منتديات العرب
أهلا بكم في منتديات العرب , نرحب بأعضائنا الأحبة و كذلك الزوار الكرام اللذين نرجوا منهم التسجيل لدينا
منتديات العرب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات العرب

عام لكل العلوم والمعرفة المتعلقة بالمجتمع
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيلدخول

 

  مراثي الطير والحيوان في الشعر العربي - محمد خير الشيخ موسى

اذهب الى الأسفل 
3 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
سومري
عضومتقدم
سومري


علم الدولة :  مراثي الطير والحيوان في الشعر العربي - محمد خير الشيخ موسى 123
رقم العضوية : 16
الجنس : ذكر
تاريخ التسجيل : 12/09/2009
عدد المساهمات : 4956
نقاط : 7566
الجنسية : عراقية

 مراثي الطير والحيوان في الشعر العربي - محمد خير الشيخ موسى Empty
مُساهمةموضوع: مراثي الطير والحيوان في الشعر العربي - محمد خير الشيخ موسى    مراثي الطير والحيوان في الشعر العربي - محمد خير الشيخ موسى Emptyالخميس 7 فبراير - 16:11

مراثي الطير والحيوان في الشعر العربي - محمد خير الشيخ موسى

في ديوان الشعر العربي صفحات طويلة لم تقرأ بعد، ولم تجد لها في كتب الدارسين وأبحاثهم مجالاً ومتسعاً، مع ما لها من أهمية في الكشف عن بعض الجوانب الخفية في شعرنا العربي، ومن ذلك ما قيل في الطير والحيوان من قصائد وأشعار ذات خصائص نادرة المثال، قلما نجد لها نظيراً في أشعار الشعراء، لما تتسم به من طرافة في المعاني والأغراض، ورقة في المشاعر والأحاسيس، وروعة في التعابير والأساليب.

فقد كان للطير والحيوان نصيب وافر جداً من أشعار الشعراء العرب منذ أقدم عصور الشعر، كان الشاعر فيها يصدر عن بيئته، فيصور ما فيها من ظواهر ومظاهر، ويصفها وصفاً حياً دقيقاً ومباشراً ومرتبطاً بعواطفه الذاتية، وأحاسيسه الوجدانية، دون أن يتعدى حدود هذه البيئة وما فيها من بيد ومهامه وقفار، ودمن ورسوم وآثار، وطير وحيوان ونبات أو غير ذلك من مدركات هذه البيئة الصحراوية البسيطة التي انعكست صورتها على صفحات شعره، وكان لها أثر واضح فيه، وقد تنبه إلى قيمة هذا الأثر بعض النقاد القدماء فقال ابن طباطبا العلوي (-322ه): "واعلم أن العرب أودعت أشعارها من الأوصاف والتشبيهات ما أحاطت به معرفتها، وأدركته عيانها، ومرت به تجاربها، وهم أهل وبر صحونهم البوادي، وسقوفهم السماء، فليست تعدو أوصافهم ما رأوه فيها"(1).

ومن المعروف أن وصف الرحلة والراحلة، ونعت الحصان والفرس، وذكر الظبي والظليم والنعامة والذئب والثور والكلب والصيد وغيرها من أبرز معالم القصيدة العربية، ومن أغراضها الأساسية، قبل أن يستقل هذا الغرض بنفسه، ويتطور بتطور الحياة الحضارية للعرب، فيصبح فناً شعرياً قائماً بذاته، له شعراؤه وأعلامه، وتتنوع أساليبه ومذاهبه، وتتعدد أغراضه لتشمل الوصف والمديح والهجاء والرثاء وغيرها من أغراض الشعر.

وإذا كنا قد أطلنا الوقوف عند هذه الأغراض في بحث سابق مسهب ومفصل(2)، فإن مراثي الطير والحيوان تظل من أهم هذه الأغراض وأجدرها ببحث مفرد ومستقل، لما فيها من جدة وطرافة وصدق قد تفتقر إليه كثير من مراثي الشعراء في بني الإنسان.

