في نهاية القرن الحادي عشــــر الهجري غير نهر دجلة مجراه الى الناحية الشرقية وهــــي المـــجرى الحالي للنهر ليتــــرك مدينة واسط عاصمة الحجاج يقتلها الضمأ ويطــــويها الردى وتندثر تـــــلك المدينة التي رفدت الحضارة العربية الاسلامية بما جادت به عقول ابنائها مــــــن علوم وفنون واداب كـما ذكرنا ذلك سلفا في عصرين ذهبيين من حياتها الزاخرة بالحياة . فزالت عـــــن الوجود بشكل عجيب غريب يثير الدهشة ويبعث على الحيرة والاستغراب . فبــــــفترةقصيرة جداًلم يشهد لها التاريخ مثيلاً تنقلــــب مدينـــة واســـط العريقة الى تلال واطلال فأندرست عمارتها وأنمحت اثارها عن الحياة والوجود ولــــم تكن هناك علة مدمرة ادت الى خرابها بهذا الشكل القاتل سوى ان نهر دجلة غـــــيــر مجراه عنها وابتعد عن اديمها فكان ذلك مدعاة خرابها وضياعهـــا . ولم تسعفنـــا الـــــمصادر التاريخية فتذكر لنا اين رحل سكانها واين التجأ علماؤهــــا ومفكروهـــا وكيف انمحت عـــن الوجود عمارتهــــا ؟ . هذه تساؤلات تبقى في الذهن لا نجد لهى الجواب المقنع .
لقد وردت اشارات فــــي اواخر القرن الحادي عشر الهجري على ان منطقة واسط تسمى العمارة ممــــا حدا بالسيد عبد الكريم الندواني مؤلف كتاب ( تاريخ العمارة ) ان يقول ان مدينة الــــكوت سميت بـ (كوت العمارة )1 نسبة الى مدينة العمارة التي ابتنية بعد مدينة الكوت بفترة مــــــــن الزمن ولا يصح ان يسمى ما هو قديم بما هو محدث وعليه فان الذي ذهب اليه مؤلف كتاب تاريخ العمارة غير صحيح 2.
ولـكن لفظة العمارة مقترنة بلفظة كوت تشير الى معنا القبيلة العظيمة . لقد جاء في كتاب القاموس المحيط فـي تفسير لفـــــظة العمارة ( انها اصغر من القبيلة او الحي العظيم ) وجاء فــي مختار الصحاح ( والعِمارة القبيلة والعشيرة ) وفي كتاب مجمل اللغة لاحمد بن فارس ( العَمارة القبيلة والعشيرة والعِمارة ضد الخراب ) وفي كتاب زهرة المقول فــي نسب ثاني فرعي الرسول لمؤلفه السيد علي بن الحسن بن شدقم والمتوفى سنة 1033 هـ - 1623 م يقول في مقدمة كتابه في الانساب ( والعمارة والحي مترادفان او متقاربان والعمارة اصغر من القبيلة ) 3
مــن كـــــل ما ورد انفاً نستنتج ان لفظة العمارة التي تذكر عند الحديث عن المنطقة الواقـــــعة الــى الجنوب مــن بغداد و المنفتحة على المنتفك والحلة والديوانية غرباً وعلى ميسان شرقاً وحدود هور الحويزة وقــسم من شمال البصرة هي اشارة الى
************************************************** **
1- عبد الكريم الندواني :- تاريخ العمارة
2- السيد راضي الطباطبائي :- مخطوطة تاريخ الكوت
3- علي بن الحسن بن شدقم :- زهرة المقول في نسب ثاتي فرعي الرسول
ينالماضي والحاضر تاليف السيد عبد المنعم تقي الطباطبائي
منطقة واسط القديمة وسميت بـ ( العمارة )لانهـا سكــنت مــن قــبل عمارة ( بني لام ) والتي شكلت في العهد العثماني لواء باسم لواء ( بني لام ) .
وقد وردت لفظة العمارة في رحلة( كومس )المطبوعة سنة 1083 هـ - 1672 م اذ قال ( انه بينما كان مسافر من بغــداد الــى البــصرة بطـريق دجلـة هجــم علــيه وعلى المسفرين معـــه تحت العمارة اعراب بقــصد سلبــهم فــصدوهم ثم تفاوض الفريقان وبعــــد اخذ ورد اكتـــــــفى الاعراب بهدية من التتن والبطيخ وامثال ذلك ووعدوا بالكف عن الاذى وكانت هـذه الرحلة سنة 1655 م - 1066هـ .
