قد عرفت الحضارة العربية في الأندلس عهدا من ازهي عهودها وفترة أينعت فيها العلوم والآداب ووضحت فيها سبل الحياة الكريمة والعيش الرغيد ، حتى اغتصبها الإسبان من أيدي المسلمين اغتصابا ، وعاثوا فيها فسادا ، فشوهوا حضارتها وغيروا معالمها ، حتى قال ابو البقاء الرندي في حسرة وألم :
تبكي الحنيفية البيضاء من أسف كما بكى لفراق الإلف هيمان
على ديار من الإسلام خالية قد أقفرت ولها بالكفر عمران
حيث المساجد قد صارت كنائس مافيهن إلا نواقس وصلبان
حتى المحاريب تبكي وهي جامدة حتى المنابر ترثي وهي عيدان
وليس غريبا أن يبكي الشعراء الأندلس وحضارتها الإسلامية ، وهي التي حباها الله بطبيعة خلابة وبهاء قل نظيره، وهي التي احتظنت عرش بني أمية بعدما قوضه العباسيون في المشرق.
على أن هذا العرش لم يلبث أن ضعف كيانه ، وأفل نجمه عندما انقسمت الأندلس دويلات شتى يحكمها ملوك الطوائف، إذ كان منهم بنو جهور في قرطبة ، وبنو عباد في اشبيلية ، وبنو هود في سرقسطة وبنو ذي النون في طليطلة وبنو الافطس في بطليوس كما كان غيرهم في المناطق الأخرى من الأندلس . غير أن عهدهم لم يستمر كثيرا ، فقد خلعهم يوسف ابن تاشفين وضم الأندلس إلى المغرب.
وقد كان لفقدان هذه المماليك اثر كبير على الشعراء الاندليسيين فرثوها في قصائدهم ، وبكوها بكاء حارا شديدا، وتأسفوا على ضياع ملك أصحابها في شعر رقيق حزين يملأ القلب رقة والفؤاد حنانا.
وممن برز في هذا الميدان الشاعر ابن اللبنانة في رثاء مملكة بني عباد و الشاعر ابن عبدون في البكاء على مملكة بني الأفطس.