تعد الشاعرة المحدثة المبدعة (لميعة عباس عمارة) محطة مهمة من محطات الشعر في العراق
ولدت الشاعرة لعائلة صابئية مندنائية عراقية في بغداد قرب الشوّاكة في الكرخ سنة 1929م
ونشأت في مدينة العمارة ( محافظة ميسان ), وأخذت الثانوية العامة في بغداد، وحصلت على إجازة دار المعلمين العالية سنة1950م،
وعينت مدرسة في دار المعلمات, تخرجت في دار المعلمين العالية سنة 1955
وكانت عضوة الهيئة الإدارية لاتحاد الأدباء العراقيين في بغداد[ 1958 – 1963].
كذلك عضوة الهيئة الإدارية للمجمع السرياني في بغداد.
وهي أيضا نائب الممثل الدائم للعراق في منظمة اليونسكو في باريس [ 1973-1975].
مدير الثقافة والفنون / الجامعة التكنولوجية / بغداد. وفي العام [ 1974] منحت درجة فارس من دولة لبنان.
ذكرت في موسوعة who is who ضمن النساء المشهورات في العالم
لها سبعة دواوين شعرية مع ديوان ( بالعامية ) والعديد من المؤلفات المنشورة والغير المنشورة وترأس حاليا تحرير مجلة ( مندائي ) التي تصدر في امريكا
تقيم حاليا في مدينة سان دييغو في ولاية كالفورنيا
بدأت الشاعرة كتابة الشعر في وقت مبكر من حياتها منذ أن كانت في الثانية عشرة، وكانت ترسل قصائدها إلى الشاعر المهجري (إيليا أبو ماضي) الذي كان صديقاً لوالدها، ونشرت لها مجلة السمير أول قصيدة وهي في الرابعة عشر من عمرها وقد عززها إيليا أبو ماضي بنقد وتعليق مع احتلالها الصفحة الأولى من المجلة إذ قال : (إن في العراق مثل هؤلاء الأطفال, فعلى أية نهضة شعرية مقبل العراق..) ثم درست في دار المعلمين العالية – كلية الآداب – وقد صادف أن اجتمع عدد من الشعراء في تلك السنوات في ذلك المعهد، السياب, والبياتي والعيسى, وعبد الرزاق عبد الواحد, وغيرهم، وكان التنافس الفني بينهم شديداً، وتمخض عنه ولادة الشعر الحر ، ويذكر لها حين كرمتها الحكومة اللبنانية بوسام الأرز تقديراً لمكانتها الأدبية- لم تتسلم الوسام (لان الحرب الأهلية قائمة) وكتبت تقول: على أي صدر أحط الوسام ولبنان جرح بقلبي ينام.
كتبت الشعر الفصيح فأجادت فيه, كما كتبت الشعر العامي وأجادته كذلك، مثلها مثل الكثير من شعراء العراق الذين يكتبون الشعر الفصيح والعامي أو يضمنون قصائدهم الفصيحة بشعر عامي.
أحبت الشاعرة اللغة العربية وتخصصت بها ومارست تدريسها دون أن تتنكر للهجتها الدارجة فوجدت نفسها في الاثنين معاً. وترى لميعة في اللغة العربية الفصيحة وسيلتها للتواصل مع الآخرين الأوسع، لكنها تجد في لهجتها العراقية (العامية) ما يقربها من جمهورها المحلي الذي استعذب قصائدها فتحول بعضها إلى أغنيات يرددها الناس.
وقد أمضت لميعة زمن طفولتها مريضة ، وكان لاغتراب والدها عن العراق أثر في نفس الابنة الشاعرة، ولا سيما أنها التقته لشهرين فقط، ثم توفي، لكنها بقيت وفيةً لذكراه في شعرها. بدأت (لميعة) تقول الشعر وكان عمرها 15 سنة ،عندما أرسلت بواكيرها الشعرية إلى (إيليا أبي ماضي) الذي تربطه بوالدها صلة صداقة واغتراب في بلاد المهجر، فأعجب بشعرها وصار يشجعها وسماها الشاعرة الصغيرة. بدأت بالشعر الهجائي الساخر، وبقيت روحها الساخرة ظاهرة في شعرها، أقامت سنين عديدة في بيروت قبل أن تهاجر، وأصدرت سبع مجموعات شعرية ، مع إنها انقطعت زمناً عن الشعر، بعد زواجها وإنجابها أربعة أولاد. وان واكبراولادها السيد زيدون مبارك جودة يبدو يرافق الشاعرة في معظم امسياتها الشعرية
تقيم شاعرتنا منذ سنوات في مدينة سان دييغو في ولاية كالفورنيا ـ الولايات المتحدة.