يعلق السيد يعقوب سركيس فـــــي هــــامشه على المقال المنشور في مجلة غرفة تجارة بغداد يقول ( والعمارة هـي غير العمارة الحالية فأنها القديمة وهي ما سمي بعد ئذن بكوت العمارة نفسه وهو ما غدونا نسميه الكوت اختصاراً ) 1
واشارة لكوت العمارة ايضاً مـا ذكر ان الوالي سليمان باشا العثماني المتوفى سنة 1217 هـ - 1802 م ( انشيء عـلى نهر ناريم قنطرة وعمّر كوت العمارة وسور وعمر سور البصرة وقرية سيدنا الزبير ) 2
يذكر ان فــي منتصف القرن الحادي عشــــر الهجري ان قبيلة بني لام خيمت محل اعمامها طـــــي لان بني لام بطن مـــــن طي وكانوا ينعتونها ذلك العصر ( عشائر العمارة) وقد قال عنها ابراهيم فصيح البــغدادي فــي كتابه ( عنوان المجد )والذي كتبه سنة 1286 هـ - 1869 م ( ومـن العشائر العـــظيمة المترفضة عشيرة بني لام وهي كثيرة العدد والبطون حمايلهم مــن اكابر الناس كرما ونجابة وبأساً بطناً من طي من القحطانية وهم بنوا لام بن عـمر بن علية بن مالك بن جدعان بن ذهل بن سرحان بن جندب بن خارجة بن ســعد بن قطرة بن طي ) 3 وكانت منازلهم في الاصل في ( المدينة ) الى الجبلين ثم رحلوا الـــــى العراق وكان اميرهم في القرن العاشر الهجري هو ( ابو نصير حافظ بن براك ) وقــــد سطع نجمه في سماء هذه البقاع واصبحت القـبائل تخشاه لشجاعتـــه وغزارة عقلـــه وقد نكل بعشائر ربيعة واجلاها عـــــن مواطنها ( الجوازر ) وسيطر بعشائره الكثيرة - وان كانت غالبية العشائر التي كانت معه لم تمت له بصلة ولكنها تتسمى باسمه ليحميها- .
نقول سيطر على اطراف الجوازر بل بكاملها وكان الذي تحت نفوذه ايضاً من هور حافظ في الغراف الى العمارة ( الكوت ) الى العزير الى الطيب و الدويريج ولكنه
**************************************************
1- مما يذكر ان عشائر بني لام كانت قوية قد اجتمعت حولها وتحت راياتها الكثير من العشائر الضعيفة طلباً لحمايتها فأدت معها وقاتلت تحت امرتها .
كان مترحلاً ومتنقلاً يعيش حيــــاة البادية وحين قويت سلطة العثمانين في العراق سيطرت علـــى اكثر هذه العشائر واخضعتها لسلطانها وفي بعض الاحيان جاملتها وخطبت ودهــا وعملت على استقرارها وسكنها وشكلت من تلك العشائر المترحلة لواء كبيراً تمــتد حدوده من العمارة( الكوت ) الى قرب العزير واسمته ( لواء بني لام ) وقد دمر هــــــذا اللواء اخيراً شيخ عشائر بني لام المدعو ( الشيخ جساس ) وقتل متصرف اللواء انذك .فجهز والي بغداد (حسن باشا 1117 هـ - 1705 م ) انذك عليهم جيشـــاً كبيراً وســـــــار بنفسه مع قوة من المدافع فأجلاهم الى الطيب والدويريج حتى دخلوا البلاد الايرانية وفــــي ذلك العهد نهاية القرن الحادي عشر الهجري كانت الحكومة العثمانية تحمل الحقـــد العظيم الى القبائل العربية وكرست كل قواها لمحاربتهم واخضاعهم الـــى سلطتها خوفاً من ان تقوم في العراق امارة او حكومة عربية .