ولم يكن هذا الفن من الرثاء جديداً أو مستحدثاً في العصر العباسي، وإن كان قد ارتقى فيه وتطور، وإنما عرف منذ العصر الجاهلي والإسلامي، ولدى عدد غير قليل من الشعراء الذين وصلت إلينا أشعارهم، وكانت لهم فيه طرائف جمة، وبدائع مستحسنة، ومن ذلك ما رواه صاحب الأغاني من خبر أبي زبيد الطائي "وكان له كلب يقال له أكدر، له سلاح يلبسه إياه، فكان لا يقوم له الأسد، فخرج ليلة قبل أن يلبسه سلاحه، فلقيه الأسد فقتله" فقال في وصف مقتله ورثائه قصائد عديدة "فلامه قومه، وقالوا له: قد خفنا أن تسبنا العرب بوصفك له، فقال: لو رأيتم ما رأيت، أو لقيكم ما لقي أكدر لما لمتموني"(3) وكان أكدر قد خرج من البيت مختالاً كعادته، ومضى نحو عرزال بعيد، ظن فيه فرائس يصيدها، ويجلب معها الفرح لأهل بيته، فإذا هي أجمة لأسد ولبؤة وجراء ستة، فأيقن بالهلاك والموت، وجال يريد الهرب وأنى له ذلك، وقد أدركه الأسد، فأصبح طعمة بين براثنه، وما انفك أبو زيد يرثيه ويذكر مصرعه، ويصور دخيلته وهو يواجه الموت بين أنياب ذلك الوحش الكاسر، دون أن يخفي مشاعر الحزن والأسى التي تعتاده كلما تذكر ذلك المشهد المخوف فيقول: (4)

اخال أكدر مختالاً كعادته حتى إذا كان بين البئر والعطن

لاقى لدى ثلل الأطواء داهية أسرت، وأكدر تحت الليل في قرن

حطت به شيمة ورهاء تطرده حتى تناهى إلى الأهوال في سنن

حتى إذا ورد العرزال وانتبهت لحسّه أم أجر ستة شزن

وظن أكدر أن تمُّوا ثمانية أن قد تجلل أهل البيت باليمن

فخاف عزتهم لما دنا لهم فحاف أكدر مشفيّاً من الوسن

ألفاه متخذ الأنياب جنته وكان بالليل ولاّجاً إلى الجنن

وللكلب لدى الأعرابي منزلة خاصة، فهو رفيقه وسميره وحارسه الأمين، وجالب القوت والصيد له إذا صاد أو قنص، شأن ذلك الصباحي الذي لم يكن له من أسباب العيش سوى أكلب سلوقية تجلب له من الصيد والطرائد ما يقيم أود عياله، فأودت، وأودى شخصه معها، وأيقن بالجوع والفقر والمسألة، فقال المزرد بن ضرار يصف شقاءه الطويل بعدها، ويرثي لحاله، ويرثيها معه(5).

فعدّ قريض الشعر إن كنت مغزراً فإن قريض الشعر ما شاء قائل

لنعت صباحي طويل شقاؤه له رقميّات وصفراء ذابل

بقين له مما يبرّي وأكلب تقلقل في أعناقهن السلاسل

بنات سلوقيين كانا حياته فماتا فأودى شخصه فهو خامل

وأيقن إذ ماتا بجوع وخيْبَةًَة وقال له الشيطان: إنك عائل

فطوّف في أصحابه يستثيبهم فآب وقد أكدت عليه المسائل

تغشَّى يريد النوم فضل ردائه فأعيا على العين الرقادَ البلابل

وقد روى لنا الجاحظ في الحيوان أبياتاً مؤثرة من قصيدة الأعرابي في رثاء شاة له كان يسميها: وردة، ويجعل كنيتها: أم الورد، فأكلها الذئب مع الصبح، وترك صغارها أيتاماً بعدها، فراح يبكيها، ويألم لحال صغارها بعدها، ويجد فيها سلوة عنها فيقول (6) :

أودى بوردة أم الورد ذو عسل من الذئاب إذا ما راح أو بكرا

لولا ابنها وسليلات لها غرر ما انفكت العين تذري دمعها دررا

كأنما الذئب إذ يعدو على غنمي في الصبح طالب وتر كان فاتأرا

ولطالما وجد الشاعر في موت الحيوان وهلاكه أو مصرعه الأسوة والعزاء والسلوان لنفسه الحزينة، وهو يفقد صديقاً أو قريباً أو حبيباً تخطفه الموت أو القتل، فيبكي عليه ويرثيه، ويقرن ذلك الرثاء بذكر الحيوان، ويستخلص الدروس والعبر، شأن أبي ذؤيب الهذلي في عينيته الشهيرة التي رثى بها أبناءه الخمسة الذين أودى بهم الموت جميعاً، فراح يبكيهم، ويجمع في رثائهم ما بين مصرعهم ومصارع الحيوان أو الإنسان فيقول(7):