لو أنبأني العراف –هو عنوان مجموعة شعرية مطبوعة-واول قصيدة في المجموعة-وقد غُنيت هذه القصيدة
لو أنبأني العرّاف
أنك يوماً ستكونُ حبيبي
لم أكتُبْ غزلاً في رجلٍ
خرساء أًصلّي
لتظلَّ حبيبي
لو أنبأني العراف
أني سألامس وجه القمرٍ العالي
لم ألعب بحصى الغدران
ولم أنظم من خرز آمالي
لو أنبأني العراف
أن حبيبي
سيكونُ أميراً فوق حصانٍ من ياقوت
شدَّتني الدنيا بجدائلها الشقرِ
لم أحلُمْ أني سأموت
لو أنبأني العرّاف
أن حبيبي في الليلِ الثلجيِّ
سيأتيني بيديهِ الشمسْ
لم تجمد رئتايَ
ولم تكبُرْ في عينيَّ هموم الأمس
لو أنبأني العراف
إني سألاقيك بهذا التيه
من يقرأ قصائد الشاعرة لميعة يتوقف عند صفتين اساسيتين حددت شعرها ، الأول سعيها للتعبير عن أنوثتها أمام الرجل ، والثاني الاعتزاز بانتمائها العراقي
تستهل أحدى قصائدها بمفردتين محليتين هما "هلا" و"عيوني" فتغني للعراق وتجد كل شئ جميل
(هلا) و(عيوني) بلادي رضاها
وازكى القرى للضيوف قراها
بلادي ويملاني الزهو اني
لها انتمي وبها اتباهى
لان العراقة معنى العراق
ويعني التبغدد عزا وجاها
اغني لبغداد تصغي القلوب
والفي دموع الحنين صداها
وان قلت بغداد اعني العراق
الحبيب بلادي باقصى قراها
من الموصل النرجسيه ام الربعيين
والزاب يجلو حصاها
الى بصرة الصامدين نخيلا
تشبث من ازل في ثراها
واسكنت نفسي اقصى البعيد
وقلت غبار السنين علاها
فما نستني عيون النخيل
ولا القلب والله يوما سلاها
واعرف انه قمر للجميع
ولكنه قمر في سماها
يبقى الهوى بغداد (شعر عامي):
عشر الملايين الهواهم ولا لي عوض
فاركتهم بالرغم فرض علي انفرض
وما صاحبي بعدهم غير التعب والمرض
والدمعتين التنام بشعري تالي الليل
اكول خلصت وثاري الخلص بس الحيل
أدري جبيرة الأرض بس مالي بيها غرض
تقول في حيرة ممزوجة بالحب في جسر حديدي في بغداد
يا ثِقْلَ كرخِيَّ نُجاذِبـــهُ لُطفَ الهَوى ووِصالُه نَزْرُ
مُتَرَدِّنٍ بالزَهـــوِ، أعْجَبَهُ أنَّ الأحبــةَ حَوْلَهُ كُثــرُ
يدنو، فتَحْسَبُ أنتَ لامسـهُ ويغيبُ ليس لليلـهِ فجرُ
ويقولُ: "مشتاقٌ" وفي غَـدِهِ يتمازجانِ:الشوقُ والهجرُ
ونُريدُهُ، ونُلِــــحُّ نطلبهُ فيجيئُنا مِنْ صوبهِ عُـذِرُ
ويظَلُ هذا الجسرُ يُفصــلنا وكأنَ دَجلةَ تحتهُ بــحرُ
خُلقَتْ جسـورُ الكـونِ موصــلةٌ إلا "المعــــلقِ" أمرهُ أمــــرُ "
وصف الشاعر السوري شوقي بغدادي الشاعرة لميعة بأنها شاعرة الرجال، فقال إذا كان نزار قباني شاعر النساء فإن لميعة شاعرة الرجال.
تقول لميعة:
مازلت مولعة ، تدري تولعها
مشدودة لك من شعري ومن هدبي
من دونك العيش لا عيش ، وكثرته
درب طويل . فما الجدوى من النصب
وهي تفصح عن هذا الغائب الحاضر الرجل ، وهو هنا ربما كان حبيباً أو أباً لكنه الرجل:
عد لي صديقا ، أخا ، طفلا أدللـه
عد لي الحبيب الذي كم جد في طلبي
عد سيدي ، تلك دون الشمس منزلة
أحلى المناداة عندي سيدي وأبي
تمتلك الشاعرة من الجرأة والتمرد ما سبق عصرها وهي تعيش غريبة في الولايات المتحدة وكلما زارت بلداً عربياً قالت هذه فرصة أن لا أموت في أمريكا
وفي توظيف لرموز دينية وتاريخية تشكو عذاب الحب في جرأة وتمرد قل نظيرها في قصيدة (رهينة الدارين):
يعلم الله أنني أتعذب
رهبة من مشاعري أترهب
لا تقل لي ( أحب )
هذا بعينيك اشتهاء
ونزوة
سوف تذهب
لست أيوب
لن تطيق وصالي
هو شيء من الخرافة أقرب
أن تراني وحشية التوق للحب
وتبقى معي الرفيق المهذب
أبعد الشعلتين _ كفيك _ عني
لا تلامس هذا الكيان المتعب
أنا رهن الديرين
أنساني الحرمان جسمي
ولذتي أن أصلب
**************************************************