في
العاشر من كانون أول من كل عام تمنح جائزة نوبل بنفس المكان ونفس الكيفية ،
والعاشر من كانون أول ( ديسمبر ) يمثل الذكرى السنوية لوفاة ألفريد نوبل.
ألفريد نوبل ، الرجل الذي حول ممتلكاته ( وكانت آنذاك 31 مليون كرون سويدي .
( تضاعفت اليوم الى أضعاف مضاعفة من الأوراق ) الى صندوق مالي في وصية من
300 كلمة كتبها قبل وفاته بسنة واحدة ، واشترط لذلك : " أن تمنح إيرادات
هذه الأموال المستثمرة كجوائز سنوية لأولئك الذين يمنون على البشرية بصنيع
عظيم ".
إن مكافأة هذه الصنائع العظيمة . يتسلمها سنوياً الحائزون على جائزة نوبل في إطار حفل ضخم يقام في دار الكونسرتو بستوكهولم.
وتعود الساحة المحيطة بدار الكونسرتو Konserhueset في كل سنة لتمتلئ
بالناس. آلاف بل عشرات الآلاف من السويديين يتزاحمون ويتدافعون ليروا
الحائزين على الجائزة عن قرب . وفي جو مهرجاني حاشد يتوافد الى دار
الكونسرتو 300 ضيف من عليّة القوم ببززهم الأنيقة السوداء. الطريق الى دار
الكونسرتو تحرسه فصائل من جنود الحرس الملكي، يعتمرون خوذاً من الفراء
ويحملون المشاعل في أيديهم.
الحائزون على جائزة نوبل يخصص لدخولهم ممر جانبي. ومن خلال هذا الممر سبق
أن دخل (بيكيت) و (آينشتاين) و (أونيل) و (هان) و (هايسنبيرغ) و (بول) و
(فورسمان)... وفي الساعة والعشرين دقيقة عصراً يحتلون مقاعدهم على المسرح؛
الى اليسار ممثلو لجنة نوبل والى اليمين الحائزون على الجائزة.
جميع أعضاء اللجنة يرتدون الزي الإحتفالي الموحد لأكاديمية العلوم السويدية
: بدلة رسمية داكنة اللون من الزي الفولكلوري الأوربي ، الذي ساد في
النصف الأول من القرن التاسع عشر.
في الساعة الرابعة والنصف تماماً يحضر الملك السويدي كارل جوستاف ترافقه
زوجته سلفيا الى دار الكونسرتو ويحتلان مقاعد الشرف في صدر القاعة . وبعد
دقائق تفتح باب نحاسية اللون في الجدار الخلفي من خشبة المسرح يدخل منها
ضيوف الشرف : وهم في الغالب عدد قليل من العلماء والأدباء الــذين سبق لهم
أن حازوا على جائزة نوبل في السنوات السابقة.
وبعد كلمات التثمين التي يلقيها أساتذة الأكاديمية العلمية السويدية ،
يتقدم حملة جائزة نوبل الجدد من الملك السويدي لتهنئتهم بشرف الحصول على
الجائزة.
يتم الإحتفال بالحائزين على جائزة نوبل على النحو نفسه الذي احتفل به في
الماضي ، وهذه الأحتفالات غالباً ما تتم في الوقت الحاضر دون أن تتخللها
حوادث شاذة ؛ فقد ذكر أن الملك غوستاف الخامس كان يعاني من قصر النظر ،
فسلّم مرة الجائزة الى خادم الصالة الذي كان يرافق الحائز على الجائزة ،
الى منصة المسرح!
وأغلب المشاكل التي كانت تحدث في الماضي أثناء الحفل مصدرها حملة جائزة نوبل للآداب:
فعندما جاء دور سنكلير لويس سنة 1930م ليتسلم جائزته من يد الملك السويدي ،
اكتشفت لجنة نوبل أن لويس قد اختفى فجأة من قاعة الحفل . فأحدث اختفاؤه
هذا لغطاً شديداً وبدا الأرتباك واضحاً على أعضاء اللجنة . إذ لم يحدث في
السابق قط أن حائزاً على جائزة نوبل يصل استوكهولم ثم لا يحضر مراسيم
الأحتفال.
وأخيراً وجد لويس نائماً في دورة المياه التابعة لدار الكونسرتو وهو في أسوأ حالات السكر وقد أغلق عليه باب المرحاض.
والأسوأ من ذلك هو ما فعله كنوت هامسون سنة 1920م ، الذي أفرط في احتساء
الخمر ظهيرة العاشر من كانون أول ، فاقتحم منصة الشرف ، حيث يجلس أعضاء
أكاديمية العلوم السويدية وأخذ يمسكهم من لحاهم وشواربهم ، ثم التفت الى
أميرة الشعراء سلمى لاغرلوف ففتح أزرار فستانها.
وعندما تلقى فرانز أميل سيلانبيه سنة 1939م خبر ترشيحه لجائزة نوبل للآداب ،
انحنى راكعاً أمام سكرتيرته وعقد قرانه عليها . ثم عكف طيلة اسبوعين على
احتساء الخمر .