لقد اشتهرت منطقة العمـارة فــــي بداية القرن الثاني عشر الهجري شهرة عظيمة مما حدا بالوالي حسن بـــاشا وابنــه احمد باشا ان يلعنا من ينطق باسمهما واطلقا عليها اسم ( زابط الجنوب ) ولــــكن العلميـــة تظهر مــن افواه الناس والاعاريب واهل تلك الديار ولا يمكنها الحكومة ان تلجم افواه الناس مـــن هذه الناحية فكانوا يقولون بـ ( كوت العمارة )1
وقد جاء ذكر لغزوة الوالي حسن باشا لديار بني لام في منطــقة العمارة في كتاب تاريخ بغداد لابن السويدي حيث قال ( في هذه السنة غزا بني لام وهؤلاء قوم من الاعراب شرق دجلة ذووا صولة واصحاب حمية وهم عصاة عتاة بغاة طغاة دائماً ينهبون قوافل العجمية ويأخذون الرواحـــل الرومية حتــى ان قرى شرق بغداد لم تسلم من شرهم ولم تامن مدى الزمــان ضرهم بل دائماً يشنون الاغارة من مندلي الى جصان ويعاملون الرعية بالخسران والـــهوان ويذهبون الــى نواحي الجوازر والبصرة وكذلك الحويزة فهي منهم في ضيق وعسر لم يخلوا من الفتن ساعة ولم يزالوا في شق عصا الجماعة بل من وقت الفتح الى وقتنا هذا لــــم يتبعوا احد من العمال ولم يطيعوا الكماة الرجال وفي بعض الاوقات يوافقون المنتفق ويسالمونهم ويواخوهم ولا يحاربوهم فتزداد اشرارهم ويكثر رمــــاد الفتن وتعلو نارهم لكثرة عدد المنتفق وعددهم ومناصرتهــم ومعاضدتهم فـــــــي مددهم فسار اليهم الوزير المذكور بالجنـــــد المنصور وتـــــبع اثارهم واستتبع اخبارهم وطفق يؤم الجحافل ويقصد الاعداء بـــكل بطل مقاتل فلما بلغ ديارهم لم يجد الا اثارهم ولم ير غير اثر
************************************************** *
1- السيد راضي الطباطبائي :- مخطوطة تاريخ الكوت نقل عن شهاب احمد الراوي قاضي الكوت العثماني انذك .
بعد عين قد حدا بهم حادي البين اذ لمّــــــــا سمع أولائك الحزب المحيل بقدوم الليث تأهبوا للرحيل وساروا هاربين مــــــن البيداء قائلين ســــنأوي الى جبل يعصمنا من الماء (1) .
ومن أخبار عــشائر بني لام الذين كانوا يسكــــنون منطقة (كوت الأماره ) أن شيخ بني لام فــــــي سنــــة 1112هـ -1700م أبدا الطاعة للدولة وبين أنه حاضر وأن عشيرته تبلغ عشرين ألف رجل وألبسه القائد الخلعة وتعهد بالأنقياد والطاعة ومن ثم أعلم العشائر الأخرى فجاء شيوخها وطلبوا الأمان والعفو وأخذت منهم الرهائن وكتبت لهم خطوط الأمان(2).
وفي سنــــــة 1131هـ -1718م (وقع بين بنــــي لام الخلاف وعدم الألتئام وقاتل بعضهم بعضاً فركب الوزير المذكور (حسن باشا) علـيهم لألفة جمعهم فعزل الشيخ فارس من منصبه وشيخ عليهم الشيخ عبد السيد مــــــن سلالة المشـــــايخ الأكابر والرؤساء الأفاخر ) (3) .
وهكذا نجد أن عشائر بني لام كانت لــــم تذعن بالطاعة ولا أدت التكاليف المطلوبة بل هاجمت بعض القرى وهي مــن أقوى العشائر شكيمة تقع حجر عثرة في طريق بغداد /البصرة بل تجاوزت حتى بلغـــت (خان بني سعد )ومن أيام السلطان سليمان القانوني لم تذعن للولاء وكلــــما تضايقت مالت الى أيران لتكون بنجوة وعشائرها كثيرة (4) .
من الملاحظ أن هذه الفترة الزمـــــنية مــن عمر العراق عامة ومحيط منطقة واسط خاصة كانت تسوده القلاقل والفتن وحــــياة الغزو والأحتراب بين العشائر المختلفة وذالك لعدم الأستقرار فــــــــــي الأراضي وأستثمارها وأعمار العمائر فيها بل كانت القبائل والعشائر تعيش حالة البداوة فـــــي حلهــا وترحالها معتمدة على حلالهامن الأبل و الغنم والبقــــــر ويعيشون مرحلة الرعي متتبعيــــن مساقط الغيث ومجاري المياه ومنابت الكلأ لذلك عملت الحكومات العثمانية في العراق عــــلى أستقرارهذه العشائر وأقطاعـــها الأقطاعـــات الواسعـــة للقضاء علــى عــدم الأستـقرار ولبسط النفوذ والحصول على الطاعة والنظام .