أمن المنون وريبها تتوجع والدهر ليس بمعتب من يجزع

أودى بنيّ فأعقبوني غصة بعد الرقاد وعبرة لا تقلع

والدهر لا يبقى على حدثانه جون السراة له جدائد أربع

والدهر لا يبقى على حدثانه شبب أفزّته الكلاب مروّع

شعف الكلاب الضاريات فؤاده فإذا رأى الصبح المصدق يفزع

فصرعنه تحت الغبار وجنبه متترّب، ولكل جنب مصرع

والدهر لا يبقى على حدثانه مستشعر حلق الحديد مقنع

فإذا المنية أنشبت أظفارها ألفيت كل تميمة لا تنفع

وكان جهم بن خلف المازني، من شعراء الدولتين، مختصاً بالحيوان والطير في شعره(Cool يصفها ويتغزل بها، ويبكي لبكائها، ويرثي لحالها، ويجد في ذلك العزاء والتسلية عما يجد في دنياه من المآسي، ومن ذلك قصيدة رقيقة له في حمامة أضلت فريخاً لها، فراحت تجدّ في البحث عنه دونما جدوى، حتى بدا لها اليأس منه، وأيقنت أن جوارح الطير قد تخطفته فأكلته، فراحت تنوح عليه وتبكيه، وتستدر دموع الشاعر فيها، فقال يشاركها أحزانها، ويصف هذا الموقف المؤثر وصفاً بارعاً يثير المواجع في النفوس الرهيفة(9):

وقد شاقني نوح قمرية طروب العشي هتوف الضحى

أضلت فريخاً فطافت له وقد علقته حبال الردى

فلما بدا اليأس منه بكت عليه وماذا يردّ البكا

تغنَّت عليه بلحن لها يهيج للصب ما قد مضى

فلم أر باكية مثلها تبكِّي ودمعتها لا ترى

وكان الحكم بن عبدل الشاعر الأموي الهجَّاء الخبيث اللسان، صاحب طرف ونوادر(10)، وله أشعار كثيرة في صنوف الحيوان والحشرات والطير ليست تخلو من طرافة وفكاهة(11)، ومنها قصيدة له في سنور له مات فقال يتفجع عليه، ويذكر أيامه ويصف جنازته ومأتمه(12).

سقياً لسنورة فجعت بها كانت لميثاء حقبة سكنا

لو أصبحت عندنا جنازتها لحنطت واشتري لها كفنا

ثم جمعنا صحابتي وغدوا فيهم كريب يبكي وقام لنا

كل عجوز حلو شمائلها كانت لجرذان بيتنا شجنا

من كل حدباء ذات خشخشة أو جرذ ذي شوارب أرنا

وقد تطور هذا الفن لدى المحدثين من شعراء العصر العباسي تطوراً واسعاً جداً، فاختص به عدد كبير من الشعراء الذين جعلوا معظم أشعارهم في الطير والحيوان، فاتسعت أبوابه، وتنوعت أساليبه، وتعددت أغراضه، وكان لذلك ما يبرره من وجهة نظر بيئية وحضارية، بعد تطور الحياة الاجتماعية والاقتصادية في هذا العصر، كما كان لاضطراب الحياة السياسية فيه اكبر الأثر في تعميق هذا الاتجاه، وتلوينه بألوان الرمز والكناية والتعريض، أو التعبير من خلاله عن النزعة السلبية إزاء أمور الحكم والسياسة ورجالها، والانصراف نحو عالم الطير والحيوان في الوصف والمديح والهجاء أو الرثاء الذي يمكن أن يعد من أهم هذه الأغراض، وأقواها تعبيراً عن هذه التحولات الجديدة.

