التفتتيمنة ويسرة ثم عبرت الطريق ووقفت تنتظر الحافلة كي تقلها إلى وجهتها ،وأثناء وقوفها الذي استمر لدقائق عشر كانت (روزا) تشاهد في ألم منظر مألوففي أمريكا آنذاك ، وهو قيام الرجل الأسود من كرسيه ليجلس مكانه رجل أبيض !.لميكن هذا السلوك وقتها نابعا من روح أخوية ، أو لمسة حضارية ، بل لأنالقانون الأمريكي آنذاك كان يمنع منعا باتا جلوس الرجل الأسود وسيدهالأبيض واقف .
حتى وإن كانت الجالسة امرأة سوداء عجوز وكان الواقف شاب أبيض في عنفوان شبابه ، فتك مخالفة تُغرم عليها المرأة العجوز !! .
وكانمشهورا وقتها أن تجد لوحة معلقة على باب أحد المحال التجارية أو المطاعممكتوب عليها ( ممنوع دخول القطط والكلاب والرجل الأسود) !!! .
كل تلك الممارسات العنصرية كانت تصيب (روزا) بحالة من الحزن والألم .. والغضب .
فإلى متى يعاملوا على أنهم هم الدون والأقل مكانة ...
لماذا يُحقرون ويُزدرون ويكونوا دائما في آخر الصفوف ، ويصنفوا سواء بسواء مع الحيوانات .
وعندما وقفت الحافلة استقلتها (روزا) وقد أبرمت في صدرها أمرا .
قلبتبصرها يمنة ويسرة فما أن وجدت مقعدا خاليا إلا وارتمت عليه وقد ضمتحقيبتها إلى صدرها وجلست تراقب الطريق الذي تأكله الحافلة في هدوء .
إلىأن جاءت المحطة التالية ، وصعد الركاب وإذ بالحافلة ممتلئة ، وبهدوء اتجهرجل ابيض إلى حيث تجلس (روزا) منتظرا أن تفسح له المجال ، لكنها ويا للعجبنظرت له في لامبالاة وعادات لتطالع الطريق مرة أخرى !!!.
ثارت ثائرة الرجل الأبيض ، واخذ الركاب البيض في سب (روزا) والتوعد لها إن لم تقم من فورها وتجلس الرجل الأبيض الواقف .
لكنهاأبت وأصرت على موقفها ، فما كان من سائق الحافلة أمام هذا الخرق الواضحللقانون إلا أن يتجه مباشرة إلى الشرطة كي تحقق مع تلك المرأة السوداءالتي أزعجت السادة البيض !!! .
وبالفعل تم التحقيق معها وتغريمها 15 دولار ، نظير تعديها على حقوق الغير !! .
وهناانطلقت الشرارة في سماء أمريكا ، ثارت ثائرة السود بجميع الولايات ،وقرروا مقاطعة وسائل المواصلات ، والمطالبة بحقوقهم كبشر لهم حق الحياةوالمعاملة الكريمة .
استمرت حالة الغليان مدة كبيرة ، امتدت لـ 381 يوما ، وأصابت أمريكا بصداع مزمن .
وفي النهاية خرجت المحكمة بحكمها الذي نصر روزا باركس في محنتها. وتم إلغاء ذلك العرف الجائر وكثير من الأعراف والقوانين العنصرية .
وفي27 أكتوبر من عام 2001، بعد مرور 46 سنة على هذا الحادث ، تم إحياء ذكرىالحادثة في التاريخ الأمريكي، حيث أعلن السيد ستيف هامب، مدير متحف هنريفورد في مدينة ديربورن في ميتشيغن عن شراء الحافلة القديمة المهترئة منموديل الأربعينات التي وقعت فيها حادثة السيدة روزا باركس التي قدحتالزناد الذي دفع حركة الحقوق المدنية في أمريكا للاستيقاظ، بحيث تعدَّلوضع السود.
وقد تم شراء الحافلة بمبلغ 492 ألف دولار أمريكي.
وبعد أن بلغت روزا باركس الثمانين من العمر، تذكر في كتاب صدر لها لاحقاًبعنوان القوة الهادئة عام 1994 بعضا مما اعتمل في مشاعرها آنذاك فتقول :«في ذلك اليوم تذكرت أجدادي وآبائي، والتجأت إلى الله ، فأعطاني القوةالتي يمنحها للمستضعفين.»
وفي 24 أكتوبر عام 2005 احتشد الآلاف من المشيعين الذين تجمعوا للمشاركة فيجنازة روزا باركس رائدة الحقوق المدنية الامريكية التي توفيت عن عمر يناهز92 عاما.
يوم بكى فيه الآلاف وحضره رؤساء دول ونكس فيه علم أمريكا، وتم تكريمها بأن رقد جثمانها
بأحد مباني الكونجرس منذ وفاتها حتى دفنها وهو إجراء تكريمي لا يحظى به سوى الرؤساء والوجوه البارزة.
ولم يحظ بهذا الإجراء سوى 30 شخصا منذ عام 1852، ولم يكن منهم امرأة واحدة.
ماتتوعلى صدرها أعلى الأوسمة ، فقد حصلت على الوسام الرئاسي للحرية عام 1996،والوسام الذهبي للكونجرس عام 1999، وهو أعلى تكريم مدني في البلاد .
وفوق هذا وسام الحرية الذي أهدته لكل بني جنسها عبر كلمة (لا ) ..
أشهر ( لا) في تاريخ أمريكا ..
كلحدث تاريخي جلل .. وكل موقف كبير مشرف ، كان وراءه شخصية مبادرة تؤمنبقدرتها على قهر ما اصطلح الناس على تسميته بـ ( المستحيل ) ! .
فكيف يصبح المرء منا شخصية مبادرة ؟كيف يمكن أن نصنع بأيدنا العالم الذي نحيا فيه ؟