهم بالسذاجة أو
سوء التصرف؟. وقد سمعت مؤخراً فتوى من أحد العلماء بأن إطلاق النكات على
أهل بلدة إنما هو غيبة لأهل تلك البلدة بأكملها. فسأله سائل: إذا أردنا أن
نروي طرفة فلمن ننسبها؟ قال: انسبها إلى حشاش ولا تنسبها إلى أي مدينة أو
بلد.
هذه الدقة في الفقه من هذا العالم
ذكَّرتني بقصة ذكرها ابن الجوزي في أحد كتبه عن الإمام الفقيه التابعي
إبراهيم النخعي الذي كان أعور العين، وقد سار مرة في أحد طرق الكوفة
باتجاه المسجد مع تلميذه العالم المحدِّث سليمان بن مهران الأعمش (أي ضعيف
البصر). فلما اقتربا من السوق قال إبراهيم: يا سليمانُ، هل لكَ أن تأخذَ
طريقًا وآخذَ آخرَ؟ فإني أخشى إن مررنا معاً بسفهائها، أن يقولوا أعورٌ
ويقودُ أعمشَ! فيغتابوننا فيأثمونَ. فقالَ سليمان: وما عليك في أن نُؤجرَ
ويأثمونَ؟! فقال إبراهيم: يا سبحانَ اللهِ! بل نَسْلَمُ ويَسْلَمونُ خيرٌ
من أن نُؤجرَ ويأثمونَ.
ما أروع هؤلاء الناس، وكم نحن في حاجة
إلى أن نتتلمذ على سيرهم لتتنور بصائرنا ويزداد فهمنا لمعنى الحياة
ونستطيع أن ننفع غيرنا. ولقد حدثني صديق عن نفسه أنه كان يلبس خاتماً من
ذهب، فصادقه شخص وراح يقدم له كل مساعدة يستطيعها. يقول صديقي: شعرت أن
هذا الرجل لا يريد مني شيئا من حطام الدنيا، فأحببته، ودخل قلبي، وأصبحت
أستشيره في كل أموري، وعندها جاءت اللحظة المناسبة ليقول لي بأن الذهب لا
يحل لبسه للرجال! فما أعظمه من شخص معلِّم، وكم تمنيت أني عرفته منذ صباي.
م . ن/size]
**************************************************