ومن أوائل ما نقف عليه من الأشعار في رثاء الحيوان في هذا العصر أرجوزة لأبي نواس في رثاء كلبه خلاّب، وقد لسعته حية رقطاء، فمات لديغاً مسموماً، فقال يذكر مصرعه ويرثيه(13):

يا بؤس كلبي سيد الكلاب قد كان أغنائي عن العُقاب

يا عين جودي لي على خلاَّب من للظباء العفر والذئاب

خرجت والدنيا إلى تباب به وكان عدّتي ونابي

فبينما نحن به في الغاب إذ برزت كالحة الأنياب

رقشاء جرداء من الثياب لم ترع لي حقاً ولم تحابي

فخرّ وانصاعت بلا ارتياب كأنما تنفخ في جراب

لا أبت أن أبت بلا عقاب حتى تذوقي أوجع العذاب

وقد برع في هذا الفن الفريد من الرثاء عدد من الشعراء المحدثين، فكانت لهم فيه بدائع ونوادر كثيرة، وعلى رأسهم القاسم بن يوسف، أخو الوزير الشاعر الأديب أحمد بن يوسف وزير المأمون، كما كان القاسم واليه على الخراج، وكان شاعراً "قد جعل وكده في مدح البهائم ومراثيها، فاستغرق أكثر شعره في ذلك(14)" كما يقول صاحب الأغاني، وروى له الصولي عدة قصائد طويلة في رثاء الطير أو الحيوان، وقال في تقديرها: "وهو أشعر في فنه الذي أعجبه من مراثي البهائم من جميع المحدثين، حتى أنه لرأس فيه، متقدم على جميع من نحاه، وما ينبغي أن يسقط شيء من شعره فيه، لأنه كله مختار، وللناس فيه فائدة(15)"، ومما رواه له من هذه القصائد البديعة المختارة، قصيدة طويلة في رثاء عنزة سوداء، كانت عنده خيراً من محظيات الملوك والأمراء والوزراء، فأودى بها الموت فقال يرثيها ويصف محاسنها الدقيقة، ويذكر مآثرها الحميدة فيقول(16):

عين بكى لعنزنا السوداء كالعروس الأدماء يوم الجلاء

أذن سبطة وخدّ أسيل وابتسام عن واضحات نقاء

أين لا أين مثلها مصطفاة من صفايا الملوك والوزراء

كيف يرجو البقاء سكان دار خلق الله أهلها للفناء

وإذا كان الشعراء قد اعتادوا في مراثيهم في بني الإنسان استخلاص المواعظ والعبر، والإفصاح عن أثر الفراق الأبدي في نفوسهم، فإن هذه العواطف، وتلك المواعظ تبدو أعمق تأثيراً، وأقوى دلالة وتعبيراً لدى الشاعر في رثائه هذه المخلوقات الوديعة بعد موتها، ومن ذلك قصيدته في رثاء طيره القمري المطوّق، إذ تضمنت من رقيق المعاني، وعميق الحكم، وبسيط التعبير ما يفوق الكثير من مراثي الشعراء في الناس، وفيها يقول(16):

هل لامرئ من أمان من ريب هذا الزمان

ما اثنان يجتمعان إلا سيفترقان

كان المطوّق خدنا من أكرم الأخدان

فغاله حادث من حوادث الأزمان

فالقلب فيه كلوم من لاعج الأحزان

هيهات مالك ثان مقارب أو مدان

فاذهب فقيداً حميداً فما خلا الله فان

قد كان هذا الشاعر مُرزَّأً حقاً، إذ غاله الدهر بأحب الخلائق لديه، فقضى أخوه الوزير أحمد، ومات عدد من أبنائه في حياته، وفقد عدداً من البهائم التي كانت تؤنس وحدته، ويجد في عشرتها وتربيتها العزاء والسلوى، ومنها ديك صغير، كانت كنيته عنده أبا سعد، لم يكد يشب عن الطوق ويصيح حتى قضى صريعاً، فقال في رثائه من قصيدة طويلة ومؤثرة(17):

أوحشت منك أبا سعدٍ عراصّ وديار

فجعتنا بك أقدارٌ لها فينا الخيار

عثر الدهر بنا فيك وللدهر عثار

وتولت بك أيام من العمر قصار

يا أبا سعد فلا تبعد وإن شطّ المزار

إنما الدنيا مزار وإلى الله المجار

وله من هذه المراثي العجيبة قصيدة طريفة في رثاء هرة أنيسة وادعة تخطفتها يد المنية، مخلفة وراءها قططاً صغاراً ويتامى، فقال يرثيها، ويذكر مآثرها الحميدة وأياديها(18):

