الجنون...
انقد ابن الهيثم من مأزق مع الخليفة الفاطمي
يعتبر ابن الهيثم في الطليعة بين العلماء العرب الأقدمين, ولج في البصرة سنة 965م وعاش نحوا من 74سنة. تعمق في الرياضيات والطبيعيات والفلك وله مؤلفات كثيرة تناول في بعضها موضوع الضوء وموضوع المرايا وهي كما نعلم من مواضيع علم الفيزياء
ولابن الهيثم نظريات علمية اشتهر بها .. نذكر منها تلك التي عارض بها بطليموس واقليدس، وهما من أعظم علماء الإغريق, فقد أكد هذان العالمان أن العين التي ترى الأشياء إنما تراها بسبب الأشعة التي ترسلها إلى تلك الأشياء، وفند العالم العربي أبو الحسن ابن الهيثم هذا الكلام وأعلن خطأ هذا الادعاء وأوضح نظريته المناقضة في الكلمات التالية:
ليس هناك من أشعة تنطلق من العين لتحقيق النظر.. بل إن الأشياء المرئية هي التي تعكس الأشعة على العين، فتبصرها هذه الأخيرة بواسطة عدستها...
لسنا هنا بصدد الحديث عن مؤلفات أو نظريات ابن الهيثم وحسبنا أن نحكي حكايته مع الحاكم بأمر الله الخليفة الفاطمي في القاهرة آنداك.
فقد سمع الخليفة عن ابن الهيثم وعلمه وكفاءته فدعاه إلى القاهرة للقيام بدراسة مشكلة مصر الأولى في تلك الفترة وهي مشكل فيضانات النيل، فلو أمكن التحكم بمياه النيل والحيلولة دون هدر مياه فيضاناته والاحتفاظ بها لحين الحاجة واستغلالها في أوقات الجفاف، لكان في ذلك نعمة كبرى لمصر وأهل مصر.
وتوجه ابن الهيثم إلى القاهرة وبصحبته عدد من مساعديه واستقبلهم الحاكم بأمر الله استقبالا حافلا كان فيه الدليل الواضح على مدى حماسة الخليفة لتحقيق ذلك المشروع.
وانطلق العالم بعد ذلك في رحلة استطلاعية في نهر النيل، يدرس فيها المشروع دراسة أولية, وكان كلما تقدم في رحلته تلك وشاهد المزيد من آثار مصر القديمة.. أهراماتها ومدافنها ومعابدها وتماثيلها وأعمدتها\\ن شعر بمزيد من الفتور إزاء مشروع الخليفة، فتلك الآثار العظيمة تشهد بوضوح بالمستوى الرفيع الذي بلغه قدماء المصريين في البناء والعمران.. وفكر ابن الهيثم أن ليس من المعقول أن ينجح هو حيث فشل الفراعنة وشعر باليقين انه سيخفق إذا هو أقدم على تنفيذ ذلك المشروع.
وهكذا اعتذر ابن الهيثم للخليفة لعجزه عن تلبية رغبته وغضب الخليفة أشد الغضب وما كان منه إلا أن أمر بطرد ابن الهيثم من منصبه وتعيينه في وظيفة إدارية لا قيمة لها.
وشاء سوء طالع ابن الهيثم أن يتصرف تصرفا غير لائق وعن غير قصد، وإذا بالخليفة يثور ثورة عارمة فلم يجد ابن الهيثم منها مخرجا إلا بالحيلة، فمثل دور المجنون وأتقن التمثيل بحيث استدر عطف الخليفة واكتفى هذا بالحكم بمصادرة أمواله وبإقامته الجبرية في بيته وتحت الحراسة المشددة بدلا من إلقاءه في غياهب السجون، وبقي ابن الهيثم على هذا الحال حتى اختفى الفاطمي الحاكم بأمر الله.
واستأنف العالم العربي بعد ذلك حياته العلمية وانصرف إلى أعمال النسخ والترجمة إلى أن قضى نحبه سنة 1039م.