أما أطفاله السبعة فقد أخذوا يجوبون شوارع هلسنكي ويصيحون : " أبونا أصبح ثرياً .. أبونا أصبح ثرياً.
لقد مضى على هذا الحادث 71 سنة.. والحائز على جائزة نوبل اليوم يعتبر في عداد الأثرياء أيضاً إذا ما تسلم الصك من يد الملك.
في سنة 1976م ، السنة التي شهد فيها العالم تضخماً اقتصادياً هائلاً .
ارتفعت القيمة النقدية لجائزة نوبل في المجالات الخمسة ـ الأدب والكيمياء
والفيزياء والطب والسلام ـ الى 390 ألف مارك. في سنة 1901م كان حائز
الجائزة لا يتقاضى سوى ربع مقدارها في الوقت الحاضر. في ذلك الوقت كانت
قيمتها النقدية تساوي مجموع ما يكسبه أستاذ جامعي في خمسة وعشرين سنة.
والحديث عن القيمة النقدية لجائزة نوبل يقودنا للحديث عن جورج برنارد شو:
في يومٍ ما من سنة 1925م طرق رسول سويدي في لندن باب برنارد شو . وقال له
مبادراً : "اسمح لي أن أقدم لك تهنئتي يا مستر شو : لقد قررت أكاديمية ـ
نوبل أن تمنحكم جائزة الآداب لهذا العام.
دهش شو ثم أجاب: " كلا إني لا أعير ذلك أدنى اهتمام ما عساني أن أفعل بهذه النقود؟.
كان جورج برنارد شو في ذلك الوقت في التاسعة والستين من عمره غني ومشهور ..
وأخيراً أعاد النظر في موقفه وتسلم الجائزة . وبقيمتها النقدية أسس جمعية
انكليزية ـ سويدية لتوثيق الصلات الأدبية والفنية بين الشعبين.
وعن ذلك يقول شو الساخر : " إنني استطيع الآن أن أسامح عن طيب خاطر ألفريد
نوبل لأكتشافه مادة الديناميت . ولكن عدواً واحداً للإنسانية فقط استطاع
أن يجد من يسامحه لقاء هذه الجائزة.
ألفريد نوبل ـ أي إنسان هذا الذي يبتكر مادة مميتة ثم يقدم جائزة للسلام ؟
هل إنها فقط تعبير عن ندم متأخر لرجل عجوز ، دفع نوبل الى أن يوثقها في
وصيته ؟ أو إنه حقاً أراد أن يعبر عن إعجابه وعظيم أمتنانه بكل مفكر بارز
ونابغة مبتكر ونصير للإنسانية والسلم ؟ ربما ينكشف الغطاء في المستقبل عن
السر الذي دفع نوبل الإنسان على أن يقدم على هذه الخطوة الفريدة.
ولد ألفريد نوبل في مدينة ستوكهولم سنة 1832م لأب معماري أفلس مرتين في حياته.
في العشرين من العمر كان ألفريد كيمياوياً لامعاً رغم أنه لم يوفق في
دراسته الأكاديمية ، وفي سنة 1854م حقق نوبل نجاحاً باهراً في تقنية المواد
المتفجرة ، وبعد ثلاث سنوات من العمل الدؤوب ابتكر الديناميت.
في الوصية التي أوقف بها كل ثروته على العلم ، خصص جائزته لخمسة مجالات فقط
. هي ؛ الطب والفيزياء والكيمياء والأدب والسلام . وكانت أكثر المجالات
التي تحظى باهتمام نوبل ؛ الكيمياء والفيزياء والطب أما التي لا يرعى لها
اهتماماً قط فهي علم النبات وعلم الحيوان وعلم الأحياء ( البيولوجيا )
والعمارة والموسيقى والفنون.
في وصيته الأولى لم يرد ذكر للأدب ولكنه عاد فأدرجه في الوصية بعد أن زاد
اهتمامه في أخريات حياته ، حتى أنه صنّف كتاباً في هذا المجال.
أما الأسباب التي حدت بنوبل الى تأسيس جائزة السلام فلم تكن واضحة لكتّاب
سيرته . وربما لعبت علاقته الطويلة وصداقته الحميمة ب ( بيرتا فون سوتنر )
مؤسسة حركة السلام ، الدور الكبير في ذلكز
وأخيراً فأن جائزة نوبل للسلام ـ خلافاً لجوائزه الأربعة الأخرى ـ تقررها لجنة في أوسلو وليس في استوكهولم.
ولهذه عدة أسباب..
منها أن ألفريد نوبل قد كتب وصيته في عهد كانت فيه كل من السويد والنرويج
متحدتان تحت حكم الملك أوسكار الثاني . وقد أراد نوبل من توزيع جائزته في
كلا العاصمتين . أن يبقى أرتباط البلدين قائماً ووثيقاً.
والسبب الثاني ، هو أن ألفريد نوبل كان يعلق أملاً على أن تلعب النرويج
دوراً سياسياً أكثر حرارة من السويد . وتواجه المواقف الحرجة بشجاعة
وموضوعية
منقول......
**************************************************