يقولون كانت لنا هرة مربية عندنا تالده

وكنا بصحبتها حامدين وكانت بصحبتنا حامده

فعنّ لها عارض للردى فأمست بتربتها هامدة

وأصبحت الفأر في دارنا أوامن صادرة واردة

ولعل مما لا يخفى على أحد ما في هذه المراثي من رمز أو كناية وتعريض، وما لها من علاقة بظروف الشاعر وعصره، وما يعبر عنه انصرافه التام نحو الطير والحيوان في شعره، وقد وجد فيها ما لم يجده في بني الإنسان من معاصريه من رقة ووفاء وطيب، فاستغنى بها عنهم، وجعل معظم شعره فيها: وصفاً أو مديحاً أو هجاء أو رثاء، إذ لا نكاد نجد له في رجال عصره من الخلفاء والرؤساء والكبراء مديحاً أو رثاء، على الرغم من صلته القوية بهم، سوى ما قاله في أخيه وأبنائه من مراث رقيقة(19).

وقد كان الرمز بالطير أو الحيوان سبيل عدد من الشعراء في التعبير عن بعض أحداث العصر، وما ساد فيه من اضطرابات خطيرة، أودت بحياة عدد كبير من الخلفاء والوزراء والقادة، وذهب ضحيتها عدد غير قليل من الكتاب والشعراء، ومن ذلك قصيدة لأبي بكر الحسن بن علي العلاف، روى الدميري أنه "كنى بالهر فيها عن ابن المعتز حين قتله المقتدر، فخشي منه، ونسبها إلى الهر، وعرّض به في أبيات منها، وقيل إنما كنّى بالهر عن المحسن بن الوزير أبي الحسن علي بن الفرات أيام محنته، لأنه لم يجسر أن يذكره ويرثيه، وقيل كان له هرّ يأنس به، فكان يدخل أبراج الحمام التي لجيرانه، ويأكل أفراخه، فأمسكه أربابها فذبحوه، فرثاه بقصيدة. وقال ابن خلكان: وهي من أحسن الشعر وأبدعه، وعدد أبياتها خمسة وستون، وفيها أبيات مشتملة على حكم، وفيها يقول(20):

يا هرّ فارقتنا ولم تعد وكنت عندي بمنزل الولد

صادوك غيظاً عليك وانتقموا منك وزادوا: من يَصِد يُصَد

ثم شفوا بالحديد أنفسهم منك ولم يرعووا على أحد

فلم تزل للحمام مرتصداً حتى سقيت الحمامُ بالرصد

أذاقك الموت ربّهن كما أذقت أفراخه يداً بيد

وللهر أو القط في الشعر العربي مدائح ومراث طويلة ترتبط بما بين هذا الحيوان الأليف المؤنس وبني البشر من أواصر الصحبة والمودة وحسن العشرة، فكان فقده بعد ذلك يخلف الحزن العميق، والأسى البالغ في النفوس، يعبر عنه الشعراء منهم تعبيراً صادقاً في قصائد مؤثرة، ومن ذلك قصيدة لأبي الحسن التهامي (-416ه) في رثاء قطّ له سقط في بئر فمات، فقال يبكيه(21):

ولما طواك البين واجتاحك الردى بكيناك ما لم نبك يوماً على قط

ولو كنت أدري أن بئراً يغولني بمثواك فيها لاحتبستك بالربط

ولكن أيدي الحادثات بمرصد إذا أرسلت سهم المنية لم تخط

فهل نافعي أني رثيتك بعدما رأيتك توفي لي وتحكم بالقسط

ومن الغريب حقاً ألا نجد في ديوان شاعر متأخر من شعراء العصر العثماني، كان من أعيان هذا العصر، وعلى صلة وثيقة بالكبراء من رجاله، وهو محمد بن الحسين الكيواني (-1173ه) أي مرثية في أحد من معاصريه سوى مرثية واحدة فحسب جعلها في هرّة، واتخذ من رثائها مجالاً للعبرة التي ينبغي لأهل البغي من حكام هذا العصر أن يعتبروا بها، وفيها يقول(22):

