الحذف فن من فنون البلاغة
الحذف لغة:الاسقاط والقطع من طرفه,واصطلاحاً اسقاط جزء من الكلام او كله لدليل,وقيل انه الاضمار والايجاز,والحقيقة ان الحذف غير الاضمار والايجاز,
فالاضمار: أنّ شرط المضمر بقاءُ أثر المقدّر في اللفظ.
نحو: {يُدْخِلُ مَن يَشَآءُ فِي رَحْمَتِهِ وَٱلظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً} [الإنسان: 31] أي وَيُعَذِّبَ الظالمين.والايجاز فإنه عبارة عن اللفظ القليل الجامع للمعاني الجمة بنفسه.
والحذف خلاف الأصل؛
وعليه ينبني فرعان:
أحدهما: إذا دار الأمر بين الحذف وعدمه كان الحمل على عدمه، أوْلَى، لأن الأصل عدم التغيير.
والثاني: إذا دار الأمر بين قلة المحذوف وكثرته؛ كان الحمل على قلّته أوْلى.
ويكون الحذف في ثلاثة اشياء:
1.في الاسم
2.في الفعل
3.في الحرف
.الحذف في الاسم
فمنه حذف المبتدأ، كقوله تعالى [{ سَيَقُولُونَ] ثَلاثَةٌ} و [{خَمْسَةٌ} و {سَبْعَةٌ} [الكهف: 22]، أي] هم ثلاثة، وهم خمسة، وهم سبعة.وقوله [186/أ]: {بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ} [الأنبياء: 26]، أ] هم عباد.
ومنه حذف الخبر,نحو: {أُكُلُهَا دَآئِمٌ وِظِلُّهَا} [الرعد: 35]، أي [وظلها] دائم,وقوله: {إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِٱلذِّكْرِ لَمَّا جَآءَهُمْ} [فصلت: 41]؛ الخبر محذوف، أي يعذّبون.
ومنه حذف الفاعل,كقوله تعالى: {كَلاَّ إِذَا بَلَغَتِ ٱلتَّرَاقِيَ} [القيامة: 26] أي بلغت الروح.وقوله: {حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِٱلْحِجَابِ} [ص: 32] أي الشمس.
ومنه حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه,قال ابن جِنّي: وفي القرآن منه زهاء ألف موضع, كقوله: {وَسْئَلِ ٱلْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] اي اهل القرية,ومنه قوله تعالى: {لِّمَن كَانَ يَرْجُو ٱللَّهَ وَٱلْيَوْمَ ٱلآخِرَ} [الأحزاب: 21]، أي رحمة [الله، وقوله: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ} [النحل: 50] أي عذاب ربهم، وقول الله تعالى:"وَمَثَلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ ٱلَّذِي يَنْعِقُ" [البقرة: 171]، أي وَمَثَلُ واعظ الذين كفروا كَنَاعق الأنعام.
ملاحظة:أنّ المضاف إذا عُلم جاز حذفه مع الالتفاف إليه؛ فيعامل معاملة الملفوظ به؛ من عَوْد الضمير عليه [وغير ذلك]، ومع اطّراحه يصير الحكم في عَوْد الضمير للقائم مقامه.
فمثال استهلاك حكمه وتناسي أمره قوله تعالى: {وَسْئَلِ ٱلْقَرْيَةَ} [يوسف: 82] إذ لو راعى المحذوف لجرّ القرية، وجوزوا أيضاً
مراعاة المحذوف بدليل قوله تعالى] {أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ} [النور: 40]؛ فإن الضمير في {يغشاه} عائد علىالمضاف المحذوف بتقدير أو كذي ظلمات.
وقوله: {أَوْ كَصَيِّبٍ} [البقرة: 19] أي كمثل ذوي صيّب؛ ولهذا رجع الضمير إليه مجموعاً في قوله [تعالى]: {يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ [فِيۤ آذَانِهِم]} [البقرة: 19]؛ [ولو] لم يراع لأفرده أيضاً.
ومنه حذف المضاف والمضاف إليه, كقوله تعالى: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ} [الواقعة: 82] أي بدل شكر رزقكم,وقوله تعالى:"تَدورُ أَعْيُنُهُمْ كَٱلَّذِي يُغْشَىٰ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْمَوْتِ" [الأحزاب: 19]، أي كدوران عين الذي يغشى عليه من الموت.
ومنه حذف الجار والمجرور,
كقوله [تعالى]: {خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحاً} [التوبة: 102]، أي بسيئ {وَآخَرَ سَيِّئاً} [التوبة: 102] أي بصالح. وكذا بعد أفعل التفضيل، كقوله تعالى: {وَلَذِكْرُ ٱللَّهِ أَكْبَرُ} [العنكبوت: 45]، أي من كلّ شيء.
ومنه حذف الموصوف,يشترط فيه أمران:
أحدهما: كون الصفة خاصة بالموصوف؛ حتى يحصل العلم بالموصوف؛ فمتى كانت الصفة عامة امتنع حذف الموصوف.