1- ابن السويدي - تاريخ بغداد ص27
2- عباس العزاوي - تأريخ راشد - حوادث سنة 1112هـ - 1700م
3-أبن السويدي - نفس المصدر السابق
4- العزاوي - تأريخ العراق بين أحتلالين
ومن الأحداث التي تذكر فــــــي هذه الفترة الــــــــتي أتسمت بعدم الأستقرار وبالحل والترحال لدى العشائر الكثيرة التي كانت تتدفق على العراق من حدوده الغربية طلباً للمراعي الخصبة في العراق فقد جاء في أحداث سـنة 1122هـ 1710م أن عشائر ربيعة ويتبعها مياح وكان من مناصري الشيخ (مغامس ) شيخ المنتفق والذي أحتل البصرة وأصبح فيها أميراً مســــــتقلاً وشكل حكومة قوية هناك وكان يوم ذاك شيخ المشايخ لعشائر ربيعة أسمه الشيـــخ (خلف) جاء الــــى الوزير يشكو الحالة فجهز الوزير جيشاً عليهم ومضى الوزير من ديالى فورد المدائن (سلمان باك) ولما وصل أتجاه منطقة أم الغزلان أمر كــــتخداه (يوسف أغا) ان يعـــبر دجلة بألفين من جنده وذهب مع الشيخ المزبور فمضوا في طريقهم أما الوزير فأنه سار على طريقه حتى وصل (كوت العماره فساق جيوشه نحو (آل أزيرج) ومنه مضا الى شط زكية فأغار على المنازل منزلاً فمنزل حتــى وصل الى قرب هور (أبي غرافة)وأعمل السيف في الثوار(1) 0
ومن أخبار وحوادث سنـــة 1122هـ - 1710م أن الوالي (حسن باشا) والي بغداد قدم كوت العمارة وبقي فـــي قلعتها أكثر من شهرين فعمر قلعتها وأرسل خط الأمان الى شيخ المنطقة (عبد العـــــال ) شيخ بني لام وبعثه بيد على أغا وجاءت له وفود العشائر من عقيل وربيعة لــيأخذوا منه الأمان والأطمأنان وبعد مشاورات مع القادة العسكريين أمر الوالي الــمذكور بسد شط العمارة لينتقم من العشائر التابعة لبني لام والثائرة هناك فأضطر الـــــــى سده فـي الخامس من شهر رمضان سنة 1122هـ -1710م وأستمر العمل ثلاثة وخمـــسون يوم حتـــى أتمه فبذل أهتمام زائد وصرف مبالغ طائلة وقتل أكثر من أحد عشر رجلاً ودفنهم فــــــــي السد لأنهم كانوا يثبطون العزائم ولما عاد الوالي المذكور الـــــى بغداد وبعد مضي شــــــهر واحد أنهار السد وعادت مياه دجلة الى مجراها الطبيعي ولم تفد تلك التدابير (2)
ذكرت حوادث ســـــــنة 1122هـ -1710 م أن شيخ بني لام السابق(عبد العال) قد جمع أعوانه وأظهر العصيــــان والتمرد وأغار على شيخ بني لام الجديد الذي عينه الوالي حسن باشا فـــــي منطقة (كوت العمارة ) وجصان ونهب التجار القادمين من ناحية البصرة وأثار الـخوف والفزع والبلبلة في تلك المناطق ولم يعلم الوزير حسن باشا أن شيخ الحـــويزة (عبدلله خان) هــــــو الذي كان يعاضده ويساعده ولما شعر الوزيربذالك لاحقه حتى وصل الكرخة ثم الحـــويزة فأعــتذر عبدلله خان من معاونة الشيخ المذكور وواصل حسن باشا زحــــفه علــــى شيخ بني لام حتى أدخلهم البلاد الأيرانية وأستعصموا في الجبال(3) 0
1-2-3-:- أحمد شهاب الراوي مخطوطة ذكرها السيد راضي الطباطبائي في مخطوطتة تاريخ الكوت وقد ذكر لي ان تلك المخطوط قد فقدت منه0
ومن احداث كوت العمارة ان الشـــخ عبــد القادر شيخ بني لام قد اغتنم الفرصة في الحرب التي وقعت بين والــــي بغـــداد ونادر شاه فقد اصبح ملك في هذه البقاع ولم تتمكن الحكومة العثمانية مـــن مناوأته حــــــتى تزعم بالاضافة الى عشائره عشائر الفيلية الاكراد ففي سنة 1145 هـ - 1732 م هدم عبد القادر القلعتين الشاخصتين في كـــوت العــمارة وصادر مدافعها وقتل الانكشارية فيها واخذ يستخدم اهل السور من حدادين وحـــاكة لاغراض عشـــائره واخذ الــضرائب الفادحة من الرجال وكــار السفن وغيرها وبقي الى سنة 1150 هـ- 1737 م مــــستقلاً عن الدولة العثمانية ولما فرغ والي بغداد له ذهب