واسمع رثاء هريرة كانت ترى عندي أسيره

خلس الحمام حياتها وابتز من قلبي سروره

نال الردى منها وكا نت منه قد أخذت طفوره

قد غالها ما غال ذا الأوتاد واستقصى نفيره

فليعتبر من كان ذا بغي ولا يركب غروره

على أن من أجود ما قيل في رثاء الطير أو الحيوان من الشعر، قصيدة لصاحب الأغاني أبي الفرج الأصبهاني (-بعد 362ه) وكان شاعراً محسناً ومجيداً(23) في رثاء ديك له يدعوه: أبا النذير، نقلها إلينا ابن شاكر الكتبي كاملة في عيونه، وقال في تصديره لها وتقديرها: "وهي من أجود ما قيل من مراثي الحيوان، ومن مختار الشعر، ونادر القصيد، عذبة الألفاظ، بديعة المعاني، مطردة الأجزاء، متسقة القوافي" وفيها يقول: (24)

خطب طرقت به أمر طروق فظّ الحلول عليّ غير شفيق

فكأنما نوب الزمان محيطة بي راصدات لي بكل طريق

ذهبت بكل مصاحب ومؤانس وموافق ومشاكل وصديق

حتى بديك كنت آلف قربه حسن إلي من الديوك رشيق

لهفي عليك أبا النذير لو أنه دفع المنايا عنك لهف شفيق

أبكي إذا أبصرت ربعك موحشاً بتحنن وتأسف وشهيق

صبراً لفقدك لا قلى لك بما كما صبر الأسير لشدة ولضيق

لا تبعدن وإن نأت بك نأية في منزل نائي المحل سحيق

وإذا ما طوينا هذه الصفحة المشرقة من ديوان العرب، ولم نأت إلا على بعض سطورها، وحاولنا البحث عن الدوافع الكامنة وراء هذا الاتجاه الشعري الفريد، واختصاص بعض الشعراء به، وإجادتهم القول فيه، دون غيره من أغراض الشعر المعروفة الأخرى، فإن بإمكاننا أن نعزو ذلك في جملة من الدوافع والأسباب التي يمكن أن تكشف عن بعض المؤثرات المحيطة بحركة الشعر وتطورها:

وأول هذه الأسباب إنما يرتبط بما فطر الله الإنسان عليه من عواطف ومشاعر وأحاسيس، ولم يجعلها مقصورة لديه على بني جنسه فحسب، وإنما تتعداهم إلى غيرهم من المخلوقات الحية من طير وحيوان وغيرها، إذ جعل بينه وبينها ألفة ومودة ومحبة ورحمة، يزيدها قوة وتأصلاً ما في طباع هذه البهائم من أنس ببني الإنسان، وتنمية أواصر الألفة بينهما.

أما السبب الثاني فمتصل بالبيئة كما ذكرنا آنفاً، إذ كانت البيئة البدوية مصدراً أساساً من مصادر الشعر لدى أهل هذه البيئة من الشعراء، وكان الطير والحيوان من أهم مظاهرها، وأقواها صلة بأهلها، ثم كانت البيئة الحضرية بعد ذلك مصدراً جديداً لهم، وأصبح لها أثر أوضح في أشعارهم، لما تفرضه طبيعة العمران من تحضر واستقرار وتدجين لعدد من أنواع الحيوانات والطيور، وما يتبع ذلك من منافع وألفة وروابط، وفي ذلك ما يفسر سبب تطور هذا الفن، وتنوع أغراضه، وتلون أساليبه بألوان الحضارة الجديدة في العصر العباسي خاصة.

وقد عرف هذا العصر تطورات خطيرة، وتناقضات كبيرة، كان لها أثر واضح في تطور حركة الشعر، إذ انعكست فيه صورة الحياة الفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية المحيطة بالشعراء، ولم يتمكن عدد منهم من مواكبة هذه التطورات، أو التلاؤم معها، فانكفؤوا على أنفسهم، أو ثاروا على مجتمعاتهم، فكانوا فلاسفة أو زهاداً أو متصوفين أو ثائرين، وانصرف كثير منهم عن الحياة السياسية، وما يحيط بها من تقلبات ومؤامرات ودسائس، ووجدوا في عالم الطير والحيوان ما يغني عن الخوض في غمرات هذه الحياة المضطربة، والاتصال برجالها، فجعلوا فيها مدائحهم وأهاجيهم ومراثيهم، واختصوا بها، وكثيراً ما كانوا يعبرون أثناء ذلك عن آرائهم في السياسة وأحداثها ورجالها تعبيراً غير مباشر، يتخذ من الرمز والكتابة أو التعريض سبيلاً ووسيلة، فيتقون بذلك الأذى، ويتجنبون مظاهر القمع، وفي ذلك كله مجال واسع للتعليل والتحليل والدراسة وتقليب النظر.