والثاني: أن يعتمد على مجرد الصفة [من حيث هي]، لتعلق غرض السياق، كقوله تعالى: {وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 115]، {وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلظَّالِمينَ} [البقرة: 95]؛ فإن الاعتماد في سياق القول على مجرد الصفة لتعلُّق غرض القول من المدح أو الذم بها.
كقوله تعالى: {وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ ٱلطَّرْفِ} [الصافات: 48]، [أي حور قاصرات].وقوله: {وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلاَلُهَا} [الإنسان: 14]، أي وجنّة دانية.
وقوله: {وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ ٱلشَّكُورُ} [سبأ: 13]، أي العبد الشكور.
حذف المعطوف
وقوله: {مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ} [النمل: 49]، أي ما شهدنا مهلِك أهله ومهلكه، بدليل قوله: {لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ} [النمل: 49]؛ وما رُوي أنهم كانوا عزموا على قتله وقتل أهله؛ وعلى هذا فقولهم: {وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} [النمل: 49] كذب في الإخبار، وأوهموا قومَهم أنهم [إذا] قتلوه وأهلَه سرّاً ولم يشعر بهم أحد؛ وقالوا تلك المقالة [190/أ] [يوهمون] أنهم صادقون، وهم كاذبون.
ويحتمل أن يكون من حذف المعطوف عليه؛ أي ما شهدنا مهلكه ومهلك أهله.
وقال بعض المتأخرين: أصله ما شهدنا مهلك أهلِك بالخطاب؛ ثم عدل عنه إلى الغيبة، فلا حذف. وقد يحذف المعطوف مع حرف العطف، مثل: {لاَ يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ ٱلْفَتْحِ وَقَاتَلَ} [الحديد: 10].
وقوله تعالى: {وَإِذَآ أَرَدْنَآ أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا [فَفَسَقُواْ فِيهَا} [الإسراء: 16]؛ أي أمرنا مُتْرَفِيهَا]، فخالفوا الأمر، ففسقوا. وبهذا التقدير يزول الإشكال من الآية؛ وأنه ليس الفسق مأموراً به. ويحتمل أن يكون: {أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا} [الإسراء: 16] صفة للقرية لا جواباً لقوله: {وَإِذَآ أَرَدْنَآ} [الإسراء: 16]، التقدير: وإذا أردنا أن نهلك قرية من صفتها أنا أمرنا مترفيها ففسقوا فيها؛ ويكون إذا على هذا لم يأت لها جواب ظاهر استغناء بالسياق، كما في قوله: [تعالى] {حَتَّىٰ إِذَا جَآءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} [الزمر: 73].
حذف المعطوف عليه
{فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ ٱلأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ ٱفْتَدَىٰ بِهِ} [آل عمران: 91]، [أي لو مَلَكه ولو افتدى به].
ويجوز حذفه مع حرف العطف، كقوله [تعالى]: {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184]، أي فأفْطَر فعدة.
وقوله: {أَنِ ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْبَحْرَ فَٱنفَلَقَ} [الشعراء: 63] التقدير: فضرب فانفلق، فحذف المعطوف عليه، وهو "ضرب"، وحرف العطف وهو الفاء المتصلة بـ "انفلق" فصار: {فانفلق} فالفاء الداخلة، على "انفلق" هي الفاء التي كانت متصلة بـ {ضرب} وأما المتصلة بـ "انفلق" فمحذوفة.
حذف المبدل منه
اختلفوا فيه، وخرّج عليه قوله: {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ ٱلْكَذِبَ [هَـٰذَا حَلاَلٌ وَهَـٰذَا حَرَامٌ]} [النحل: 116
حذف الموصول
قوله: {آمَنَّا بِٱلَّذِيۤ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ} [العنكبوت: 46]، أي والذي أنزل إليكم؛ لأن "الذي أنزل إلينا" ليس هو الذي أنزل إلى ما قبلنا؛ ولذلك أعيدت "ما" بعد "ما" في قوله: {قُولُوۤاْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ} [البقرة: 136].
وهو نظير قوله. [{آمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَٱلْكِتَابِ ٱلَّذِي نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَٱلْكِتَابِ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ مِن قَبْلُ} [النساء: 136].
حذف المخصوص في باب نعم ,إذا علم من سياق الكلام:
كقوله تعالى: {نِعْمَ ٱلْعَبْدُ [إِنَّهُ أَوَّابٌ]} [ص: 30] التقدير: نعم العبد أيوب، أو نعم العبد هو، لأن القصة في ذكر أيوب؛ فإن قدرت: نعم العبد هو؛ لم يكن "هو" عائداً على العبد بل على أيوب.
وكذلك قوله تعالى: {فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ ٱلْقَادِرُونَ} [المرسلات: 23]، أي نحن .
**************************************************