بنفسه الــيه لاخضاعه ولمــــا احس الشيخ عبد القادر بزحف الوزير الوالي عليه تجمع هو وعـشائره في علي الشرقي اما الوالي المذكور ففي اوائل سنة 1150 هـ - 1737 م زحــف بجيوشـه براً و نهراً حيث سير السفن الحربية وفيها المدافع تمشي على سيره فـي دجلة وداخلها جميع ما يلزم من ادوات الحرب ويسيرونها اناس معنيون بـــها يقال لـــهم ( الفرقد جية ) ولكل سفينة كبيرة موظفون لهم الوظائف الخاصة ومهيــأة للحرب وعلى اثر ذلك وقع الرعب والخوف في قلوب القوم . نزل الباشـــا الوالي فــــي ( كوت العمارة ) في 25 جمادى الاولى وأستراح ليلته فـــيها اما عـــبد القادر فقد رتب جيش عشائره فـي الاماكن الحريزة واستعد الى الحرب وأبدى الخصومة الشديدة والبسالة الفائقة وأشتبك الطرفان في قتال عنيف انتصر عبـد القادر في أوله وكان القتال عنيف حتى نفذت ذخيرة بنادقهم فأشتبك الطرفان في الـخناجر فكانت مجزرة رهبية ثم ظهرت علائم النصر اخيراً في
جيش الوزير الوالـي وولت العشائر الادبار وقتل مــــن الطرفين خلق كثير وفر من فر من العشائر فتعقـــبوهم الى اخبيـــتهم وغنـــموا اموالهم واسروا قسماً كبيراً من رجالهم وعلى هذا فقد ورد جماعة مـنهم وطلبوا الامــــان وتصالحوا على ان يؤدوا الميري ومصاريف الجيش فوافق الوالـــي علــــى ذلك وصدرت الاوامر بالعودة الى بغداد .1
هذا موجز عن حياة الشتات والضياع التي عاشتها منطقة واسط بعد ان كانت واسط مدينة العلم والادب والفن والعمارة ومعقل الجند ومنطلق الفتح وبعد ان اسهمت في بناء صرح الحضارة العربية الاسلامية في عصور ازدهارها .
هذا الحديث الموجز والمركز يعطي صورة واضــــحة عن حياة المجتمع العراقي في هذه المناطق وفـي تلك الفترة وهــــي عبارة عـــن حياة بدوا وتشتت وعدم استقرار يسودها الغزو والـتناحر والتبعثر والسيادة الى القوي ولم تكن هناك حكومة مركزية قوية تتمكن مـن فرض القانون وبسط النفوذ بل ان الامر كان بيد ولاة اتراك غايتهم سرقة الاموال ونهــب الموارد فلا يفكرون في الاصلاح ونشر الاستقرار والامن لان كل واحد منهم كــان يدفع الى السلطان الاموال الطائلة لكي يحصل على ولاية بغداد.
وطبيعي ان ذلك يدفع بالولاة الى ان يرهقوا الــبلاد بالضرائب ليعوضوا مادفعوا الى السلطان فلا اصلاح ولا بناء ولا اعــــمار ولا استـــقرار فكان العراق البقرة الحلوب للوالي والسلطان .
في اواخر القرن الثــاني عشر الهــــجري بدأت الحكومة العثمانية محاولة السيطرة على مناطق العراق وحاولت اسـكان العشائر وتوطيــنها ومنحها الاراضي في بعض الاماكن التي تصلح للزراعة واختارت الاراضي الـخصبة لزراعتها فابتنت القـــــلاع وعينت لها موظفين وحــرس ( الانكشارية ) يحرسونـــها واخذت في جباية الاموال وفرض الميري على شيوخ العشائر وتمكنت نقل تلك العشائر من حالة البداوة والغزو والاحتراب الى حالة الحياة الزراعية المستقرة والتي تساهم في بناء مجتمع مستقر يعمل على البناء والاعمار وكل متطلبات التطور والرقي .
في هذا الزمن بدأت مــلامح مدينـــة ( كوت العمارة ) تظهر الى الوجود حيث وجود القلعتين التركيتين التـــي يسكنها الحـــراس الاتراك وبعض الصناع وفي ذلك الوقت ايضاً بداء ظهور حركة الـسفن البخارية الماخرة في دجلة بين بغداد والبصرة والتي احتاجت الى تجهيزها بالوقـــود وما يحتــــاج اليه المسافرون على ظهرها فمن هنا بدء عـــصر جديد لبداية تكوين مدينة جديدة ترث مدينة واسط سميت اولاً بـ ( كوت العمارة ) ثـــم لواء الكوت واخيراً حملت اسم واسط وتحملت تاريخها وارثها الكبير لتسهم في بناء العراق الجديد
**************************************************