ومهما يكن من أمر، فإن هذا الفن الشعري الفريد، يعد بحق من أروع فنون الشعر العربي على اختلاف مذاهبه وأغراضه وأساليبه، لما فيه من جدة ورقة وبراعة وصدق، وما يمكن أن يكشف عنه من ملامح فنية، وطوابع فكرية، ومظاهر سياسية، وظواهر اجتماعية تجعله جديراً بالدراسة والتقدير.

الهوامش:

(1) عيار الشعراء: ص10 وانظر بحثنا حول الملامح البيئية في النقد العربي في الموقف الأدبي ع 141-143 والفصل السادس من كتابنا فصول في النقد العربي وقضاياه.

(2)انظر بحثنا "الطير والحيوان في الشعر العربي" فصلة المناهل- وزارة الثقافة- الرباط- العدد 30- سنة 1984- ص 173-220 وفيه تفاصيل وافية حول هذه الأغراض كلها.

(3)الأغاني 12/132.

(4)الحيوان 2/274 والأغاني 12/133. والعطن: مبرك الإبل- ثلل الأطواء: أطراف البئر- القرن: الحبل- ورهاء: حمقاء- شزُن: غلاظ.

(5)المفضليات: القصيدة 17- ومنها أبيات في الحيوان 2/18-19. والرقميات: السهام- الصفراء: القوس- عائل: فقير- يستثيبهم: يطلب ثوابهم- أكدى: طلب فلم يجد- البلابل: الهموم.

(6)الحيوان: 2/203 و 2/276-277. والوتر: الثأر- اثأر: أخذ بثأره.

(7)المفضليات: القصيدة 126. وديوان الهذليين: ص 1-20. وجون السراة: حمار الوحش- الشبب: الثور المسن – مسشعر حلق الحديد: البطل المدرع.

(Coolالفهرست ط طهران ص 52 والتجارية/ مصر ص 70.

(9)الحيوان: 3/199.

(10)الأغاني 2/404-428.

(11)الأمالي 2/260.

(12)الحيوان 5/300 وانظر في أشعاره في الطير والحيوان والحشرات 5/297 وما بعدها.

(13)ديوانه ص 620.

(14)الأغاني 23/118.

(15)أخبار الشعراء المحدثين 164-166 وفي الأغاني 23/118 مطلع القصيدة.

(16)أخبار الشعراء المحدثين 193-195 وفي الأغاني 23/119 مطلع القصيدة.

(17)أخبار الشعراء المحدثين 176-178 وفي الأغاني 23/118 مطلع القصيدة.

(18)أخبار الشعراء المحدثين 172-173.

(19)أخبار الشعراء المحدثين 203-205.

(20)حياة الحيوان الكبرى 2/362-363 وانظر دراسات فنية في الأدب العربي ص 296-297.

(21)رحلات حمد الجاسر ص 235 عن مخطوطة ديوانه.

(22)ديوانه 179.

(23)وشعره كثير، ومحاسنه مشهورة، وفيه قصائد كثيرة في الطير والحيوان والحشرات، ولم يجمع في ديوان، وقد جمعنا شعره من مظانه، وأعددناه للطبع، ونأمل أن يرى النور قريباً. وانظر في هذا الشعر ومظانه بحثنا: أبو الفرج الأصفهاني أديب مشهور ومغمور في عالم الفكر –الكويت مج 15- ع1- س 1984 ص 259-294.

(24)انظر مقدمة الأغاني ط الدار 1/26-28.

المصادر والمراجع:

-أبو الفرج الأصفهاني أديب مشهور ومغمور: عالم الفكر- الكويت- مج 15- ع1- س 1984-ص259-294.

-أخبار الشعراء المحدثين: للصولي- تحقيق هيورث- ط2 بيروت 1979.

-الأغاني: لأبي الفرج الأصفهاني- ط الدار الكاملة 1937-1974 القاهرة (مصورة).

-الأمالي: لأبي علي القالي- ط 1 دار الكتب (مصورة دار الكتاب العربي- بيروت).

-حياة الحيوان الكبرى للدميري –دار الألباب- دمشق- مصورة- بلا.

-الحيوان: للجاحظ- تحقيق عبد السلام هارون- ط1 مصر 1948.

-دراسات فنية في الأدب العربي: د. عبد الكريم اليافي- ط2 دمشق 1972.

-ديوان أبي نواس: مصورة- بيروت.

-ديوان الكيواني: القاهرة 1301ه.

-ديوان الهذليين: ط دار الكتب- مصورة- مصر 1965.

-رحلات حمد الجاسر: ط 1 دار اليمامة- الرياض 1980.

-الطير والحيوان في الشعر العربي: محمد خير الشيخ موسى –المناهل- الرباط- ع 30- س 1984-ص173 –220.

-عيار الشعر: لابن طباطبا- تحقيق الحاجري وسلام- ط 1 القاهرة 1956.

-فصول في النقد العربي وقضاياه: محمد خير شيخ موسى- ط 1 دار الثقافة – الدار البيضاء 1983.

-الفهرست: للنديم- ط 2 تحقيق تجدد- طهران 1973 والتجارية مصر- بلا.

-المفضليات: للمفضل الضبي – تحقيق شاكر وهارون- ط 3 مصر 1964.

-الملامح البيئية في النقد العربي: محمد خير شيخ موسى- عدد خاص بالنقد ع 141-143-ص1983 ص 159-186.

**************************************************


 مراثي الطير والحيوان في الشعر العربي - محمد خير الشيخ موسى 78bc947fa275d05150ff41f9825f69d6


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ام لولو
عضومتقدم
ام لولو


الجنس : انثى
تاريخ التسجيل : 25/12/2010
عدد المساهمات : 2560
نقاط : 3741

 مراثي الطير والحيوان في الشعر العربي - محمد خير الشيخ موسى Empty
مُساهمةموضوع: رد: مراثي الطير والحيوان في الشعر العربي - محمد خير الشيخ موسى    مراثي الطير والحيوان في الشعر العربي - محمد خير الشيخ موسى Emptyالخميس 14 فبراير - 16:20

 مراثي الطير والحيوان في الشعر العربي - محمد خير الشيخ موسى P-yemen1%20%28120%29

**************************************************
 مراثي الطير والحيوان في الشعر العربي - محمد خير الشيخ موسى Ujikl1
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
سومري
عضومتقدم
سومري


علم الدولة :  مراثي الطير والحيوان في الشعر العربي - محمد خير الشيخ موسى 123
رقم العضوية : 16
الجنس : ذكر
تاريخ التسجيل : 12/09/2009
عدد المساهمات : 4956
نقاط : 7566
الجنسية : عراقية

 مراثي الطير والحيوان في الشعر العربي - محمد خير الشيخ موسى Empty
مُساهمةموضوع: رد: مراثي الطير والحيوان في الشعر العربي - محمد خير الشيخ موسى    مراثي الطير والحيوان في الشعر العربي - محمد خير الشيخ موسى Emptyالأربعاء 5 يونيو - 8:09

 مراثي الطير والحيوان في الشعر العربي - محمد خير الشيخ موسى Images?q=tbn:ANd9GcS5mX1kSDOca0Y0bq-UIxIaS2kEQ-mwWISA_wMGGMH8MB4N2E7l

**************************************************


 مراثي الطير والحيوان في الشعر العربي - محمد خير الشيخ موسى 78bc947fa275d05150ff41f9825f69d6


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
محمد احمد
عضومتقدم
محمد احمد


علم الدولة :  مراثي الطير والحيوان في الشعر العربي - محمد خير الشيخ موسى 123
رقم العضوية : 77
الجنس : ذكر
تاريخ التسجيل : 15/01/2012
عدد المساهمات : 2927
نقاط : 4371
الجنسية : عراقية
المزاج : احيانان سعيد جدا واحيانان غاضب جدا

 مراثي الطير والحيوان في الشعر العربي - محمد خير الشيخ موسى Empty
مُساهمةموضوع: رد: مراثي الطير والحيوان في الشعر العربي - محمد خير الشيخ موسى    مراثي الطير والحيوان في الشعر العربي - محمد خير الشيخ موسى Emptyالخميس 4 مايو - 10:51

قصيدة معبرة ورائع تحياتي
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
مراثي الطير والحيوان في الشعر العربي - محمد خير الشيخ موسى
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  المعلقات في الشعر العربي
»  الشيخ محمد رضا الشبيبي
» الشيخ ا محمد علي اليعقوبي
» حكم من بعض أبيات الشعر العربي
» *من روائع الشعر العربي*

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات العرب  :: منتدى الشعر الفصيح-
انتقل الى: